مجلة الرسالة/العدد 706/البَريدُ الأدَبي
→ من هنا ومن هناك | مجلة الرسالة - العدد 706 البَريدُ الأدَبي [[مؤلف:|]] |
القَصصُ ← |
بتاريخ: 13 - 01 - 1947 |
أدباء العروبة:
نشرت مجلة الرسالة في عددها الصادر بتاريخ 30 11 1946
كلمة تحت هذا العنوان عجبت كيف قبلتها وهي ملتقى أقلام
أهل الأدب وميدان النابهين من رجال الفكر، وقد أدهشني ما
جاء بهذه الكلمة من أحكام لا تصدر إلى عن تحيز أو غرور.
وأحب أن أبين للقراء ما دق على فهم الكاتب من أهداف (جامعة أدباء العروبة) في رسالتها للنهضة بالأدب العربي، والسير به قدُماً إلى الأمام.
فالجامعة تعمل على إيقاظ الذهن العربي وتوجيهه نحو الآفاق البعيدة الجديدة من آثار المفكرين النابهين النوابغ، وتريد أن تصل الشرق بالغرب في النافع من الثقافة والأدب، وتجد في سبيل توثيق الأواصر بين الأدباء ليسيروا متساندين في خدمة الضاد، سواء أكانوا من المنضوين تحت لوائها أم من أنصارها الذين يعملون للأدب العربي مستقلين لا يرون في التقيد بالجمعيات خيرا كبيرا. فليس هناك احتكار للأدب في أذهان القائمين بأمر جامعة أدباء العروبة كما زعم الكاتب. وإنه ليسر الجامعة أن تعاون كل من يدعو لخدمة الأدب العربي والنهوض به أفراداً وجماعات. وهنا أريد أن أشير إلى ما سماه الكاتب انقساما في صفوف الجامعة، فليس خروج واحد أو اثنين على جامعة الأدباء يعد انقساما يتساوى فيه الفريقان. على أن جامعة أدباء العروبة يسعدها أن تسمع كل يوم عن تأليف جماعة لخدمة الأدب والشعر، وتدعو لها صادقة بالتوفيق والسداد.
ثم كيف تأتَّى للكاتب - وأحسبه من قراء الرسالة - أن يفهم أن هؤلاء الذين توفروا على خدمة أغراض الجامعة، يحتكرون الأدب، وأنهم عدا واحد أو اثنين من غير الصف الأول! لقد أخطأ خطأ مضاعفا؛ فإن الذين يعملون معنا، إنما وقع عليهم الاختيار قبل كل شيء لنشاطهم في خدمة أغراض الجامعة النبيلة فوق ما يتجملون به من أدب وثقافة. وهم فوق ذلك - في مجموعهم - يقفون في الصف الأول من رجال الأدب العربي في هذا العصر.
والجامعة لا تتردد في دعوة البارزين من رجال الفكر والقلم في كافة أنحاء العالم العربي للمساهمة في نهضة الأدب ورفع شأنه بغض النظر عن كونهم من أعضاء الجامعة أو من أنصارها، أو من المستقلين عنها كل الاستقلال.
وإذا لم يكن شاعر مصر الكبير أستاذنا العقاد والشعراء النابهون: ناجي، وغنيم، والأسمر، وأبو فاشا، والغزالي، والعوضي، وبعد المنعم، وشمس الدين، وحمام، والماحي، وعماد، وكامل الكيلاني، ومخيمر، والجرنوسي، وعبد الحميد مرسي، والجمبلاطي، وكبار كتابنا النابغين هم الذين تلمع أسماؤهم في أول الصف الأول من أدباء العالم العربي، فأين يكون هذا الصف الذي يعمل في الخفاء، وينشر رسالة الأدب في خفر واستحياء!
أما ما جاء في ثنايا كلام الكاتب من أن أحد الأعضاء نقل الأدباء في سياراته إلى القناطر الخيرية. . . الخ فهو ضرب من المهاترات الرخيصة التي لا تستحق العناية.
دعونا نعمل، فإننا نرمي لتحقيق غايات شريفة نقصد بها وجه الله وخدمة الوطن، بعيدين عن السياسة والحزبية، والأغراض الذاتية. نرفع راية الضاد عالية يتفيأ ظلها من أراد بشرط أن يكون كفأ ومخلصا في السعي لما نرمي إليه، والله ولي التوفيق.
إبراهيم دسوقي أباظه
الرسالة: نعتذر مخلصين إلى حضرة صاحب المعالي رئيس
(جامعة أدباء العروبة) مما أخذه على كاتب الكلمة. ونؤكد
لمعاليه أن من أمانيّ الرسالة أن تتألف في كل طائفة من
طوائف الأمة جماعة للأدب يقوم عليها وزير أو كبير. ولقد
كانت الرسالة أول من سجل اهتزاز الأدب واعتزاز الأدباء
بتولي معاليه الوزارة؛ إذ لا يستطيع - والأدب من طبعه وفي
استعداده - أن يخلي منه نفسه وهمه وعمله ومجلسه. وإنما
عز الأدب بعز أهله. وحسب الأدب اليوم أن يكون من منتجيه ومشجعيه وزير! ولو لم يعمل صاحب المعالي إبراهيم دسوقي
أباظه باشا ما عمل للفن الرفيع في وزارته وفي داره وفي
حزبه لما تميز في رأينا على نظرائه الذين تقدموا بالأدب
وتعرفوا به ثم أخروه وأنكروه. وإذا كان في الناس من ظن أن
رياسة الباشا لجامعة الأدباء تشريف ودعاية، فقد ثبت من هذا
البيان الحازم أن رياسته لها تكليف ورعاية.
أعوذ بالله!
أعوذ بالله من. . . أأقولها؟ من صورتي أنا! ولست أعني الصورة التي صورني الله بها؛ فإني راض عنها أحمد الله عليها، ولكن أعني هذه الصورة التي وضعت مع مقالتي في العدد الممتاز وقالوا. . . إنها صورتي! مع أنها لا تشبهني ولا أشبهها وليس فيها ملامحي ولا سماتي، ولم يرها أحد ممن يعرفني إلا قال كما قلت: أعوذ بالله! أهذه صورتك!
لا والله يا إخواننا، ليست صورتي، ولا أدري من الذي صورها، ولكن أدريه أن هذا (المصور. . .) مثل زميله الأول الذي بلغ من حذقه ومعرفته بصناعته، أنه صور (ديكا رومياً) فما شك أحد ممن رأى الصورة، بأنها (خريطة الحبشة)
وأنا أفهم من التصوير الكاريكاتوري أنه لابد فيه مع إظهار المقابح، وتعمد الاضحاك، من إثبات الملامح والدلالة على الشخص المصور حتى لا يتردد كل من يعرفه إذ يرى الصورة، في أن يقول ضاحكا: هذا فلان، فإذا لم يعرف من الصورة صاحبها، ولم يوجد فيها ما يدل عليه، ولم تشتمل على فكرة ولا على إضحاكك ولا تظهر معنى من المعاني، فإنها لا تسمى صورة أصلا.
ولا عبرة بأن هذا (المصور. . .) أبرز ملامح بعض كتاب الرسالة، كعزام باشا مثلا، وأنه يجيد تصوير الوزراء ورجال السياسة، فإن كل إنسان إذا مرن على تصوير رجل يحذق صورته. ولقد كان عندنا في الثانوية ناظر عجوز له شاربان ينزلان على شفتيه وأنف أعقف كمنقار الصقر، وذقن غائص في وجهه لا يكاد تظهر، ووجنتان فيهما حفرتان، فكنا نصوره بخطوط معدودة فتبرز ملامحه لا يعجز عن ذلك طالب فينا، أما المصور البارع حقا فهو الذي تظهر براعته في كل صورة، ويصور كل إنسان، وعندنا في الشام من ينظر إليك دقائق، فيصور لك صورة تضحك أنت منها، ولا يشك أحد من أصحابك في أنها صورتك
ثم إن هذه الصورة المنشورة مع مقالتي، لفتى في السادسة عشرة وأنا في حدود الأربعين، وهي لشاب حيي مسكين، وأنا رجل شرس ما كنت، ولله الحمد، مسكينا قط.
فإن كان هذا هو (الفن) في مصر، فيا ضيعة الفن في مصر!
علي الطنطاوي
ذكرى باحث الشرق:
في منتصف شهر مارس من عام 1897، انتقل المغفور له السيد جمال الدين الأفغاني إلى جوار ربه، ففي مارس القادم يكون قد مضى على وفاة ذلك المصلح العظيم خمسون عاماً كاملة.
ومن نافلة القول أن تقول إن جميع أقطار الشرق الإسلامي مدينة في نهضاتها ووثباتها، وما تحقق لها من مظاهر التقدم والحرية للسيد جمال الدين الأفغاني ذلك الرجل الذي قضى حياته يكافح الاستبداد وينافح الاستعمار، ويصيح بالشرق المستسلم أن يستيقظ، وفي هذا السبيل عاش شريداً طريداً تدفعه يد الأقدار أو يد الاستعمار من قطر إلى قطر، وتخرجه من بلد إلى بلد، حتى قضى شهيداً في مطارح الغربة، وليس حول سريره زوج ولا ولد.
ليس من شك في أن الأفغاني - نضر الله قبره ونور ضريحه - قد أقام دعائم النهوض للشرق الإسلامي، وبنى لحراستها قلاعاً من الرجال وإن بقية الخير وطلائع الإصلاح في الشرق هم تلاميذه، أو تلاميذ تلاميذه، وما كان للأفغاني مع هذا من ولد يريد أن يورثه المجد، ويحفظ له المكانة، وما كان له من مطمع في رفاهية الحياة فقد احتقر عروض الدنيا من أيدي السلاطين والحكام، وازدري المال والرفاهية، وعاش حياة خشنة أشبه بحياة الصوفية والمتزهدين. . .
واليوم وقد مضى على وفاة ذلك الرجل الذي وهب حياته للشرق خمسون عاما، فهل للشرق أن يذكر في هذه المناسبة، وأن يذكر أبناء الجيل بما كان في حياته من قدوة، وفي سيرته من أسوة، وفي جهاده من قوة. . .
إن أقل ما يجب في هذه المناسبة، أن ينهض الشرق الإسلامي، شعوبه وحكوماته، هيئاته وجماعاته؛ مدارسه وجامعاته فتقيم أسبوعاً عاماً يدعى بأسبوع جمال الدين الأفغاني، وليس ذلك يعلم الله واجبنا نحو الرجل. بل إنه واجبنا نحو أنفسنا قبل كل شيء حتى ندفع عن أنفسنا معرة النسيان، وتهمة الجحود والكفران.
محمد فهمي عبد اللطيف