الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 696/رسالة النقد

مجلة الرسالة/العدد 696/رسالة النقد

مجلة الرسالة - العدد 696
رسالة النقد
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 04 - 11 - 1946


القافلة الضالة

تأليف الأستاذ محمود كامل المحامي

(منشورات دار الجامعة)

للأستاذ شاكر خُصْباك

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

ومن ثم تنتهي القصة! فبالله عليك أيها القارئ خبرني: أي شيء استنتجته من هذه القصة المملة؟! لاشك انك ستجيبني بـ (لا شئ)! إذاً ما قيمة تلك الحوادث التافهة ليصاغ منها قصة تستغرق ثماني عشرة صفحة؟! ثم ما علاقة تلك الخاتمة التي تنتهي بها القصة، واقصد بها زواج سنية من تاجر الجلود بحوادثها المتواترة الاخرى؟! كأنى بالمؤلف تورط في سوق الحوادث بغير حساب، ولم يدر كيف سينهيها، ثم عن له أخيراً أن يختمها على تلك الصورة الغريبة ففعل! وما هذه المصادفات العجيبة المسيطرة على جو القصة، والتي لا تحدث في الواقع إلا نادراً؟! فتلك الصدف تدفع ممدوح صادق مثلا أن يخبر سنية أنه سيبعث لها برسائل غرام، ولكنه يضرب عن هذا العمل، وتجعل من ممدوح أسعد محباً لسنية أيضاً حيث يبعث لها برسائل غرامه فتعتقد أنها من ممدوح صادق؟!!

أنظر إلى تلك المصادفات وأعجب، إذ يجعل منها قصاص قدير حوادث قصة منتزعة - على ادعائه - من صميم حياة مصر الاجتماعية!!

إن المصادفات في هذه القصة لتتوارد وكأن المؤلف قد أقحمها إقحاماً، بل كأن أبطال القصة شخصيات آلية يحركها المؤلف بدلا من أن تتحرك هي نفسها! وبهذا فقد فقدت القصة عنصراً مهماً من عناصرها الفنية هو عنصر إظهار حيوية الشخصيات!

وأخيراً، دعني أسألك يا عزيزي القارئ قبل أن أغادر هذه القصة: إن كنت قد ضحكت أم لا عندما أخبرتك في ملخصها أن الصبي ممدوح أسعد (الحلاق) الذي تخرج من صف الثالث الابتدائي أديب موهوب يكتب قصصاً وأزجالاً ينشرها في مجلات معروفة. ويكتب رسائل غرام تجعل من ممثلة تحتقر الأدب تقدس كاتبها غاية التقديس؟!

- 3 -

وقصة الكتاب الثالثة (تمثال يتحطم) قصة تحليلية ممتازة ولا أود التعرض لها بشئ، فليس فيها نقيصة، بل إن من واجبي إن أشركك يا صديقي القارئ بإعجابي بتحليلها النفسي الملذ الذي توفق فيه المؤلف أعظم التوفيق!

- 4 -

ولأنتقل الآن سريعاً إلى القصة الرابعة التي كانت بعنوان (المعلم حنفي). والواقع أن جو هذه القصة فاتر الفتور كله. ولعلك تتبين هذا من الملخص الذي سأسوقه لك الآن:

ف (رفيق حامد طالب في الجامعة، ولكنه لا يشبه رفاقه ممن اعتادوا في مثل هذا السن أن ينشئوا علاقات غرامية مع النساء، بل كان منصرفاً إلى قراءة المسرحيات الفرنسية ليكون في المستقبل كاتباً مسرحياً. وكان يتحاشى الاختلاط برفاقه الطلاب الآخرين حتى قيل عنه إنه متوحش. وقد اعتاد أن يتردد على مقهى (فينيكس) في شارع عماد الدين، فينتبذ مقعداً منعزلا - من جهة الزقاق الذي تجتمع فيه سيارات وعربات الأجرة - فأشيع عنه أنه يعتز بصداقة الحوذية والسواقين. ولكنه لم يهتم بكل تلك الإشاعات ومضى يطبق برنامجه حتى إنه كتب قصة بعنوان (المعلم حنفي) استوحاها من شخصية معلم من معلمي عربات النقل في (الجيوشي) إمعاناً في العناد.

ثم إنه نال ليسانس الآداب وتوظف في إحدى المدارس الثانوية فأبعدته مشاغله عن مقهى فينيكس وأقصته عن الجو الأدبي نوعاً ما.

وبدأ يسترد لونه الطبيعي - بعد أن كان (صفراوي) من كثرة الجهد الذي يبذله في المدرسة - ثم بدأ يعني بهندامه ويخيط ملابسه لدى خياط شهير. وتقدم خطوة أخرى في ميدان حياته الجديدة فاشترى سيارة.

ثم إن الأستاذ علي عبد السلام - ناظر مدرسته - دعاه ذات يوم بمناسبة عيد ميلاد ابنته سعاد وقدمه لها على أنه قصصي فسألته عن قصصه؛ وعندما اخبرها بقصة (المعلم حنفي) هزت كتفيها احتقاراً؛ وأشارت إلى أنها تفضل قراءة القصص الغرامية على قراءة قصة عن حوذي. فعاد إلى منزله وقد صمم أن يكتسب إعجاب ابنة رئيسه. وأعد هيكل مسرحية تدور حول حادثة حب عنيف. وبعد أسبوع (!!) تمت الرواية؛ ومثلتها إحدى الفرق التمثيلية فنجحت نجاحاً باهراً (!!) وتناقلت خبرها الصحف المصرية والأجنبية بإعجاب (!!).

وعاد رفيق في الليلة الأخيرة لتمثيل روايته إلى داره؛ ففوجئ بدقات التلفون؛ وإذا بفتاة تخبره أنها شاهدت تمثيل روايته أسبوعاً كاملاً وأنها معجبة به كل الإعجاب.

وتطور هذا الإعجاب من جهة الفتاة وجهته فأصبح حباً عنيفاً. وانطلقا يتواعدان على اللقاء باستمرار دون أن تعلم أسرة الفتاة بتلك العلاقة الغرامية. ولكن علاقتهما انكشفت ذات يوم لسائق سيارة الاسرة؛ فبينما كانت الفتاة تهبط من سيارة رفيق أمام منزل من المنازل وإذا بالسائق السوداني العجوز يبصرها. فثار لكرامة ابنة سيده، واعترض سيارة رفيق؛ ورفع يده ليهوي بها على راسه، ولكن رفيق دفعه دفعة ألقته على الأرض وأسرع بسيارته هارباً.

ووقف عند مقهى فينيكس فاختار مقعداً منفرداً وجلس يفكر بما صنع مع السائق العجوز وقد شعر بالندم يتسرب إلى نفسه. وفي أثناء ذلك اجتمع حوله السواقون والحوذية يسائلونه عن سر تلك الغيبة الطويلة. فرحب بهم ودعاهم إلى تناول أقداح الشاي

ولما عاد إلى منزله لبث ليلته ساهراً حتى الصباح وقد انهمك في كتابة قصة جديدة عن سائق عجوز لأسرة من الأسر كان أكثر وفاء لإبنة الأسرة وحرصاً عليها من أهلها.

ومنذ تلك الليلة فضل أن يستعيد لقبه القديم الذي عرف به فيما مضى على أن يقوم بعمل مشابه للعمل الذي قام به في تلك الليلة المشئومة!

وبهذا انتهت القصة. . .!! وبانتهائها تسنح لي الفرص لإبداء رايي فيها.

فأول نقطة لاحظتها عليها هو الفتور الذي صبغ به المؤلف جو القصة. يبدو هذا الفتور في حوادثها الاعتيادية المجردة من عنصر الحركة والنشاط. وفي ذات الوقت فهي تفتقر إلى عنصر مهم من عناصر القصة الفنية هو عنصر اللذة أو التشويق. إذ أن القارئ قد يترك هذه القصة في أي قسم منها دون أن يشعر بجاذبية تربطه بها كيما يتمها. تلك الجاذبية التي يخلقها عنصر اللذة أو التشويق في القصة الفنية.

والملاحظة الثانية هي أن الصورة التي انتهت بها القصة قد أقحمت إقحاماً. وإلا فما وجه الندم في دفع سائق عجوز وإلقائه على الأرض؟؟!! أهذا الحادث التافه يقلب حياة شاب رأساً على عقب؟!! أهذا الحادث البسيط يبدل أفكار رجل وآراءه ويوجهها وجهة جديدة؟!! اللهم هذه نفيسة شاذة ولا قياس على الشاذ. .!!

ولكن رويدك يا أستاذ. ما هذه الغلطة الفظيعة؟!! أيمكن لقصاص مبتدئ أن يكتب مسرحية في ظرف أسبوع وأن لا يطول مدى تفكيره في هيكلها أكثر من ساعة أو ساعتين؛ ثم تنجح نجاحاً باهراً؟!! إن هذا النجاح الذي لقيته تلك الرواية التي كتبت في أسبوع والتي تناقلت أخبارها المجلات والصحف المصرية بإعجاب ونقلتها عنها المجلات الأجنبية المحلية لا تلقاها إلا رواية كاتب كبير ذو مران طويل؛ لا كاتب ناشئ ليس له - حسب تحليلك - المقدرة القصصية.

ثم إن الرواية التي ترفع كاتبها إلى مرتبة كبار كتاب المسرح - على حد قولك - لا يفكر في هيكلها ساعة ولا تسجل في ظرف أسبوع يا أستاذ بل يحتاج إلى مدة طويلة ليعاد تهذيبها مرات ومرات.

ودع عنك كل ذلك، ولكن ما هذا التحليل السطحي يا سيدي؟!! إنه لا يفوق تحليل أقل كاتب ناشئ إطلاقاً. أين هذا التحليل - ولا أدري كيف أسميه (تحليلا)!! - من نفسيات شخوص قصتك (تمثال يتحطم)؟!! ولكن صبراً فهناك ما هو أدهى من ذلك وهي. . .

قصة (شبح اللقاء). إنها قصة مفككة الحوادث باردة الأسلوب عادية المعنى. ولا أغالي إن قلت إنها أتفه ما في الكتاب من قصص. وهي تتلخص فيما يلي:

ف (الأستاذ حمدي يحب فتاة اسمها راجية. وينافسه في حبها ابن عم لها اسمه سامي. إلا أن الفتاة لا تحب سامي بل حمدي على الرغم من أن أهلها يعارضون في ذلك الحب.

ثم إنهما اتفقا على الزواج، ولكن حمدي سافر إلى باريس لقضاء عطلته ولكي يمتع نفسه بمباهجها قبل أن يربط حياته بحياة راجية. وهناك تعرف براقصة فرنسية كانت قد اتفقت مع إحدى الملاهي في الإسكندرية على العمل فيه.

فلما أراد أن يعود إلى الوطن صحبته تلك الفرنسية. وعند عودته علم أن راجية قد عقدت خطبتها على ابن عمها سامي، فقرر أن ينتقم منها: وقد اغتنم ذات يوم فرصة وجودها في أحد المطاعم مع خطيبها فدخل إليه مصطحباً الراقصة الفرنسية معه. فتعشيا معاً، ثم انقضت فترة قصيرة وعزفت الموسيقى تدعو للرقص فأما راجية فقد أحجمت عن الرقص لئلا يتألم حمدي. وأما حمدي فقد نهض وتبعته الراقصة إلى حلقة الرقص ومضيا يرقصان. وكان هذا هو الانتقام الذي أعده لها (!!).

وفي صباح اليوم التالي تلقى حمدي من راجية رسالة تخبره فيها بانقطاع العلاقة بينهما إلى الأبد. . .) وبذا انتهت القصة. .!

أتمعنت في حوادثها الخطيرة يا عزيزي القارئ؟؟!! تلك هي الصورة المنتزعة من صميم المجتمع المصري. .!!

ولا حاجة بي أن أكرر الحديث عن ضعف أسلوبها وركاكته مرة أخرى. ولا حاجة بي أن أكرر الإشارة إلى حوادثها الاعتيادية - وأقصد بالاعتيادية تلك التي تصلح أن تكون مادة لقصة من القصص - وموضوعها التافه. والحق أنني أعجب لقاص شهير كالأستاذ محمود كامل المحامي أن يكتب أمثال هذه القصة. والواقع أننا يجب أن نطلق على مثل هذه القصص اسم (حكايات العجائز) لا اسم (قصص اجتماعية). وكان الأحرى بالمؤلف أن يطلق عليها ذلك الاسم كي لا يكلف نفسه مئونة نقد النقاد. فبالله عليك أيها القارئ خبرني أي فائدة جنيتها من مطالعة تلك القصص؟!! وأي عبرة اعتبرتها من قراءتها؟!! ومع ذلك فالمؤلف يفخر في مقدمة كتابه بأن قصصه هذه عبارة عن مجموعة صور اجتماعية انتزعت من صميم حياة مصر الاجتماعية

- 6 -

والقصة السادسة هي قصة (الجارة الراحلة). وهي قصة نفسية جيدة وإن كان فيها شيء من الاستخفاف بنفسية المرأة لا نصيب له من الواقع.

ولكنها على كل حال قصة فنية من طبقة قصة (تمثال يتحطم).

وأختتم نقدي لهذا الكتاب بالإشارة إلى ضعف لغته فهي إن لم تكن في الدرجة المتوسطة فأقل منها. وقد لاحظت أن المؤلف قد استعمل كلمات في غير موضعها أمثال كلمة (الحياكة) - في قصة (موسيقار الطريق) - بدل (الخياطة)، و (الحائك) - في قصة (المعلم حنفي) بدل (الخياط).

العراق - الحلة شاكر خصباك

رد على رد

للأستاذ كامل السيد شاهين

كتب الأستاذ العماري في عدد (الرسالة) (694) بعنوان (مع البلاغيين) رداً يزعم فيه:

1 - أن التشبيه الذي يقصد منه بيان حال المشبه تشبيه معتبر معدود، ويمثل له بقول العرب (أسود كحنك الغراب) وقولهم (أحمر كالدم القاني).

وتلك عثرة بطيئة الإقالة، فإن أغمار التلاميذ في المدارس الثانوية يميزون بسهولة بين التشبيه الذي يراد به بيان الحال، والآخر الذي يراد به بيان مقدار الحال، ولنسق عبارة عبد القاهر في هذا المقام لعل فيها مقنعاً للأستاذ الكبير. قال:

(قد يحتاج الوصف إلى بيان المقدار فيه، ووضع قياس من غيره يكشف عن حده ومبلغه في القوة والضعف والزيادة والنقصان، مثال ذلك قولهم هو أسود كحنك الغراب، فالقصد إلى التعريف بمقدار الشدة لا التعريف بنفس السواد على الإطلاق).

وأما الآية الكريمة (وجفانٍ كالجواب) فهي تدل على مقدار الاتساع لا اصل الاتساع، وذلك ما لا يصح أن يقع فيه جدل أو مماراة.

2 - انه لا يأخذ كلام المتقدمين قضايا مسلمة دائما ولكن هذا - يا سيدي - لا يتفق مع ما جئت به وسقته من كلام عبد القاهر في تحسين التشبيه بين البنفسجة وأوائل النار في أطراف الكبريت فما كان لك من حجة إلا هذا الكلام الذي ساقه، أفبعد أن تطعم على مائدتهم وتتوكأ مغمض العينين على عصاهم تزعم أنك لست كلاًّ عليهم؟

3 - أن بيت امرئ القيس:

كأن ثبيراً في عرانين وبله ... كبير أناس في بجادٍ مزمل

لا معنى وراءه، وليست هذه الدعوى بالتي يستمع لها، فإنه لما صور الجبل وقد أصابه الوَبْل بعث في نفس السامع الرهبة وأشاع شيئاً من البرودة التي يقتضيها المطر، فشبهه رجلاً مَهيباً مُزَمَّلا في بجادة فأصاب مل أراد من المعنى الذي أحاط به المشبه.

وأما قول طرفة: كأن حدوج المالكية غدوة ... بقايا سفين بالنواصف من دد

فإن الحدوج حينئذ لها اعتبار خاص فهي ليست ملقاة في الفناء أو خارج الخيمة، ولكنها متأهبة للرحلة مشدودة على البعران، مهيأة للسفر، فمن ثم أصاب القصد فيما تصيبه العين من بقايا السفين المقلعة بعد أن أبعدت عن مرساها، وفيه إبراز للإشفاق والحنين والتخوف من الوحشة، وذلك لا يدركه إلا قلب شاعر!

4 - أنني أخطأت في تعريف البلاغة ونقصتها قيدا، وأنه كان ينقد في البيان فلا يحتج عليه بتعريف المعاني.

أما القيد الذي ذكره فقد تركته لأنه ليس محط الإجابة، واقتصرت على ما به أداء الغرض حتى لا يضل عن القصد فتكثر شطحاته.

وأما أنه يتكلم في البيان فلا يحتج عليه بتعريف المعاني فهذا ما كنت اجل الأستاذ عن أن يقع فيه، وكأنه يريد بذلك أن من التراكيب تراكيب ينظر إليها علم المعاني وأخرى ينظر إليها علم البيان، فتركيب القصر، والإنشاء مثلا لا ينظر إليهما من ناحية أنهما استعارة أو كناية، و (مكر الليل والنهار) لا ينظر إليهما على أنهما إيجاز أو إطناب. إن كل جملة - يا سيدي - خاضعة للنظرين فلا تقل بعد اليوم: إن هذا التركيب خاص بعلم البيان، وذاك خاص بعلم المعاني. فهذا عن الصواب بمنأى.

5 - أن حسد جرير لابن الرقاع إنما كان لروعة التشبيه ولكن قول جرير (ما عساه يقول وهو أعرابي جلف جاف) مما يفيد أنه إنما حسده لاستطاعته وهو بدوي جلف أن يصل إلى تشبيه مدني حاضر. فلا تزال شجاً مؤلماً وغصة مانعة من إساغة تأويل الأستاذ.

كامل السيد شاهين

المدرس بالمدارس الأميرية