مجلة الرسالة/العدد 713/الأدب والفن في أسبوع
→ بين مصر والسودان: | مجلة الرسالة - العدد 713 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البَريدُ الأدبيَ ← |
بتاريخ: 03 - 03 - 1947 |
هذا واجب قومي:
تلقت وزارة المعارف رسائل من بعض الهيئات الثقافية والعلمية في الحبشة وإريتريا وجنوب أفريقيا والهند وغيرها من الأقطار الإفريقية والأسيوية وكلها تطلب أن تساعدها الوزارة ثقافياً وعلمياً بما يعينها في أداء مهمتها، وكلها تلح أن تبادر الوزارة المصرية إلى بذل هذه المعونة لشدة الحاجة إليها.
ولست أدري ماذا صنعت أو ستصنع الوزارة بهذه الطلبات ولا مدى ما عندها من الاستعداد لبذل المعونة المطلوبة، ولكني أبادر فأقول إن من الواجب على الوزارة أن تبذل هذه المعونة، وتلبي جميع هذه الطلبات مهما كلفها الأمر ومهما لقيت في سبيل ذلك من الضيق والرهق، لأنها بهذا تؤدي واجباً على مصر نحو قوميتها ونحو مكانتها.
إن مصر تقف اليوم موقف الزعامة للعالم الإسلامي والعربي، وللمجد تكاليف شاقة مرهقة، فنحن لا نستطيع أن نحتفظ لمصر بزعامتها ولا أن ندعم مكانتها عند الأقطار العربية والإسلامية إلا إذا حققنا لهذه الأقطار ما تنشده عندنا وما ترجوه فينا وتطلبه منا، وقد كان من الواجب علينا أن نتبرع بهذه الخدمات الثقافية، فكيف وقد توجه إلينا الرجاء بتحقيقها والنهوض بتأديتها. . .
لقد قرأت فيما قرأت من أنباء هذا الأسبوع أن إنجلترا تعاني من داخل بلادها ضنكا في شؤون المعيشة، وأن أفراد الشعب هناك لا يحصلون على حاجتهم من مواد الطعام واللباس، على حين أن إنجلترا تصدر الكميات الضخمة من هذه المواد إلى الخارج، وذلك لأنها تريد أن تحتفظ بأسواقها التجارية وأن تظل عند أمل الشعوب التي تقع تحت سيطرتها فيها، فهي تضحي وتطلب إلى شعبها أن يحتمل الرهق حتى لا تغلبها دولة منافسة على أسواقها، وحتى لا تجد أمة فرصة لاقتحام الميدان عليها. . .
فيا حبذا لو أخذت وزارة المعارف عندنا بهذا المبدأ في تلبية ما يطلب منا من تأدية المعونات الثقافية في الخارج، ويا حبذا لو قدرت الوزارة أن الأمر واجب قومي لابد فيه من التضحية وتجنيد الجهود مهما كنا في أشد الحاجة إلى تلك الجهود.
المعجم اللغوي التاريخي: يشتغل المجمع اللغوي الآن بإنجاز المعجم اللغوي التاريخي الذي وضعه المستشرق الألماني المعروف الدكتور فيشر، وقد قدر المبلغ اللازم لطبع هذا المعجم وإخراجه بألف وخمسمائة جنيه، وإنه في الواقع لمبلغ ضئيل بالنسبة لقيمة ذلك المعجم النافع الذي ليس له مثيل في اللغة العربية.
أقول لا مثيل له في العربية لأنه ليس لدينا معجم لغوي يشرح تطور الكلمات العربية في دلالاتها ومعانيها وما جرى في استعمالاتها المختلفة على نحو ما يعني به علماء فقه اللغة، وقد حاول جار الله الزمخشري في معجمه (الأساس) وضعاً قريباً من هذا ولكنه جعل قصده إلى إظهار تطور الألفاظ وانتقالها من الاستعمال الحقيقي إلى الاستعمال المجازي. وفي العصر الحديث عمد المستشرق فيشر إلى سد هذه الثلمة في القواميس العربية ولما لم تكن هناك مصادر تعينه في قصده جعل كل اعتماده على مراجعة النصوص العربية، ومعنى هذا أن التراث العربي كله كان مصدر بحثه، ولقد اضطلع الرجل بهذه المهمة الشاقة في صبر العلماء وأناتهم حتى استطاع أن يحرر في ذلك آلاف الجذاذات لتكون مادة القاموس إذا ما رتبت.
وعندما اختير هذا المستشرق عضواً في المجمع اللغوي بمصر تقدم إلى المجمع بفكرته وعمله في هذا القاموس فشهد المجمع بأنها فكرة رشيدة وعمل جليل وأخذ الأهبة للعمل على إتمام هذا المعجم وإخراجه في الوقت قريب.
وكان أن قامت الحرب، وسافر فيشر إلى بلاده، وجاءت الأنباء بأنه قضى نحبه في إحدى الغارات، وطوى أمله وعمله في مطاوي النسيان، إذ لم يكن (ضمير) السياسة يسمح بأن يظهر هذا العمل لذلك العالم الذي ينتسب إلى بني الألمان مهما كان عمله خالصاً للعلم. ثم انتهت الحرب، وظهر أن فيشر لا يزال حياً والحمد لله، وأن أحداث الحرب الرهيبة لم تنسه الرغبة في إتمام عمله بإخراج ذلك المعجم الذي وقف عليه العمر، وعلى هذا عاد المجمع يهتم بإظهار هذا الأثر النافع المفيد، وكل ما نرجو أن لا يبدو ما يدعو إلى التطويح به والتسويف فيه.
. . . إن العلم أمانة!! في مجلة (المباحث) - وهي مجلة تصدر في تونس لخدمة الأدب والفن والتاريخ والفلسفة - قرأت فصلين متتابعين عن (كتاب ألف ليله وليلة)، فما انتهيت من قراءتهما حتى تبين لي أني نظرت هذا البحث من قبل، ولما أثرت الذاكرة ظهر لي أن الكاتب أخذ بحثه أخذاً كاملاً أميناً من بحث كتبه صاحب (الرسالة) عن (ألف ليلة وليلة)، ومن العجيب أن صاحب (الرسالة) قد حاضر بهذا البحث أبناء العراق، ونشرته مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، ثم مجلة المعرفة في مصر، وأثبتته (دائرة المعارف الإسلامية) في التعليق على مادة ألف ليلة وليلة وسجله صاحبه في كتاب (في أصول الأدب)، ولكن كل هذا لم يحمل الأستاذ التونسي على الإشارة إلى صاحب البحث إبراء للذمة.
ومنذ قريب تناولت مجلة أدبية سياسية تصدر في لبنان، فطالعت فيها قصه لشاب من أبناء لبنان يحسبونه في الكتاب وفي الشعراء أيضاً، ولكني ما كدت أنتهي منها حتى ذكرت إني قرأت تلك القصة في مجلة مصرية لكاتب مصري، وبعد المراجعة تبين لي أن لا فرق بين القصتين إلا أن الكاتب المصري جعل فتاة القصة من لبنان والكاتب اللبناني جعل فتاة قصته من مصر
وكم من عجائب وغرائب، وكلها من هذا القبيل، وإنها لجرأة أثيمة؛ فإن من الأمانة في العلم والإخلاص للأدب أن ينسب كل رأي لصاحبه، وأن يرد كل فضل لفاعله، وقد علمنا شيوخنا أن من شرائط الأدب والتأدب أن نسمي الاقتباس اقتباساً، والنقل نقلاً، وقالوا لنا أن من نسب رأياً إلى صاحبه فقد خلص من تبعته. أما سرقة الأفكار والتطاول بأنها من صنع الابتكار، فإنها لصوصية في تقدير الأخلاق، وجريمة في حكم القانون؛ وعجز يتدلى بصاحبه في عرف الناس.
ملاحم البدو:
قرأت في إحدى المجلات السودانية كلمة يقول فيها كاتبها: (إن في أشعار البدو الرحل في السودان وفي دوبيت العرب القاطنين أشعار كثيرة يتفق الخاطر فيها مع الخاطر العربي الأصيل، ويهيب بأبناء السودان وأدبائه أن يلتفتوا التفاتاً جدياً إلى هذا الضرب من الأدب المقارن.).
وكنت قد قرأت كلمة للباحث الفاضل الأستاذ أحمد رمزي بك في جريدة الأهرام أشاد فيها بالملاحم العربية البدوية وقال: (إن ترك هذه الثروة الأدبية التي يملكها العالم العربي بغير بحث واستقصاء وجمع وتسجيل جريمة في حق الأدب الشعبي والفني، وإني أطمع في أن أجد جماعة منظمة تعنى بهذه الناحية وتجمع هذه الثروة الفنية خاصة وأن أثرها لا يزال عميقاً في نفسية شعوب العروبة).
والواقع أن ملاحم العرب البدو جديرة بالاهتمام والتسجيل، ولكنا تغاضينا عن هذا التراث وأهملناه إهمالنا كبيراً، وقد كان للأجانب شغف وعناية بهذا التراث أكثر من عنايتنا به، فهل آن الأوان لأن نهتم بذلك التراث الحافل، وأن نبذل له ما يجب من الدراسة والتسجيل؟
معلوم!
يزور أقطار الشرق العربي في هذه الآونة مستر دكسون المستعرب الإنجليزي استعداداً لإصدار مجلة باللغة الإنجليزية في لندن للدفاع عن قضايا العرب في الشرق الأوسط وشمال إفريقية، ويقول مستر دكسون إن مجلته هذه لن تكون ذات صبغة سياسة، ولكنها ستعنى بالثقافة والعلم والحياة العربية، وستوزع في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة لكي يعرف الغربيون أكثر مما يعرفون الآن عن حياة العرب وقضاياهم.
وليس مستر دكسون بالرجل الغريب عن أقطار الشرق العربي، فقد أمضى بها من قبل نحو عشر سنوات، وتنقل في مصر والسودان وفلسطين وطرابلس وغيرها من هذه الأقطار، وهو يتقن اللغة العربية ولا يزال جاداً في الإحاطة بآدابها وثقافتها، وقد أنشأ أخيراً الجمعية الاسكتلندية العربية وأسند رياستها إلى السير والتر ماكسويل سكوت كما استعان في رعايتها بالسفراء العرب في لندن، ويقولون إنه الآن بسبيل تأليف جمعية أخرى في دبلن بأيرلندا. . .
ولكن ما هذا كله؟ وهل مستر دكسون يبذل كل هذا العناء للدفاع عن العرب وقضاياهم حقاً كما يقول ويقول أنصاره؟!
إنها لمفارقة لطيفة، وإنه لأسلوب من أساليب الدعاية الاستعمارية خبرناه من قبل، ووقفنا على اتجاهاته وأهدافه، فما نال أبناء الشرق العربي من ضر مثل ما نالهم على يد أولئك الأصدقاء الأعداء الذين يتطوعون للدفاع عنا ويذرفون الدموع السخينة لحالنا وما هي إلا دموع التماسيح، ولكن عذر هؤلاء أن هذا الأسلوب لا يزال يجوز على ضعاف العقول من أبناء هذا الشرق الذين تأخذ بلبهم ظواهر الأمور.
إنجليزي يدافع عن العرب عند الإنجليز؟! معلوم!! معلوم ويا له من منطق مفهوم!!
هل هذا صحيح:
كانت كليه الآداب الفرنسية في لبنان قد وجهت الدعوة إلى الدكتور عبد الرحمن بدوي المدرس بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول إلى إلقاء سلسلة من المحاضرات الفلسفية هناك فلبى الدعوة، ويقولون إنه قد قوبل بالحفاوة والترحيب وإن محاضراته قد قوبلت كذلك بالاعتبار والتقدير.
ولكني طالعت في العدد الأخير من مجلة (المعهد) التي تصدر في جنوب لبنان حديثاً جرى بين محرر تلك المجلة وبين الأستاذ البير عمون صاحب مجلة (الأديب) عرضا فيه لهذه المسألة. فقال الأستاذ عمون - والعهد على راوي الحديث - (إن دعوة الفرنسيين للدكتور عبد الرحمن بدوي لإلقاء هذه المحاضرات ليست إلا إحدى مناوراتهم ومثالا لأساليبهم التي يخدمون بها مركزهم ويجلبون الناس إليهم، ولم يلب الدكتور بدوي الدعوة إلا لأن مركزه كأستاذ في الجامعة المصرية يكاد أن يكون مضطرباً في المدة الأخيرة، وذلك على أثر مذهب فيه شيء من الإباحية كان الدكتور قد دعا إليه في أحد كتبه، فأثار نقمة أولياء الأمر في مصر، وبخاصة أوساط الأزهر، ولا يستبعد أن يرى الدكتور هذه الدعوة بمثابة تأييد لمركزه، وهي من كلية في لبنان بلد العلم والثقافة).
هذا ما جاء في ذلك الحديث بنصه وبحروفه، وأنا رجل شديد الغيرة على أبناء وطني، وظني بهم أباة يترفعون عن أن يكونوا صنيعة لأية دوله مهما عظمت، وإن هذه الغيرة لتدفعني إلى سؤال الأستاذ بدوي: هل هذا صحيح؟!
(الجاحظ)