مجلة الرسالة/العدد 70/البريد الأدبي
→ على قبر الفردوسى | مجلة الرسالة - العدد 70 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 05 - 11 - 1934 |
العيد الفضي
عزيزي الزيات
في افتتاحية العدد الماضي أسميتم العيد العشرين للجنة التأليف العيد الفضي. وإن جاز أن يكون في هذه التسمية متسع لاختلاف الآراء، فأني أرى الأولى تسمية بالعيد الصيني، وذلك جرياً على العادة القديمة في بعض الأمم، واتباعاً للمراسيم المألوفة عندهم في الأعراس. فقد اصطلحوا على أن يهدوا للعروسين في ذكرى العرس السنوية الأولى شيئاً مصنوعاً من الورق، وفي الذكرى الثانية شيئاً مصنوعاً من (البفتة)، وفي الثالثة شيئاً من الكتان، وفي الرابعة شيئاً من الحرير، ويتلو هذه الخشب فالحلوى فالزهر فالجلد فالقش فالقصدير فالعقيق، إلى آخر قائمة طويلة يعني باستظهارها من لا يزال يعني بتلك المراسيم ولاسيما التجار. ومن اشهر تلك الأعياد العيد العشرين ويهدى فيه الخزف الصيني، فالخامس والعشرين وتهدى فيه الفضة، فالثلاثون ويهدى فيه اللؤلؤ، فالأربعون وهديته الياقوت، فالخمسون وهو الذهبي، ثم الخامس والسبعون وهو الماسي؛ ومن بلغه فقد عمر دهراً طويلاً. ولاشك أن ربط هذه الأشياء بهذه الأزمان منشؤه في كل حالة خاصة غير واضح، ولكن نستطيع أن نقول على وجه التعميم انه يمت من قريب أو بعيد إلى ما كان يعتقد القدماء في المعادن والجواهر من يمن أو شؤم. حتى لتجدهم إلى اليوم يخصون الفصول والأيام، حتى والساعات بأحجار كريمة خاصة تدر على لابسها، أو الأرجح لا بستها، كل خير وبركة، فالزمرد حجر الربيع لخضرته، والياقوت الأحمر حجر الصيف لان لونه من النار، والياقوت الأزرق للخريف، والماس للشتاء ولونه من لون الثلج، يأخذ النور ويشع بالنور
احمد زكي
الأدب اليوجوسلافي في مختلف أطواره
كثر الحديث أخيراً عن يوجوسلافيا وأحولها لمناسبة مأساة مرسيليا التي ذهب ضحيتها الملك إسكندر. وكان للناحية الأدبية نصيب من تلك الأحاديث؛ فنشرت مجلة (الأخ الأدبية) مقالاً ضافياً بقلم الكاتب السربي ايفو باربتش عن الأدب اليوجوسلافي في مختلف العصور نلخصه فيما يأتي:
ليوجوسلافيا حضارة قديمة وأدب قديم. وترجع آثار الأدب السربي والكرواتي والسلوفيني القديم إلى القرنين العاشر والحادي عشر؛ وظهرت في القرن الحادي عشر أول آثار باللغة السلافية القديمة بقلم كيريل وميتود رسولي الأدب السلافي، وبلغت الحضارة اليوجوسلافية ذروتها في عصر (نيماجنا)؛ وهرع إلى الأديرة القديمة كثير من شباب الأشراف والأمراء، يعيشون في تقشف، ويدرسون الآداب البيزنطية والنصرانية القديمة، ويترجمون آثارها الخالدة إلى السربية القديمة. وبعد الفتح التركي (سنة 1389) دخلت الآداب اليوجوسلافية في طور جديد، وسادة فيها مثل البطولة والعناصر الشعبية والغنائية، وبلغت ذروة هذه المرحلة في القرن التاسع عشر، ولفتت نظر الغرب بشاعريتها القوية المؤثرة التي تقص آلام شعب مهيض وتستوحي ماضيه المجيد، وتدعو إلى تحريره من نير الغاصب
وقامت إلى جانب هذه الحركات الأدبية العامة حركة أدبية محلية في البلقان وعلى ساحل البحر الأدرياتيك في القرنين الخامس عشر والسادس عشر تحت رعاية الحضارة البندقية. فكانت مدينة راجوزا مركزاً لحضارة سربية زاهرة، ونبغ بها عدة شعراء سربيين مثل منتشتش، ودرزتش، وجيورجتش. وبلغ شعر راجوزا غاية ازدهاره بالشاعر جوندلتش صاحب الأثر الشعري الخالد (عثمان)؛ وهي قصيدة قومية كبيرة، تضطرم وطنية، ويطبعها وحي الآداب الرومانية والنصرانية القديمة. وكان للدرامة والكوميدية والشعر الريفي نصيب كبير في هذه الحركة. وتردد صدى هذه النهضة الأدبية الزاهرة في كثير من المدن الساحلية الأخرى مثل زارا، وسبلاتو؛ ونبع بها عدد كبير من الشعراء والكتاب؛ كما ترددت في بلاد الكروات والسلوفين
على أن هذه المظاهر الأدبية كانت تنقصها الوحدة والتناسق حتى القرن التاسع عشر. وكان اعظم العاملين على تحقيق هذه الوحدة الكاتب الكبير فوك كرادجتش الذي لبث زهاء نصف قرن يناضل في سبيل وحدة اللغة الأدبية يؤازره جماعة من أنصاره وتلامذته، فكتب أجرومية اللغة الأدبية، وألف قاموساً، ووضع قواعد جديدة للإملاء. وكتب اوبرادفتش كتباً شعبية كثيرة يدلل بها على وحدة الأصل الذي تنتمي إليه العناصر السربية المختلفة، وكانت زغرب عاصمة كرواتيا مهداً خصيباً لهذه الحركة الفكرية الجديدة، وفيها ظهر لودفيت جاي وجمهرة من الكتاب الذين يعملون على تحقيق هذه الوحدة الأدبية
وكان ذلك بدء الأدب اليوجوسلافي الحديث، وقد بدأ هذا الأدب متأثراً بالطابع الساذج القديم، ولكن مشرباً بروح الأدب الغربي الحديث، وكان زعماء هذا العصر نيوجوخ أعظم شاعر يوجوسلافي وصاحب الديوان الشهير (غار الجبل) ومازورانتش الكرواتي، وبرشرن السلوفيني، ونستطيع أن نذكر من الشعراء المعاصرين دوتشتش، وشانتشتش، وراكتش، ونازور، وكيت. ونبغ أيضاً عدد من القصصيين متأثرين بالأدب الروسي والفرنسي، ومنهم ليوبيشا، ولازارفتش، وسرماك، وكوزاراك، ولكوفار، وكانكار
وامتاز عصر ما بعد الحرب باضطراب فكري عظيم؛ وأبدى الجيل الشاب ميلاً جديداً لمتابعة الغرب في نزعاته نحو الأدب والفن؛ وظهرت في حلبة الآداب اليوجوسلافية الفكر القومي والدولي والاشتراكية الجديدة، أو بعبارة أخرى كانت النزعة الثورية تطبع أدب هذه المرحلة، بيد أن هذه النزعة قد اختفت اليوم، وعاد الكتاب والشعراء يعملون في هدوء لإخراج الآثار الأدبية الباقية. ومن زعماء الحركة الأخيرة مشش ودراجان، وهما اللذان جمع حولهما الشباب، لمكافحة النزعة الواقعية التي مازال يدافع عنها أساتذة جامعة بلغراد. وثمة حركة أخرى ربما كانت أكثر رسوخا وهي حركة (التعبير) التي يتزعمها فنافر، ثم مانيولفتش الذي ترك الشعر ليكتب القصة والقطع المسرحية. ومن أقطاب حركة التعبير أيضاً راستكو، وكريانسكي، وهو قصصي شاب يبشر بمستقبل عظيم، وله تلاميذ ومقلدون كثيرون؛ وملادنوفتش الذي أثار بعنف دراماته كثيراً من النقد وبجدا نوفتش الناقد الكبير
على أن هناك عدداً من الكتاب الذين استطاعوا أن يحتفظوا برزانتهم بعيداً عن التأثر بأزمة ما بعد الحرب؛ ولهؤلاء آثار تمتزج فيها النزعة الواقعية بالطابع الإبداعي. وهنالك صفوة من الكتاب والنقدة يجمعهم (نادي القلم) ويكونون ما يمكن أن يسمى (أرستوقراطية أدبية).
وقد تأثرت الحركة الأدبية بالأزمة الاقتصادية الأخيرة، وأحجم كثير من دور النشر عن إخراج المؤلفات الجديدة. بيد إنها أزمة مؤقتة لا يلبث أن يتغلب عليها الجيل الشاب بنشاطه وحيويته الفتاة.
عيد اللغة الألمانية
تحتفل الدوائر العلمية الأدبية في ألمانيا بمرور أربعمائة سنة على نشوء اللغة الألمانية الحديثة وترجمة الإنجيل إلى الألمانية. ولم تكن ألمانيا قبل أربعمائة عام تتمتع بلغة موحدة؛ وكانت اللغة اللاتينية ما تزال سائدة في الكنيسة والإدارات الحكومية، بل كان الشعب نفسه يجد في اللاتينية مثله الأعلى في الأدب والثقافة. ففي أوائل القرن السادس عشر ظهرت حركة الإصلاح الديني (البروتستانتية) على يد زعيمها مارتن لوتر، فكانت إيذاناً بقيام اللغة الألمانية الموحدة. وكان الشعب الألماني يتكلم عندئذ عدة لغات متقاربة ترجع كلها إلى أصل جرماني؛ فدرس لوتر هذه اللغات مع أصدقائه وتلامذته، واستخراج منها لغة عامة يتقارب الجميع في فهمها، واتخذ عمادها لغة ألمانيا الوسطى (سكسونية) التي ينتمي إليها، فأنشأ بذلك في الواقع لغة جديدة هي أصل اللغة الألمانية الحديثة، وكانت اكبر أداة في إذاعة هذه اللغة الموحدة ترجمة الإنجيل؛ ترجمه إليهالوتر، وعانى في هذه الترجمة صعابا لا تحصى. وقضى في إخراجها زهاء اثني عشر عاماً. وكان أثناء ذلك يلقي خطاباته ويخرج رسائله وكتبه باللغة الجديدة التي أختارها.
ولما ظهرت ترجمة الإنجيل الجديدة في سنة 1534 في فتمبرج، كان ظهورها ظفراً عظيماً في الكنيسة وفي الأسرة معاً، وكان فجر اللغة الألمانية الجديدة. وطبع إنجيل لوتر أربع عشرة مرة في كل مرة ثلاثة آلاف نسخة، وذاع في طول البلاد الألمانية وعرضها، وأقبل الشعب على قراءه وحفظه، وبدأت الشعوب الألمانية المختلفة تتبادل التفاهم والتعامل بالغة الموحدة. وإنجيل لوتر هو الأصل الأول الذي تقوم عليه اللغة الألمانية المعاصرة مع شيء من التغيير والتطور، ومازالت لغته مفهومة لجمهرة المثقفين والمتعلمين.
في الأكاديمية الفرنسية
نقص عدد الخالدين أعضاء الأكاديمية الفرنسية في هذا العام خمسة، فأصبحوا اليوم خمسة وثلاثين بدلاً من أربعين؛ فحلت مقاعد بريمون وكاميل جوليان والماريشال ليوتي ثم بارتو وبوانكارية بالوفاة تباعاً. ولم تشهد الأكاديمية الفرنسية منذ أمد بعيد مثل هذه الثغرة في كراسيها. والمعروف أن المرشح لكرسي جوليان هو جورج دوهامل، ولكن ينافسه ليون بيرار؛ وأما المرشح لكرسي بوانكارية فيقال انه سيكون مسيو دومرج الذي خلف مسيو بوانكارية في رياسة الجمهورية ثم في رياسة الحكومة
وكان انتظام بوانكارية في الأكاديمية في التاسع من ديسمبر سنة 1909 في الكرسي الذي خلا بوفاة أميل جبهار. واستقبله المؤرخ الكبير ارنست لافيس مدير الأكاديمية يومئذ بهذه الكلمات التي تعود فتتردد اليوم: (إن ذكاءك يجعلك على اتصال مع عمال الفكر جميعاً. فأنت ضوء من أضواء المحاماة، وأنت ضوء من أضواء البرلمان؛ وان الأكاديمية الفرنسية لتستقبلك باسطة الذراعين. ثم إن فيك قوة، وقد تغدو هائلة، يوم تعتقد أن السياسة تتطلب رجالها)