مجلة الرسالة/العدد 716/من هنا وهناك
→ الأدب والفن في أسبوع | مجلة الرسالة - العدد 716 من هنا وهناك [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 24 - 03 - 1947 |
ليس:
وجود هذا الفعل في اللغة العربية غريب جداً. غريب في صيغته، غريب في زمنه وغريب في مادته.
ولقد تنبه القدماء إلى صيغته فقالوا: إن أصله ليس بكسر الياء ولكن الياء سكنت استثقالاً، كما سكنت عين كل ما كان على هذا الوزن (قاعدة ذكرها المبرد في الكامل).
أما زمنه فقالوا أنه استعمل بلفظ الماضي للحال (وهذا غريب سنعلم وجهه).
وأما مادته فلم يعرفوا عنها شيئاً أو عرفوا عنها كل شيء فقد ألمعوا إلى أن أصلها لا أيس (وهي ملاحظة لها خطرها).
ويتصل بليس ليت فالمعروف في النحو أنها حرف تمن ولكن بعض العرب يجريها مجرى الفعل (كما في الصحاح).
والمهم أن ليت كليس إلا أنها تقدمت خطوة فاحتلت صيغة واضحة في الأفعال فقيل لات. والأخفش يقول إنهم شبهوها بليس وأضمروا فيها اسم الفاعل.
أما نحن فماذا نقول؟ نقول كما قال الأقدمون في ليس: إن أصلها لا أيس كما نقول في ليت أن أصلها لا أيت. لا معروفة وأيس أوأيت (ما هي).
أيس هذه الرابطة تدل على كون مطلق كأيت وهي في أكثر اللغات واحدة تقريباً خصوصاً اللغات القديمة. ففي العبرانية (يش) وفي السريانية (إيت) وفي الفارسية واللاتينية (أيس) أو (أست). في الفارسية أست وفي الفرنسية وفي الألمانية وفي الإسبانية وفي الإنجليزية وهكذا نجد أن ليت العربية ما هي إلا، لاوأيت السريانية وتركت مع لا كما تركت أيس مع لا.
أما ما يختص بزمن ليس فهو بالضبط ما تدل عليه المادة في اللغات المذكورة: فهو - كما قال الأقدمون - الحال بالرغم من أن صيغتها للماضي.
هذه الكلمة في أغلب اللغات اختصت بشخص معين عند الربط أما في العربية وفي الفارسية فلا. نقول في العربية: لست ولست الخ كما نقول في الفارسية. استم أو هتم وهتى وهست وهستيم وهستيد وهستند.
ولكن في الفرنسية والأسبانية والألمانية والإنجليزية مثلاً ليس لها هذا التصرف المطلق كما هو معروف. فقد اختصت بأشخاص دون غيرهم واعتيض عنها في هذا الغير بروابط من أفعال مختلفة في مادتها كما سنبين ذلك فيما بعد.
إذاً فقد كانت في اللغة العربية رابطة للزمن الحالي ولكنها اندثرت ولم تبق منطوقاً بها إلا في النفي.
وهنا يسأل لماذا اندثرت في الإيجاب وبقيت ماثلة في النفي.
الجواب عن هذا في منتهى البساطة. فإن اللغة العربية لم تدون إلا في مرحلة متأخرة من نموها واستكمالها وإن هذه الرابطة استغنى عنها في التخاطب لأنها ليست بذات أهمية كبيرة فيه عند الإيجاب ولكنها لم يستغن عنها في التخاطب إذا كانت في النفي وهذا ما يحصل بالضبط الآن في هذه اللغات التي تحتفظ بهذه الرابطة في كتابتها عن الإيجاب فإنك إذا خاطبت أحد متكلميها وخصوصاً غير المثقف منهم فإنه يستغني عن الرابطة في الإيجاب ولكنه لا يستغني عنها في النفي.
وإذا اتضح ما قلنا في ليس فإن الأمر - عند القراء - في ليت ليس بهذا الوضوح فكيف صارت ليت تدل على التنمي في اللغة العربية؟
هذا سؤال نرجئ الإجابة عنه إلى المقال التالي.
وهنا سؤال أيضاً والإجابة عنه تزيد الموضوع وضوحاً ولا تترك فيه أي مجال للشك وهو:
إذا كان الأمر كما قلت في ليس وأنها مجرد لا + أيس التي للربط فيكيف صار خبرها منصوباً بعد أن كان مرفوعاً؟
والإجابة عنه نتركها حتى نجيب عن ليت بحول الله.
محمد بن ناويت التطواني
ليسانسيه في الآداب ودبلوم في اللغة الشرقية
فلسفة جديدة للألم:
نحن في عصر يحرص أبناؤه على فلسفة كل ظاهرة من ظواهره، وكل معنى من المعاني التي يحسونها في الحياة، فهم يحاولون أن يفهموا الأمور بالتحليل والتأويل، ولا يقنعهم في هذا إلا أن يصلوا إلى طريق غريب، أو ما يحسبونه هكذا. . .
أقول هذا بمناسبة ما جاء في البريد الأوربي أخيراً عن صدور كتاب في بريطانيا بعنوان (من سريري في المستشفى) ألفه كاتب أقعده المرض في أحد المستشفيات وسجل فيه خواطره ومشاعره نحو المرض والعلاج وما انتابه من الألم، وقد استهل الكاتب كتابه بقوله: (من أكبر الخطأ أن نحسب المستشفى مكاناً للألم والبؤس، فإن الكثرة الساحقة من الذين يدخلون المستشفيات يخرجون منها صحاح الأجسام، معافي الأبدان، تاركين وراءهم الأتراح والآلام، والهموم والأسقام).
وتحدث عن شعوره بالألم فقال (إن الألم في الواقع أخف كثيراً من رهبة الألم، وفي شبابي كان أقل ألم يصيبني يقفل عيني بحجاب كثيف من الظلمة التي تبعد قلبي عن الإيمان، مع أني لم أكن في ذلك الوقت أشكو أكثر من وجع ضرس، أو خدش ذراع، وإني اليوم - بعد أن عانيت كثيراً من الآلام المبرحة - لأنظر إلى أوجاعي القديمة بعين الازدراء وأدهش لجبني القديم في احتمال آثارها التافهة الصغيرة).
ثم يقول: إن الألم ليس شراً في ذاته، بل إنه تنبيه يشير إلى وجود الشر، ويمهد للطبيب استئصال النازلة من موطنها، لذلك أرى أن إسكات الألم والعمل على تسكينه فحسب أخطر على المرء من إزالة علامات السير من شارع مزدحم بالسابلة).
ثم يختم هذه الفلسفة بقوله: (إن المرض مادة في ميثاق الحياة، فبعض الناس يحيون بدون كتب أو نزهات أو موسيقى، والأسكيمو يعيشون على نصيب ضئيل من نور الشمس، وأهالي جزر الباسفيك لا يقدمون الثلج وليست لهم به حاجة، والرهبان والراهبات يحرمون أنفسهم كثيراً من الملذات، ولكن الجميع يصرون على استكمال حياتهم إذا شابها شيء من نقص، أو اعتراها أثر من مرض. . .).
الحدود الإنسانية:
هذا عنوان كتاب ألفه أحد العلماء في جامعة تكساس بأمريكا وجعل قوامه دعوة موجهة إلى رجال العلم والفكر أن يوجهوا اهتمامهم إلى دراسة الإنسان وأن يعنوا بإنشاء فرع من العلوم هدفه فهم الإنسان على حقيقته: ويقول هذا الباحث في كتابه إن الخطر الذي يهدد الإنسانية ليس خطراً خارجاً عنها، ولكنه كامن في أطوائها، فليس ثمة خطر من القنبلة الذرية وغير القنبلة الذرية وإنما الخطر كل الخطر مما يدور في داخل الإنسان ويتجه بتفكيره، ثم يقول إن المتاعب الناشئة الآن كلها نتيجة لعدم فهم الإنسان للإنسان، ولهذا يجب على العلماء أن يتجهوا إلى هذه الناحية وأن يوفروا علمهم على الناس وتعرف البواعث والانفعالات التي تحركهم على مسرح الحياة في جميع أدوار حياته، ومتى كان الإنسان مفهوماً في داخله استطعنا أن نتلافى الأخطار التي تهدد الإنسانية من الخارج. . .