مجلة الرسالة/العدد 717/الشاعر خليل مطران
→ حديث عن دمشق | مجلة الرسالة - العدد 717 الشاعر خليل مطران [[مؤلف:|]] |
مراجعات في الفلسفة: ← |
بتاريخ: 31 - 03 - 1947 |
للأستاذ حبيب الزحلاوي
جسم نحيل معروق، ونظرات لامعة أخاذة، وصوت مبحوح لاهث من حنجرة صلبتها الأعوام الثمانون وقد ناهزها، وهو بالرغم منها على أحسن ما يكون اتقاد الذهن، ومضاء العزيمة، وخصب الإنتاج.
يمتاز مطران بالخلق الكريم، والحديث العذب، والسعي في الخير، ثم بشاعرية فريدة في نوعها.
يعود خلقه الكريم إلى أرومته الكريمة وتربيته الأرستقراطية المترفعة وإلى نحيزة هادئة ترى المداورة والصبر والاتئاد في التصعيد لبلوغ القمة خيراً من الانقضاض عليها كالنسور الجبارة.
وهو محدث بارع ينضح من ينابيع غزيرة وإطلاع ثقافي عام من أدب العرب والإفرنج قديمه وحديثه، لا يتفلسف مع الفلاسفة، ولا يتعالم مع العلماء، ولا يشعل مصباحه للعميان، يعطي من أدبه بقدر حاجة الطالب، ويهبط أو يرتفع وفق فهم السامع وإدراكه، وهو عف اللسان نصير الغائب، قليل الغضب، كثير التسامح.
من سجاياه سعيه للخير، وهو يتراخى وقد يتكاسل في السعي لخيره الخاص، ولكنه لا يتوانى ولا يتقاعس في السعي لفك ضيق، أو حل مشكلة، أو دفع نازلة، أو إزالة خصومة، أو تزويج فتاة من أية طائفة أو ملة كانت.
يعطي المعوز ما يستدره من مال الغني، وينتزع الدراهم من الشحيح البخيل ويأخذ الدينار من السخي الكريم يقيل بهما عثرات العاثرين.
ما قامت جمعية للبر، أو مؤسسة للخير، أو دار للشفاء، أو تألفت جماعة لعمل من الأعمال إلا وكان مطران من أوائل القائمين بها، وما نشأت بين السوريين واللبنانيين منشأة إلا وكان مطران من الساعين إلى إنشائها، وما شجر بين الطامعين أو بين محبي الظهور شجار على رئاسة أو عضوية في مجلس إلا وكان مطران أول المتنازلين عن الرئاسة أو العضوية حباً بإحلال الوئام محل الخصام. . .
هو ذا مطران الإنسان وقد حدد أمنيته في الحياة بقوله: (أمنيتي أن أجتاز طريقي دون أ أسيء إلى أحد).
مشى مطران وشوقي وحافظ في جادة أدبية واحدة، وما لبث أن سلك كل منهم مسلكاً خاصاً به، وأزعم أن لا مناص لمن يتصدى لدراسة شعر مطران عن معالجة أربعة أنواع من الشعر انفرد بها مطران وحده دون معاصريه من الشعراء.
الأول: شعر المناسبات وينطوي فيه تاريخ حقبة من الزمن تبتدئ في الربع الأخير من القرن الماضي تشمل الأحداث الاجتماعية والشخصية والفردية.
الثاني: الوصف وفيه صورة تريك الموصوف كما برأه خالقه وكما كيفته الطبيعة حساً ومعنى.
الثالث: التحليل وهو ملاحم كبرى خص بها عظماء التاريخ وشعوبه وما كانوا عليه من صفات وخلائق وسجايا، وما في فطرتهم من ظلم وجود وطغيان.
الرابع: إبراز أقيسة اللغة ومقادير ثروتها في المفردات للتعبير عن ملكات النفس.
تجمع لمطران من شعره ما يملأ سبعة دواوين معدة للطبع منها واحد للأراجيز في أدب النفس، وترجم عن الفرنسية ثلاث عشرة رواية تمثيلية لشكسبير وراسين وكورنيل وهيجو وترجم أيضاً كتاب الموجز في علم الاقتصاد في خمسة أجزاء وألف كتاب (مرآة الأيام في التاريخ العام). ولم تخل صحيفة خلال هاتيك الأعوام، على مر الأيام من بحث أو درس أو تقريظ أو نقد لمطران، ولم يعتب منبر نضب في مجمع للأدب أو للخير أن لم يعتله مطران.
هو ذا شاعرنا الذي تحتفل به الأمم العربية اليوم في مصر، وهذه لمحات خاطفة من أدبه الخالد وخلقه الكريم.
حبيب الزحلاوي