مجلة الرسالة/العدد 70/من أدب الحزن
→ خالد بن الوليد في حروب الردة | مجلة الرسالة - العدد 70 من أدب الحزن [[مؤلف:|]] |
في الأدب الدرامي ← |
بتاريخ: 05 - 11 - 1934 |
وفي. . . وناكر
بقلم يوسف جوهر عطية
وإذا أرسلت روحي في الماضي ذكرتك يا رفيقي، وكانت قد أذهلتني عنك الحياة وقسوتها والأيام واضطهادها وعاد بي الفكر إلى تلك الأشبار من صحراء (الأقصر) حيث استقرت عظامك من خمس سنين. . .
ما اكفرني بحق الصداقة يا صاحبي! ما اغلظ هذا القلب اللحمي وما أقساه! كيف نسيت حباً وثقناه وعهداً قطعناه!
كنا نسير في الحياة كل يده في يد صاحبه وكل صورته في قلب رفيقه مرسومة. فلما فارقت الحياة أنكرت يدي الودّ القديم، وران على قلبي صدأ النسيان، وابتلع ظلام نفسي ذكراك. . بعد أن كان مكانك عرش، القلب، وبعد أن كانت ملكك كل النفس، وبعد أن كنت ملجأ روحي القلقة، وملاذ فكري المكدود. .
سامحني يا رفيقي فإنني إنسان والإنسان قد جبل على الغدر وفطر على النكران. . لتكن إنسانيتي عذرى لديك. ولا تقس الوفاء بمقياس أهل السماء، فإنني بعد سجين في الجسد، مأسور الروح، عبد لنواميس الحياة. كن كما كنت كريماً متجاوزاً، رفيقاً. .
أنت أنت الوفي، وأنا أنا الناكر. .
وهيا يا رفيقي نعود فنصل الحديث، ونمحو الجفاء، فأنني لحديثك مشتاق، ولسمرك ظمآن. .
كنا لا نصبر على الفراق ساعات يا صاحبي. لكن ها هي ذي عجلة الزمن تدور دورتها الطاحنة، وتباعد خمس سنين بيني وبينك ولا أعود أرى وجهك بعد أناستوطنت أنت السماء وظللت أنا مغترباً في الدنيا. لقد استرحت في قبرك، وخلفتني أعيش وحدي في هذا القبر الكبير!
لماذا عجلت ذهابك يا رفيقي!. كنا قد تعاهدنا أن نقتسم معا شقوة الدنيا وأن نستقبل متكاتفين قسوة الحياة، وأن يتقي كل بأخيه غدر القدر!. لماذا مللت وتركت صاحبك يهيم وحده!! أأعياك حمل رداء الهموم وأنت في سن الفتوة وعمر العزيمة، فآثرت الفرار من هذه الدار؟!. .
لكن لا يا صاحبي. . سامحني. إني لعارف انك لست من الذين يجبنون ويفرون، وأن الله هو الذي اختارك واصطفاك. . هو الحزن القديم النائم تحت رماد الأيام تهب عليه ذكراك فتستيقظ جمراته، وتكوى قلبي من جديد، فيضل تفكيري ويطيش منطقي، وأتهمك بما أنت منه برئ!.
كيف حالك يا صاحبي؟!. .
اكبرت أم أنت فتى كما كنت!؟. هل بقيت لك بسمتك وبهاء طلعتك، أم شاخت بسمتك وشحب محياك؟! أم أن صور الأرض غير صور السماء وأنك هناك دائم الفتوة متجدد الشباب مسترسل السرور في كنف الله؟!.
كيف حالك؟!
أين أنت الآن؟ أين تقيم روحك؟ هل أنت معذب أم منعم؟ قلق أم مطمئن؟ هل روحك في سلام؟.
رجائي قوي انك في سلام. . فقد كنت باراً وقضيت أيامك كالزهرة النقية تلثمها في النهار أشعة الشمس وتباركها في الليل أنوار النجوم. . كنت جم الفضائل. عشت وديعاً كطير الأفنان. كنت مصباح البيت في الهدى، ونبراس الخلق الكريم
إني مطمئن عليك يا رفيقي، وعارف بحظوتك عند الله، وبمقامك في جوار الملائكة. . يهنيك نصيبك. يهنيك انك تخلصت من الدنيا قبل أن تدرك نفسك المطامع وتلوثها الشهوات، وتشوهها أمراض الأغراض، وتدفعها قوى الشر في مزالق الخطيئة. لقد نجوت، وخلفتني وحيداً في الحياة، في سوق النفاق، أكابد الخسائر وأتجر بقواي، وأنفق من فضائلي وأقامر بأيامي وأصارع حظي الشقي. .
يا صاحبي. . لقد كلت قدمي. تعبت، هرمت روحي وأنا في شرخ الشباب. . وها هي ذي آلامي ترهقني فأفر إلى الماضي، وأذكرك وهأنذا ألجأ إلى حنانك كما كنت أفعل وأنت في الحياة. . هيا نجدد العهد، ونسعى إلى اللقيا في عالم الوهم؛ حتى تجمعنا الحقيقة في الخلود، فنعود إلى العزف على قيثارة حبنا القديم، ونسترد ألحاننا الضائعة. . .
يوسف جوهر عطية