مجلة الرسالة/العدد 716/الأدب والفن في أسبوع
→ زرقاء العيون | مجلة الرسالة - العدد 716 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
من هنا وهناك ← |
بتاريخ: 24 - 03 - 1947 |
رجالنا المنسيون:
كتب أديب فاضل في جريدة (الأهرام) مقالاً عن المغفور له حفني ناصف بك بمناسبة ذكرى وفاته، وقد اقترح على الحكومة أن تهتم بإنشاء مدفن فخم تضم فيه رفات أولئك العبقريين تخليداً لذكرهم واعترافاً بفضلهم وتذكيراً للأبناء بما أسدوا وأجدوا في خدمة أوطانهم.
وليس هذا الاقتراح بالجديد، فقد ردده كثيرون من قبل، على أن الرجاء في تحقيقه ضئيل بل معدوم، لأننا أمة نعيش على مبدأ (مات الميت فليحيى الحي) وليس من شيمتنا تقدير الفضل لذاته، ولا الاعتراف بالجميل لأصحابه حتى ولو كان أصحاب هذا الجميل هم أبناؤنا وأساتذتنا وأعز الناس على نفوسنا. ولهذا طوى كثير من رجالنا الكبار في مطاوي النسيان، وأصبحوا - بعد أن ملأوا الدنيا بأعمالهم - في خبر كان. . .
حنفي ناصف ومحمد سلطان ومحمد المهدي ومحمد الخضري وعبد الوهاب النجار وعبد العزيز جاويش وغيرهم من الطلائع الذين تخرجوا في دار العلوم لا يعلم عنهم أبناء دار العلم شيئاً، ولا يحسون أثراً من فضلهم وعلمهم، ولا يقفون على شيء من ذكرهم وخبرهم!
ومحمد عبده وأبو خطوة والمرصفي والعباسي وعلي يوسف، وعشرات من إخوانهم الذين تخرجوا في الأزهر لا يعرف عنهم أبناء الأزهر شيئاً ولا يحسون أثراً من فضلهم وعلمهم ولا يقفون على شيء من ذكرهم وخبرهم!!
وأمين الرافعي وسيد كامل ومحمد مسعود وعبد القادر حمزة وتوفيق فرغلي، وعشرات الصحفيين من إخوانهم لا يعلم عنهم أبناء الصحافة اليوم شيئاً ولا يحسون أثراً من فضلهم وعلمهم، وللصحفيين ناد يجتمعون فيه ولكنك مع الأسف لا تجد فيه صورة واحدة من صور أولئك الصحفيين الذين أيقظوا وجدان الأمة وبثوا كيان الشعب.
ومن منا يذكر أحمد زكي تيمور وتوفيق العدل والنجاري والفلكي وسواهم من الأعلام الأفذاذ عليهم رضوان الله أجمعين.
وآسفاه! كأننا جيل خلق بدون آباه وتربى من غير أساتذة فلا تقل يا سيدي مقبرة للأدباء، ولكن قل لعل الأبناء أن يذكروا الآباء.
تأثير الأندلس في أوربا وأمريكا:
بمناسبة المحاضرات التي ألقاها أخيراً المستشرق الفرنسي ليبقى بروفنسيال بجامعة فاروق الأول عن الشعر العربي في الأندلس أذكر أن الشاعر الأسباني (فرنسيسكو فيجاسباتسا) ألقي محاضرة منذ عشرين عاماً في مدينة (بيونس أيرس) أشاد فيها بأخلاق الشعب العربي في الأندلس وأطري سجاياه النبيلة وما فطر عليه في الفصاحة والسليقة الشعرية ثم قال (وإن هذه السليقة الشعرية لتكاد تكون ملموسة بنغماتها فيه ومعانيها في الشعر الشعبي الذي تعبر به الأمة الأسبانية عن مشاعرها الحقيقة، وقد انتقلت هذه الروح العربية من إسبانيا إلى أمريكا اللاتينية بواسطة هذا الشعر الشعبي الذي حمله إليها الأسبانيون ولا سيما المهاجرون من الأندلس الذين كانوا في طليعة المستعمرين لأمريكا الجنوبية!!
هذا ما شهد به مفكر كبير من أبناء إسبانيا، ولست أدري رأى المستشرق بروفنسيال في هذه الحقيقة، ولعله يكون قد عرض لها في حديثه عن تأثير الشعر الأندلسي في أوروبا.
التأثير الديني:
لاحظ القائمون بأمر المسرح الشعبي في وزارة الشئون الاجتماعية أن الناحية الدينية هي أقوى مؤثر على عواطف الجماهير واجتذاب مشاعرهم، ولهذا يفكر المشرفون على هذا المسرح في استغلال هذه الناحية على أوسع مدى فيما يقدمون إلى أبناء الريف من المشاهد والتمثيليات.
وهذا في الواقع أمر مفهوم، فإن الشعب المصري شعب متدين بالفطرة، وهو أقدم شعوب الأرض اتجاهاً إلى الله، ولا يزال للنغم الديني في الشرق عامة سحره ولذته، وإن من الواجب أن تقوم دعاياتنا الاجتماعية على ما يتجاوب مع عواطف الشعب وينسجم مع روحه ومشاعره، ولا يمكن أن تفيد تلك الدعاية وتؤتى ثمرها إذا جرينا فيها على التقليد للغرب واقتباس العواطف الغريبة عنا، وما دامت وزارة الشئون الاجتماعية قد لمست هذا بالتجربة فلعلها تتجه ذلك الاتجاه، بأن تتبين نفسية البيئات الشعبية وتتلمس الأوتار الحساسة في عواطف الجماهير وميولهم فتضرب عليها وتأخذهم إلى الإصلاح من طريقها.
تمثال للأمير شكيب: قررت الجالية اللبنانية في الولايات الأمريكية إقامة تمثال لفقيد العروبة الأمير شكيب أرسلان اعترافاً بفضله على العرب والأدب وتقديراً لخدماته الجليلة للأمم العربية في حياته، ووفاء لذلك الرجل العظيم الذي عاش غريباً مشرداً ينادي بالحرية والاستقلال لسائر الأقطار العربية.
وهذا واجب تؤديه الجالية اللبنانية في مطارح الغربة، ولكن يبقى على أبناء العروبة في المواطن الأصيل أن يجعلوا للفقيد تذكاراً حيث نشأ وحيث جاهد وناضل ليذكر الأبناء ويشحذ من عزيمة الأحفاد؟!
نشيد عالمي للشباب:
يعقد الاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي مهرجاناً عالمياً في مدينة براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا يستمر من 20 يوليو القادم إلى 17 أغسطس، وسترجى في هذا المهرجان مسابقة عالمية لاختيار نشيد للشباب الديمقراطي العالمي، على أن يكتب النشيد بأية لغة ثم يترجم عند تقديمه إلى الإنكليزية أو الفرنسية أو الروسية أو الإسبانية، ويشترط فيه أن يعبر عن أفكار الشباب الديمقراطي ورغباته في قيام تفاهم عالمي وسلم دائم يشمل جميع أبناء الأرض، وأن يصور مرح الشباب وحيويته وحماسته، وقد طلب الاتحاد مسابقات محلية لاختيار نشيد تتقدم به إلى المسابقة العامة التي ستجري في ذلك المهرجان العام.
وأنا لا أثق بمثل هذه المسابقات ولا أعتقد أنها تنتج نشيداً له سحره وحيويته وفيه من القوة وفيض الإيمان ما يضمن له الخلود والبقاء والاتصال بالقلوب، ذلك لأن الأناشيد لا تصنع ولا تقترح على الشعراء والأدباء، ولكنها تكون فيضاً من الإيمان والحماسة يتنزل على الشاعر في فترة من فترات التجلي كتنزل الوحي، وجميع الأناشيد التي تصنع وتقترح فإنها أشبه ما تكون بالأناشيد التي تصنع لتلاميذ المدارس.
وعلى أية حال فأي معنى سيؤثره الشباب في نشيده، أهو - كما يقول - الرغبة في قيام تفاهم عالمي وسلم دائم في جميع أنحاء العالم، وما قيمة هذه الرغبة وما جدواها بإزاء ذلك التناحر الذي يقوم بين السياسيين في مؤتمراتهم حول اقتسام النفوذ وفرض السلطان على الضعفاء؟! معرض الكتاب اللبناني:
يعتقد القائمون بنشر الكتب العربية في لبنان (أن الكتاب اللبناني في مصر مغمور ومحاط بالغموض، وأن ذلك يرجع إلى نقص في تنظيم النشر أكثر مما يعود إلى عدم إقبال القراء المصريين).
لهذا أقيم معرض للكتاب اللبناني في دار القنصلية اللبنانية وقد افتتحه وزير لبنان المفوض بعد ظهر يوم الجمعة الماضي بحضور كثيرين من رجال العلم والأدب والصحافة. وتقرر أن يظل هذا المعرض مفتوحاً عشرة أيام وذلك لإعطاء أبناء مصر صورة عن حركة النشر الثقافي في لبنان.
وقد علمت أن ناشري الكتب في بيروت قد اجتمعوا أخيراً وألفوا اتحاداً من بينهم يجمع شملهم ويوحد غايتهم وذلك بالدعاية (للكتاب اللبناني في الأقطار العربية والمهاجر المتصلة بها).
كما أذيع من بيروت أن أصحاب المطابع سيصدرون نشرة دورية باللغتين العربية والفرنسية تشتمل على أبناء الطباعة وأعمال النشر.
ومما يذكر بهذه المناسبة أن معرضاً للكتاب العربي الفلسطيني قد أقيم في يافا في الأسبوع الماضي وفي النية إقامة هذا المعرض في فرصة أخرى وذلك للدعاية للكتاب العربي فلسطين. . .
ونحن نرجو أن تقابل هذه الحركة في لبنان حركة مماثلة في مصر وفي سورية وفي سائر الأقطار العربية، وأن يكون هدف الجميع تنظيم أعمال النشر بما يضمن رواج الكتب العربية في سائر أنحاء العالم العربي، على أن يراعي هؤلاء الناشرون أنهم يؤدون خدمة ثقافية قومية أكثر مما يحترفونها مهنة تجارية.
كتاب عن المملكة العربية:
أصبحت البلاد العربية السعودية في الآونة الأخيرة مثاراً لاهتمام الباحثين الأمريكيين ومجالاً لعنايتهم في الكتاب والتأليف ولقد كان من مظاهر هذا الاهتمام أن ظهر أخيراً كتاب للكاتب الأمريكي المستر تويتشل باللغة الإنجليزية ألم فيه المؤلف بتاريخ تلك البلاد ثم تحدث عن وضعها الجغرافي والاقتصادي وموافق الاستغلال والانتفاع فيها، ثم قال إن هذه الصحراء العربية التي كانت مهداً للدين ستصبح مصدراً للثروة وستخرج أمة جديدة تتبوأ مكانتها في التجارة والرقى الاجتماعي.
وقد وقع المؤلف في بعض الأخطاء التاريخية وقرر بعض الأحكام التي لا تطابق الحقيقة في روح الإسلام واتجاهه، وعلى أن هذا ليس بالأمر المهم لأنه ديدن أولئك الأجانب عادة فيما يكتبون عن الإسلام وبلاد الإسلام فإنهم كثيراً ما يتردون في فرض الأحكام الخاطئة بحسن نية أو سوء نية، وإنما المهم الذي يسترعي الأنظار هو أن نلمس هذا الاهتمام المفاجئ عند الباحثين الأمريكيين بتاريخ البلاد العربية السعودية وطبيعة أرضها وسمائها وما فيها من موارد الثورة مصادر الانتفاع، فليس من شك في أنه ليس بالاهتمام الخالص لوجه البحث والعلم وكنه اهتمام بجاري السياسة الأمريكية في اهتمامها بمرافق تلك البلاد، ومن ثم يجب أن نقابل تلك التأليف التي تظهر في هذه الناحية بكثير من الحذر وتدقيق النظر.
(الجاحظ)
(الرسالة): بمناسبة ما كتبه (الجاحظ) عن رجالنا المنسيين من العلماء والأدباء والفنانين نقول إن الرسالة تحشد الجهد وتعد العدة لنشر سلسلة من التراجم المستفيضة لأولئك الأعلام والتعريف بآثارهم وآرائهم وستبدأ في نشرها قريباً، والرسالة لا تريد أن تستقل بهذا الجهد، وترجو من جميع الذين لديهم خبر في ذلك أن يعاونوها على أداء هذا الواجب.