مجلة الرسالة/العدد 722/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 722 الكتب [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 05 - 05 - 1947 |
يوم ميسلون
(تأليف الأستاذ ساطع الحصري بك)
بقلم الأستاذ حبيب الزحلاوي
الأستاذ ساطع الحصري مؤلف هذا الكتاب، علم من أبرز أعلام الرجال في البلاد العربية، وعالم محقق مدقق، صبور على التتبع، مفطور على التقصي والتحليل، ومرب فاضل له في المعارف رأى صائب سديد، وفي السياسة باع طويل، ودراية واسعة، ولباقة نادرة، ما وكل إليه شأن من شؤون الدولة إلا قام به خير قيام، ولا أسند إليه عمل من الأعمال إلا بلغ به الغاية من التمام.
من أحدث مؤلفاته كتاب (يوم ميسلون) وليوم ميسلون شأن أي شأن في تاريخ الأمة العربية، فإن أحداثه الكبرى برغم إنها دكت عرشاً، وأنزلت بالشعب السوري هواناً، وأقامت بدلاً من العرش وهو رمز الأمة، طوداً للاستعمار البغيض جثم على الصدور، وثلم الكرامة الواعية. فإن تلك الأحداث على عنفها لم تكن عاجزة فقط عن قتل روح الأمة ومحو قوتها المعنوية بل كانت باعثاً من أكبر البواعث على الاستفزاز وعلى النشاط للجهاد ومحو آثار ذلك اليوم المشئوم، ودرء أخطار مثله.
قرأت الكثير مما كتبه الفرنسيون في تبرير يوم ميسلون، وسمعت الكثير من أقوال رجال سورية العاملين، منهم الذين شاركوا في التمهيد ليوم ميسلون، ومنهم من عمل ليتفادى أو يستبدل أحداث ذلك اليوم المشئوم، فلم أقع على ما يروى غلة متعطش إلى معرفة الحقيقة، ولكن هذا الكتاب، لا يغير فقط طريق المؤرخ، بل يعطيه الوثائق والأسانيد الصحيحة ويطلعه على حقائق كان بعضها خافياً على الكثيرين من رجال الحكم، وبعضها الآخر كان يعمل على إخفائه رجال الحكم أنفسهم، أو تجار الوطنية من عباد الوظائف الكبرى، وعلى طمس معالمه حتى لا تثلم زعامتهم، ولا يفتضح أمرهم عند سواد الشعب، الذي كان حتى الأمس القريب، يؤخذ بالتقاليد العتيقة البالية فيحترم فلاناً الحاكم أو الزعيم لا لفات تؤهله للزعامة أو الحكم، بل لأنه من آل فلان الحاكمين أو الأثرياء. . ويمجد علاناً الموظف لأنه يشغل معقد الوظيفة
يقول المؤلف الفاضل (إن حوادث يوم ميسلون لم تكن بنت ساعتها، بل كانت صفحة من صفحات القضية السورية، والقضية السورية نفسها لم تكن قضية قائمة بذاتها، بل كانت جزءاً من القضية العربية، كما إن القضية العربية كانت وثيقة الارتباط بالمسألة الشرقية) ولكي يقيم المؤلف الدليل على هذه الارتباطات المتسلسلة أنشأ فصلاً كان بمثابة تمهيد يبرز أطماع فرنسا في سورية جعل مردها إلى الحروب الصليبية، كما كان بمثابة توضيح لسياستها الاستعمارية التي سلكتها في الربع الأول من القرن الثامن عشر، وقد أخذت منذ ذلك الحين تبسط نفوذها على بلاد إسلامية واسعة الأرجاء، وتعلن إنها صاحبة إمبراطورية إسلامية وإرث عظيم يؤول إليها من تركة الدولة العثمانية، ويستعرض المؤلف الفاضل ببراعة وإيجاز فصل اصطدام فرنسا الاستعمارية بالعقبات الدولية وتناحرها من الإنجليز، أصحاب الإمبراطورية التي لا تغرب الشمس عنها لامتدادها في أصقاع الأرض، لينتهي إلى الاتفاق الذي تم بين الدولتين الحليفتين، فرنسا وإنجلترا على تنفيذ معاهدة سايكس - بيكو بنصوصها وحذافيرها، وكان ذلك الاتفاق بمثابة مقدمة لحلول القضاء المشئوم يوم ميسلون.
فصول الكتاب متعددة متنوعة بارعة، ولعل أبرعها الفصل الذي تم فيه اختيار أعضاء مجلس المديرين زميلهم السيد ساطع الحصري وقد حبذ الملك رأيهم للسفر إلى مقر قيادة الفرنسيين في لبنان قبيل زحف الجيش الفرنسي على سورية للتفاهم مع الجنرال غورو المندوب السامي، خصوصاً وقد قبل وزير الخارجية السورية كافة المطالب الفرنسية: ففي هذا الفصل يصف المؤلف البارع الموقف أبلغ وصف، ويكشف القناع الشفاف عن مطامع الفرنسيين المستعمرين، وكيفية توسلهم بكل وسيلة تحقق أمانيهم وتدرجهم في الطلب حتى يستوفوا أغراضهم تامة كاملة. ثم يفضح أذناب المستعمرين من أبناء سورية بسرد نتف من أعمالهم ولمحات من تصرفاتهم وسكوته المهذب عن ذكر أسمائهم، فتنطق الأعمال بلسان أوضح من تبيان الأسماء، فلا يتمالك القارئ من استنزال لعنة يصبحها على ذلك الزعيم الخسيس أو ذاك المتكالب على الوزارة أو الطامع في وظيفة، أو هذا المائع المتفلسف يلبس لكل حالة لبوسها.
في الكتاب فصول عدة لا محيد لكاتب تاريخ سورية من اقتباس بعضها بالنص، والاستئناس والاسترشاد ببعضها الآخر لأنها بمثابة متون تحتاج إلى شرح وتفصيل.
يرى المؤلف الفاضل أن واقعة ميسلون - وإن كانت بمثابة الفصل الأخير من رواية (المنافسة الدولية) التي حامت حول سورية - فإنها كانت في الوقت نفسه بمثابة الفصل الأول من منقبة (المنافسة الوطنية القومية) التي قامت في سورية ضد القوى الفرنسية. فهذا القول صحيح لا غبار عليه، وإننا نتمنى مخلصين أن تكون أعمال المتنافسين قد انتهت لتتجه الاتجاه الخاص في بناء الملك على أوطد دعائم العدل والأمن والقوة بشرط أن لا تأخذها نشوة الانتصار بإجلاء الفرنسيين وتنام عن تقلبات السياسة وألاعيب عباد كراسي الحكم.
يطول بي المقام لو وقفت حيال كل موضوع من مواضيع هذا السفر القيم، ولكني أدعو قراء العربية إلى إقتنائه، ومن ثم أقف لأعترف بفضل مؤلفه الرجل الكريم الذي دون أحداث أمة ناهضة وعلم ناشئتها وما برح يعلمها كيف تزجر زعماؤها وكيف تهدي حكامها سبيل الحرية والاستقلال.
حبيب الزحلاوي
الشريد
(تأليف علي بك حلمي)
للأستاذ محمد خليفة التونسي
بين يدي بهذا العنوان مسرحية ذات ثلاثة فصول كتبها علي بك حلمي مدير جرجا.
1 - فالمؤلف - مع إنه من رجال الإدارة والشرطة - يمتاز بإطلاع واسع وعميق، وهو - إلى ذلك - أديب يكتب المقالات ويدبج المسرحيات، وأقرب الأمثلة إلينا بحثه الممتع (محمد والأمن العام) الذي نشرته الرسالة في عددها (710، 711) وهذه المسرحية.
2 - والمشكلة الكبرى التي تدور حولها هذه المسرحية هي مشكلة الطفولة المحرومة من عطف الآباء والأمهات وحمايتهم، والطابع المصري يبدو واضحاً راسخاً على كل ما في المسرحية سواء في ذلك موضوعها الأكبر، والحوادث التي تظهر دقائقه، والشخوص التي تظهر فيه، وهذا امتياز كبير قل أن يتوفر اليوم في إنتاجنا القصصي عامة والمسرحي خاصة، فهو قصص عاطل من السمات والملامح المحلية حتى إن الناقد يبحث فيما يقرأ عن المؤلف والبيئة التي نشأ فيها قصصه والشخوص المفردة التي يعبر عن حياتها فلا يكاد يفوز - مهما جد - بطائل، فمن الممكن أن يقع بعد ألف عام أو قبل ألف، هنا أو في أي مكان من الأرض أو غيرها حيث يمكن أن يكون بشراً، فإذا ظفر الناقد بعد الكد بشيء من هذه السمات والملامح لم يجدها إلا حائلة حائرة مائعة، مع أن الخصائص أول شرط من شروط الإنتاج الأدبي عامة والقصصي خاصة، والخصائص في مسرحية الشريد بارزة لا في مشكلتها الكبرى وحوادثها وشخوصها الأساسية فحسب، بل في المشكلات الثانوية المنتثرة فيها دون قصد خاص إليها.
3 - وقد جاءت هذه المسرحية في أبانها، فمشكلة الطفولة المشردة من مشكلاتنا القائمة بيننا الآن بكل متاعبها، وأعباؤها لا تزال تثقل كواهل كثير من أولي الأمر فينا في عدة وزارات، كما تشغل عقول كثير غيرهم من محبي الإصلاح ودعاته.
وعلى الرغم مما قرأته من بحوث متعددة لكثير ممن كتبوا في هذه المشكلة حكوميين وغير حكوميين - لم أستطع أن ألم بخفاياها وصعوباتها وطرق علاجها كما ألمت بها من هذه المسرحية فهي تصور أوضح تصوير حياة الأطفال المشردين بكل ما تزخر به من منغصات وأوجاع، وما يتعرضون له من استغلال الزعار والشطار لهم ليعيشوا فساداً في الأرض، والتخفي وراء براءتهم والشفقة عليهم للعبث بقوانين المجتمع ونظمه وحماته توقياً من العواقب الوخيمة، فهم يسخرونهم في السطو والاختلاس والتجارة المنكرة بالأغراض والسلع المحرمة؛ كي يضللوا حماة الأمن الذين لا يجدون في هؤلاء الأبالسة الصغار غير أطفال ملائكة أطهار جنى عليهم آباؤهم وحرمهم المجتمع عنايته دون ذنب، فهم لا يستحقون منهم إلا العطف والعون، مما يتيح لفساد محركيهم في الخفاء أن يستشري ويتسع دون أن يفطن إليه الموكلون بدرئه.
ولا شك إن صلة المؤلف بهذه المشكلة أهم عوامل نجاحه في تعرف حدودها وخفاياها وأساليب علاجها الميسورة.