الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 712/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 712/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 712
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 24 - 02 - 1947


فقيد العلم والإسلام:

قضى بموت الفجاءة مساء يوم السبت الخامس عشر من هذا الشهر فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخ الجامع الأزهر، فكانت الفجيعة بموته أليمة قاسية أرمضت النفوس، وأوجعت القلوب، وساد الحزن عليه جميع الأوساط والأقطار. فقد كان الفقيد - رحمة الله عليه - مثالا للفكرة المستقيمة، والحكمة المهذبة، والإنسانية النبيلة، وكان كل هذا سجية في طبعه وغريزة في نفسه، فقد نشأ في بيت عريق الثراء والجاه، واتصل في أدوار حياته بمجالي النشاط السياسي والنضال الحزبي، ولكنه نشأ وعاش على طبيعة الخير وفطرة السماحة؛ فدرس في الأزهر جامعة الشعب، وسافر إلى فرنسا للدراسة، ثم عاد منها لا ليطلب منصبا يوازي جاهه ومكانته بل ليجلس مجلس الأستاذ يفيد تلاميذه في الأزهر وفي الجامعة، وهكذا عاش طول حياته محبا للحكمة، قريبا من النفوس؛ ولقد تقلد المناصب الكبيرة. فعين وزيرا للأوقاف ثم شيخا للأزهر، ولكنه لم يتغير ولم يتبدل.

لقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق رجلا نبيلا فلاقى ربه بهذه الميتة

النبيلة، ولقد رأى الناس نعشه محمولا على الأعناق، ورأوا الألوف

تحتشد لتشييعه والعزاء فيه، ولكنهم لم يصدقوا أنه مات، ولم تستطيع

أذهانهم أن تحتمل تلك الصورة الرهيبة، فيعتقدوا أن الموت طواه كما

يطوي سائر الناس. . .

لن يموت الشيخ مصطفى عبد الرازق، ولكنه سيظل صورة شاخصة ومثالا حيا في أذهان تلامذته ومريديه، وفي نفوس إخوانه ومحبيه، وفي قلوب أولئك الذين ملأ قلوبهم بفيض إنسانيته، وكرم سجيته، وما أفاء الله عليه من فضل عميم.

لقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق عالما فاضلا، وحكيما مهذبا، وأديبا أريبا، وكم له من مشابه في هذا بين الناس، ولكنه كان إنسانا نبيلا لا يشبهه في هذا إلا القليل من الناس، وحسبك برجل لم تحسب له طول حياته فعلة نابية، أو كلمة شاردة أو إساءة قدمها. بل أضمرها، ولكنه عاش طول حياته يزرع الخير في كل مكان. فلا شك أن الفجيعة بموته إنما هي فجيعة لأهل الخير الذين يؤثرونه والذين يطلبونه. . .

ونحن اليوم إذ نعزي العالم الإسلامي في موته، والعلم في فقده، نرجو أن نعود لوفائه حقه من الحديث المستفيض في شتى نواحي حياته وإنسانيته. أسكنه الله فسيح جناته، وأسبغ عليه عميم رحماته.

مرحى توفيق الحكيم!

مرحى يا صديقي الكاتب الكبير! وتهنئتي لك على تحرر قلمك الموهوب وخلوصه لأمتك التي تحتاج إلى فنه وقوته في هذا الدور من تاريخها مسيس الاحتياج. . أمتك العربية الكبيرة لا مصر وحدها.

ومن حقك على أن أسجل لك هذا الموقف المشرف في مقالك (عطور وخمور وفكر) الذي نشرته بالعدد الماضي من (أخبار اليوم) والذي نال من الدعاية الفرنسية ومحاولتها تجديد خديعة مصر عن واجبها إزاء أبناء عمومتها في شمال أفريقية، ما لم ينله مقال آخر، من حقك على أن أسجل لك هذا بعد ما أنحيت عليك بلوم مر على صفحات هذه المجلة لموقف عكسي سابق بدا لي فيه أنك مخدوع بفرنسا متعصب لها تعصبا قد أنساك بعض المجاملة في حديث إخوانك، وأنت الرجل المهذب الهادئ، مما دعاني يومئذ أن أغضي عما لك في نفسي من مكانة حينما بدا لي أنك تغضي عما ترتكبه فرنسا ضد الحرية وضد حرمات الفكر في شمال أفريقية، وأنت يجب إلا يخدع عن ذلك.

والآن أحمد الله إليك على أن سريرتك الطيبة الحرة قد انكشف لها موقف فرنسا على حقيقته، فأثبت أن الثقافة الفرنسية والدعاية الفرنسية لا تستطيعان أن تخدعا المفكرين العرب بعد اليوم عن واجبهم إزاء ما يرونه من تناقض فاحش بين الفكر الفرنسي الزاعم لنفسه الدفاع عن حريات الإنسان وحقوقه، وبين السياسة الفرنسية الغاشمة التي تجعل من تونس والجزائر ومراكش سجونا لأهلها تحرمهم خبز الروح والفكر العربي الذي ينتجه أبناء عمومتهم، وتحبسهم عن الرحلة في طلبه، وتحول بين الناس وبين الرحلة إليهم ليروا آثار الحكم الفرنسي السعيد فيهم.

وأحسب أن بعض أصدقاء فرنسا في مصر قد فاجأهم وأدهشهم موقفك الأخير من فرنسا وأنت ربيبها، وقد كنت من الأوفياء لها حتى بعد انهيارها وسقوطها بينما انقلب كثيرون ضدها بعد أن كانوا من أبواقها قبل الحرب ولا أزال أذكر كلمتك (فيران السفينة) التي نشرتها في الأهرام غداة سقوط فرنسا وتخلي بعض تلك الأبواق عنها ودعايتهم ضدها واشمئزازك منهم ذلك الاشمئزاز الذي صورته في تلك الكلمة. . .

أقول أنا أحسب ذلك وأذكر هذا، ولكن مهما يكن من شيء فإنه لا بد للكاتب الحر أن يفي للحق والحرية ويدافع عنهما في أي أفق، ولا يضيره أن يتغير موقفه في الدفاع، وإني أعتقد أن فرنسا تستفيد من موقفك الأخير أضعاف ما تستفيده من موقف الإغضاء عنها أو الخديعة بدعايتها، لأن ذلك سينبهها إلى أن تترك سياستها التقليدية في خداع العرب عن طريق مصر، وإذا كنت قد عشقت روحها الحرة فمن واجبك أن تذكرها بها وتلومها، وتشتد في لومها وتغاضبها إذا ما رأيتها ترتد عن رسالة تلك الروح، وما أظن عشاق فرنسا من المفكرين والكتاب في الشرق يحبونها لما يرون فيها من البهرج والزينة والمتع الحسية، وإلا كانوا أحرياء ألا يسموا مفكرين، وإنما هم طبعا يحبونها لتقاليد آدابها وما اشتهرت به لديهم من دفاعها عن الحريات. فإذا كشفت لهم الأيام حقيقة خداع فرنسا في ذلك كله فما أحراهم حينئذ أن يناشدوها أن تحقق ما أحبوها من أجله، وبخاصة مع قوم تربطهم بهم روابط الدم واللغة والعواطف والآمال والآلام، فإذا لم تستجب لمناشدتهم فما أحراهم أن يخلعوا من قلوبهم الولاء والحب لها ومن ألسنتهم المجاملة وأن يستقبلوا وافدي الدعاية لها بما هم أهله من الفتور والإهمال.

ذلك هو منطق الذين لا يريدون لأنفسهم التناقض مع أنفسهم، ولا يريدون أن يعدوا لدى فرنسا مخدوعين ولدى الشرق خادعين أو مخدوعين.

فامض أيها الصديق في طريق الدفاع عن المغاربة والغضب لهم لا لأنهم من قومك فحسب؛ بل لأن الحق والحرية، وهما عماد رسالة الفكر، تشتد فرنسا في محاربتهما على مسرح بلادهم. وعسى الله أن ينبه بك أذهان البقية من أصدقاء فرنسا في مصر إلى واجبهم في معالنة فرنسا بالخصومة إذا لم تغير سياستها مع المغاربة تغييرا أساسيا. وانك لمكسب كسبناه والسلام.

عبد المنعم حلاف

فن وتجارة! تحت هذا العنوان كتبنا كلمة في عدد مضى من الرسالة حبذنا فيها ما تقصد إليه شركات الأفلام الأجنبية من عرض أفلام قوية باللغة العربية، وقلنا إن هذا العمل سيفيد الفن السينمائي في مصر قوة وجدة نظرا لما تملك هذه الشركات من القوة المادية والقوة الفنية كما عجبنا لتلك الضجة الصاخبة التي يحمل لواءها حضرة يوسف وهبي بك بوصفه نقيبا للممثلين واستنكرنا أن يفزع إلى ولاة الأمور لمنع عرض هذه الأفلام بحجة أنها ستقضي على كثير من الممثلين السينمائيين بالبطالة، وقلنا إنها حجة تدل على أن هؤلاء السينمائيين إنما يطلبون العيش لا أكثر ولا أقل.

ورد علينا حضرة نقيب الممثلين بكلمة طالعها القراء في العدد الماضي، ولقد حاولنا أن نجد في تلك الكلمة حجة من المنطق بل شبه حجة تقنعنا بأن حضرة النقيب يدافع عن مسألة له فيها رأي وفهم ولكن حضرته كان عند حسن ظننا به وفهمنا فيه، فقد ترك حضرة يوسف بك المسألة من الناحية الفنية وراح يتهمنا بمناصرة الاستعمار، وينصحنا بتقديم ما كتبنا إلى الشركات الأجنبية لتجزل لنا عنه العطاء. .

وإننا لندع هذا الهراء الفارغ ونلتمس للسيد يوسف في ذلك كل العذر، فما نحسبه يقدر أن الكلام الذي يكتب غير الكلام الذي يلقيه على خشبة المسرح على رءوس العامة وأشباه العامة، ندع هذا لنعود فنقول لنقيب الممثلين إنه دل في كلمته على صدق ما قلناه، وهو أن حضرات الممثلين السينمائيين إنما يتاجرون بالفن ويدافعون عن حقهم في العيش، فقيمة فنهم هي قيمة ما يجلب من الرغيف. ومن العجيب أن السيد يوسف بك يقول إنه لا ينكر عرض الأفلام الأجنبية بلغتها الأصلية، ولكنه ينكر عملية (الدوبلاج) لما فيها من خطر المنافسة لأفلامه وأفلام شركاته، ونحن على العكس منه ننكر عرض الأفلام الأجنبية بلغاتها الأصلية ونحبذ تمصيرها ونقلها إلى لغتنا، ولست أدري بعد هذا من منا هو الذي يكون داعية للاستعمار الأجنبي.

إن هذا الفزع يا حضرة النقيب ليس له من مبرر إلا الضعف، وإنكم بإنتاجكم الضعيف الهزيل تحملوننا على أن نحبذ عملية (الدوبلاج) فأنتم العلة وعليكم الوزر، والناس معذورون إذا طلبوا الفن من أي طريق ما دمتم أنتم قد تنكبتم عن الفن كل طريق. . .

(الجاحظ) تصحيح آية:

كتب إلينا كثيرون يصححون كلمة جاءت في المقالة القيمة (محمد والأمن العام) لصاحب العزة علي حلمي بك على أنها آية، وهي (ولا تكتموا الشهادة وأنتم تعلمون) على أنها ليست بآية، والآية هي (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).