الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 734/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 734/الكتب

بتاريخ: 28 - 07 - 1947


من وراء الأفق

(تأليف الأستاذ محمد عبد الغني حسن)

للأستاذ علي متولي صلاح

تفضل الصديق الشاعر الأستاذ محمد عبد الغني حسن فأهدي إلى ديوانه (من وراء الأفق) الذي ضمنه بعض قصائده التي قيلت في مناسبات شتى اغلبها في التغني بمفاتن ما جاس الشاعر من بلاد أوربا حيث كان يطلب العلم في ربوعها وهو بعد في فورة شبابه، واكتمال قوته وازدحام قلبه ونفسه بالصبوة واللهفة والحب.

والأستاذ محمد عبد الغني حين شاعر منذ باكورة صباه، وقد عرفته لأكثر من عشرين سنة وغرفت شعره كله منذ بدا يقول الشعر على وجه التقريب إلى الأن، وتبينت في وضوح وجلاء ملامح نفسه، وحركات قلبه، وعرفت طابعه في الشعر، وميسمه فيه، حتى لا كاد أرده إليه ولو لم يكن اسمه إلى جانبه!

وقد عجبت أن أغفل الأستاذ الكثير من شعره الذي نشره على الناس ولم يضمه إلى ديوانه هذا، على أنه لا يقل عنه شأنا، ولا يقف دونه عند الموازنة إن لم يكن خيرا منه وأعلى كعبا إلا أن يكون أراد لهذا الديوان معنى خاصا، وأراد له طابعا خاصا لا يحب أن بعدوه أو يحيد عنه أو ينحرف عما يبتغيه له. . .

وشعر ديوان الأستاذ عبد الغني يمتاز بسهولة عجيبة وسلاسة لا نكاد نظفر بها في شاعر اخر، فاللفظ يطاوعه ولا يكاد يعصي له أمرا! والكلمات تواتيه هينة لينة يجر بعضها بعضا إليه حتى لا أحسبه يحمل مشقة أو مجهدة في ذلك، وأنا أضمه في هذه الخاصة إلى شاعر العراق الكبير الأستاذ جميل صدقي الزهاوي.

وشعر الأستاذ على وجه العموم يمتاز إلى ذلك بجو (الإشراق) الذي تراه وهاجا في كل قصائده، وأنك لتحس هذا (الإشراق) يفيض عليك من كل جوانبك وأنت تقرا شعره، وأن هذا الجو المشرق ليرسل إلى نفسك نشاطا وقوة، وأنه ليحمل إليك لذة ونشوة، وأنك لتقرا وتقرأ فلا تمل ولا تكل ولا تحس رغبة في الانصراف عنه أو التحلل منه، وأحسب أن مرد ذلك إلى طبيعة الشاعر نفسه، فأنك لتجد ذلك كله وأنت جالس إليه متنقل بك في حديثه هنا وهناك، فلا سام ولا ضيق ولا ملال. . .

وأغلب ظني أن الأستاذ عبد الغني تأثر إلى حد كبير - وخصوصا في صدر حياته - بشوقي، المح هذا في جلاء ووضوح في قصائده التي نظمها أول ما نظم الشعر، وقالها وهو بعد طالب مبتدئ، والمحه في التزامه ما كان يلتزم شوقي من الاستفهام في مطلع قصائده، والإكثار من سوق الحكمة فيها واتخاذ اغلب البحور والقوافي التي كان يتخذ واستعمال بعض ما كان له من عبارات ولازمات وأنك لتحس هذا التأثر واضحا جليا في إحدى قصائده (شباب) التي مطلعها:

يا شباباً بارك الله لكم ... وتولتكم رعايات القدر

وفي (في نعش الامتيازات) التي يقدم لها بكلام شوقي نفسه في سينيته التي عارض بها البحتري فيقول الأستاذ عبد الغني (تحررت مصر من قيود الامتيازات الأجنبية وأصبح الدوح حلالا على بلابله بعد أن كان محرما عليها وحلالا للطير من كل جنس) وهذا الكلام كما قال شوقي هو:

إحرام على بلابله الدو ... ح حلال للطير من كل جنس؟

وفي (مهرجان النيل) وفي (إلى الجبل الأشم) التي يقول فيها:

زمان الفرقة النكراء ولى ... وزال عن العروبة الانقسام

ويقول فيها:

سلوا عنهم أبوة آل حرب ... وما لأب على الدنيا دوام!

فإن شوقي يبدو هنا للعيان! وليس يعيب الشاعر أن يتأثر شاعرا آخر، وأن يتخذه رائدا له وإماما، وأن يجعله عمدته في قراءته، وإنما العيب أن يفنى فيه، وتمحى ذاته وشخصيته ويكون وكده أن ينهج نهجه، ويحذو حذوه، ويلوك كلامه!! وليس الأستاذ عبد الغني ممن انتهى إلى ذلك ولكنه تأثر فأسرف في التأثر كثيرا!

وفي الديوان قصائد ينبغي الوقوف طويلا عندها، والتنويه كثيرا بها، إنما اقدم للقارئ نماذج من جمال شعر الأستاذ يجد الكثير منه لو قرا الديوان كله! فمنها قصيدة (ذكريات نهر) التي يقول فيها: ألفيت في واديك أنسا ... وصفاء عيش ليس ينسى

أمسى طوته يد الغيو ... ب فمن يرد إلى أمسا؟

أودعت تلك الذكريا ... ت لديك بالكتمان رمسا

فاحفظ وديعتك التي ... خلست من الأيام خلسا. . .

خلت الحياة على ضفا ... فك لا تزول ولا تضيع

فإذا الحياة قصيرة ... وإذا البطيء بها سريع

وإذا الليالي الذاهبا ... ت هناك ليس لها رجوع

لا دام - يا نهر - الشتاء ... بها ولا بقى الربيع. . .

وقصيدة (تحت ظل الصنوبر) التي يقول فيها:

سلي وادي الأحلام كيف قطعته ... وكيف أثارته العواصف من بعدي

تفرقت الأحباب وأنفض عقدهم ... وصرف الليالي لا يدوم على عقد

وأصبح ماضينا خيالا وأمسنا ... مناظر لا تشفى الفؤاد ولا تجدي

قنعنا بذكراها وفي القلب حسرة ... وفي النفس لوعات تزيد على العد

سلي شجرات الغاب ماذا أصابها ... فعميت وصارت لا تعيد ولا تبدي

كأن لم يباكرنا النسيم بظلها ... وينفح بأنفاس ألذ من الند

بشاشة هذا العيش ولى زمانها ... وأصبحت من نار القطيعة في وقد

ومن عجب يلقى المحبون سلوة ... بشعري. . . وأشقى دونهم في الهوى وحدي

وقصيدة (بقية الكأس) التي يقول فيها:

يا خائن العهد عهدي في الهوى باقي ... تنبيك عنه صبابتي وأشواقي

أخلفت بالصد ميثاق الهوى زمنا ... لكنني في الهوى أحكمت ميثاقي

لم يبق لي من تعلات تعللني ... إلا خيالك فهو الدائم الباقي

يا مستخفا بمشتاق تؤججه ... حرارة الشوق لا تهزأ بمشتاق

دارت عليه بكاس الهجر ساقية ... كما يدور بكاس الخمرة الساقي

فما له من حلاوات الهوى بدل ... وما له من مرارات الجوى وافي

في ذمة الله ليلاتي التي سلفت ... وأخصبت بالهوى فيهن أوراقي كم لألأت بمنانا أي لألأة ... وأشرقت بهوانا أي إشراق

ما بالنا اليوم؟ لا بيض المنى بقيت ... على المحب ولا ليل الهوى باقي

وفي الديوان إلى ذلك نواح أخرى من خصب وجمال، وفيه كذلك مأخذ يسيرة وهنأت هينة، سأكشف عن هذه وتلك في المقال الآتي إن شاء الله

(للكلام بقية)

علي متولي صلاح

رمضان

(تأليف الأستاذ محمد سعيد العريان)

كتب الأستاذ محمد سعيد العريان الحلقة الأولى في سلسلة جديدة اسمها (مكتبة الشعب) يقوم بإصدارها الأساتذة محمد ثابت ومحمد عبد الهادي البيومي واحمد يوسف، ويقصدون منها إلى تقديم زاد ثقافي مناسب للجمهور الذي لا يرتفع مستوى إدراكه إلى كتب الخاصة ومجلاتهم، بحيث يجد في هذه الثقافة الميسرة ما يغنيه عما يكتب لمجرد التسلية واللهو.

وهذه الحلقة الأولى بدا بها الأستاذ العريان موضوعها (رمضان) وقد تناول فيها رمضان من جميع نواحيه: الأحكام الدينية والعادات والصور الشعبية فجمع فيها بين الدين والفن والاجتماع بأسلوب سهل ممتع جذاب.

عباس حسان خضر