الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 696/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 696/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 696
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 04 - 11 - 1946


طه الراوي:

كنت منذ ساعتين من احتفال للجامعة العربية فلقيت صاحب الفخامة السيد جميل المدفعي فوقفت معه أحدثه، ورأيت أن نتحدث عن العراق. فبدأت بأحب الذكريات إلى نفسي، وأقربها إلى قلبي. فقلت: كيف السيد طه الراوي؟ فأجاب بصوت لا أكاد أسمعه: (لا أقدر على أن أخبرك خبره) وأشار إشارة لم أتبينها. فحسبت أنه يعني ما عرفت من قبل من ضعف بصر الأستاذ الراوي. فقلت: قد لقيته في القدس منذ ثلاث سنوات وفي دمشق منذ سنتين، وكان يشكو ضعف بصره. ولكن كيف هو؟

فقال السيد جميل والأسى يملك عليه صوته: قد مات. وسكتّ وسكت.

وا أسفا! وا حسرتا على الصديق الحميم، السيد النبيل، العالم الجليل، الأديب المتبحر. وا حسرتا للخلق الكريم، والنفس الزكية، المحبَّبة إلى كل من عرفها، والقريبة إلى كل من سمع عنها.

والله ما ذكر في مجلس من معارفه إلا اجتمعت القلوب على حبه، والألسن على مدحه، وما ذكرته عند من يعرفه في مصر والشام بل العراق إلا كان الجواب ثناء عليه، وإعجاباً بعلمه وأدبه، وإكباراً لخلقه.

عرفت الأستاذ الكريم - أوسع الله له في رحمته، وأجزل لآله وإخوانه وتلاميذه الصبر والعزاء - منذ عشر سنين ولقيته في بغداد، والقاهرة، والقدس، وفي مدائن من سورية ولبنان، وراسلته على البعد، وجالسته طويلا، وتحادثنا في العلم والأدب والسياسة والاجتماع والأخلاق وفي أمور شتى. فما عرفته إلا ذكياً عالماً أديباً فاضلا، لا يتكلم في موضوع إلا أفاض فيه إفاضة المحيط بأطرافه، المتمكن منه، المتثبت فيه، وكم قلت في حضوره وغيبته اعترافاً بالحق: (ما يجلس أحد إلى الأستاذ طه إلا استفاد من فلسفته) وأشهد أني ما حضرت مجلساً له في داره أو غير داره؛ إلا فرحت بمجلسه، وأنست به، وأصخت إلى حديثه وهو يصرف الكلام في شجونه، وينقل الحديث في معارفه الواسعة، وتجاربه الجمة.

وكنت أصغى إليه، واعجب به فيما أوافقه فيه وما أخالفه. وندر أن خالفته، وما اذكر أن جادلته أو ماريته قط. بل كنا نلتقي التقاء صديقين تقاربت قلوبهما وعقولهما، ومعارفهما، وعواطفهما، وآراؤهما.

وما لقيته أو كتبت إليه، أو حملت أحداً إليه رسالة، أو بلغت عنه قولا أو خبراً إلا فرحت وهششت، والتمست السرور في ذكراه، وحاولت أن أسره بكلمة من الجد أو المزاح يسمعها أو يبلغها.

وقل أن صادفت أحداً فوثقت به، وسكنت إليه، وأنست به حاضراً، وبذكره غائباً كالصديق الكريم العزيز المفتقد السيد طه الراوي.

وقد أردت هذا العام أن أحقق مقصد الجامعة العربية في تزاور الأساتذة في البلاد العربية، وفكرت في أن أدعو بعض أدباء العراق والشام لزيارة جامعتنا، والمحاضرة فيها. فكان الأستاذ الراوي أول من ذكرته وأول من ذكره لي من استشرته في الشام ومصر.

وما قدرت أن الموت يسبقنا إليه، ويستأثر به، ويحرمنا منه ويصيبنا فيه.

أي خسارة للأدب! وأي رزء للاخوة، وأية حسرة للصداقة. وأي مصيبة للخلق الكريم.

أي نعي فادح، ونبأ قاصم نعي السيد الراوي إلى أصدقائه وإخوانه وتلاميذه ومعارفه.

يا صديقي العزيز لك رحمة الله، وإخوانك اللوعة والحسرة، والأسى والحنين والافتقاد والبكاء عليك؛ ثم لهم الصبر والتأسي.

يا صديقي النبيل! هذه كلمة يدفعها الحزن ويصدها، ويمدها الأسى ويقبضها، وتطيلها اللوعة وتقصرها. ففي النفس معان تستعصي على اللفظ، وعلى اللسان ألفاظ ينوء بها القلم، وفي القلم اضطراب لا يقره واقفاً، ولا يتركه سائراً، فليجف المداد، ولتسل الدموع يا صديقي.

وقفت الحيرة بقلمي هنا. فرحمك الله. رحمك الله.

عبد الوهاب عزام

حماتي تحبني:

سالت (الاثنان) الغراء الأديب الكبير الأستاذ أحمد رامي الشاعر الناثر المشهور عن هذا المثل (حماتي تحبني)، وقد روته تلك الصحيفة (حماتك تحبك) فأملي على الأستاذ أدبه المستنبط في اصله ومعناه ما أملاه، وفي الجواب تفنن وبراعة، وقد يضيف سهم الرامي. والذي نراه أن اصل المثل لا يدريه إلا أهل القرن الذي نجم فيه، وهو القرن السابع حسب المظن. وأما معناه فقد أظهره العلامة الخفاجي في كتاب (شفاء الغليل) قال:

(حماتي تحبني) هو من أمثال العامة، يقوله من صادف نعمة لم تكن على خاطره، قال ابن نباته مورياً:

كلما عجت في حما ... ة على خير موطن

أجد الأكل والندى ... فحماتي تحبني

قلت: صاحب هذين البيتين هو (المصري) لا (السعدي) معاصر (المتنبي) ونون نباته عند ناسي الشاعر إلى جده القديم (عبد الرحمن بن نباته) صاحب الخطب المشهورة - مضمونة، أو الضم في هذا العلم أكثر واثبت كما قال (المجد) وعند ناسي (جمال الدين) إلى ما ذكره شيخ صاحب (التاج) مفتوحة، وهذا قوله كما روى شارح (القاموس):

قال شيخنا: وأما الجمال محمد بن نباته المصري الشاعر فانه بالفتح كما جزم به أئمة من شيوخنا لأنه كان يورى في شعره بالقطر النباتي، يعمل منه قطع كالبلور شديد البياض والصقالة، والظاهر انه فارسي حادث، وكان أولى بالمضيف - يعني صاحب القاموس - أن ينبه عليه ولكنه أغفله.

قلت: الضم خير مع حلاوة هذا القول. . .

السهمي

طيرتاناذ:

نقل الأستاذ شكري محمود أحمد في العدد 682 من (الرسالة) النيرة تعليقاً على نقل الباحث الفهامة محمد إسعاف النشاشيبي المنشورة في العدد 678 من (الرسالة) الغراء: أن الخبر المنسوب إلى محمد بن مسروق في هذه النقل النشاشيبية هو من أخبار الحسن بن هاني، كما رواه ابن منظور في الصفحة 302، 203 وان الاسم في البيت الأول هو (طيزناباذ) وليس (بطور سيناء) ثم نقل في الحاشية عن كتاب مسالك الأبصار. أن هذا الاسم: (هو موضع بين الكوفة والقادسية على حافة الطريق على جادة الحاج الخ) والذي أروم عرضه على الأستاذ - وعلى غيره من جهابذة (الرسالة) - هو رواية ثالثة لهذا الاسم تختلف عن (طور سينا) و (طيزناباذ). . . فقد ذكر أحمد بن محمد بن عبد ربه صاحب العقد الفريد المتوفى 328هـ في الجزء الرابع من عقده الثمين (الطبعة الأولى 1913 المطبعة الأزهرية بالقاهرة) - عند كلامه على ضروب العروض شعرا - ذكر أبياتاً ذالية، يظهر من فحواها أن هذا الاسم يدعى (طيرتاناذ) - بالراء المهملة والتاء المثناة بعدها الألف ثم النون يليها الألف أيضا - وانه محلة من محلات اللهو والشرب والأنس، انظر قوله:

أذكرتني طيرتاناذ ... فقرى الكرخ ببغداد

قهوة ليست ببارقة ... لا ولاتبع ولا ذاذى

أفيكون أن (طيرتاناذ) هذه هي محلة من محلات بغداد أم هي طور سيناء ابن مسروق أو طيزناباذ ابن منظور؟ ولكن حروف المطابع حولتها من طيرناباذ - إلى طيزناباذ - إلى طور سينا؟ كما حولت غيرها من الأسماء والألفاظ والمحلات والكلمات؛ فعملت بها تصحيفاً وتحريفاً وغيرت مواضع الحروف تأخيراً وتقديماً.

وإني لأرى في لفظ الاسم على روية ابن منظور وصاحب مسالك الأبصار بعض النبو والسماجة، وان الصحيح هو صاحبنا ابن عبد ربه، وخصوصا في لفظ المقطع الأول، ولو إنها كانت في عصر ابن هاني، ذلك العصر الذي لاءم بين عفاف العرب، وحشمة الإسلام من جهة، وخلاعة الترك ومجون الفرس من الجهة الثانية؛ وان هذا الاختلاط لا بد وان يكون مدعاة لكل بدعة غي السلوك الأخلاقي ولو بالأسماء والكنى. فأرجو من الأستاذ - وغيره من أدباء العصر أن لا يظنوا علينا بطرائفهم الأدبية وأخبار مصادرهم العلمية في تحقيق أمثال هذه الأسماء، وتعيين مواضعها - وله منى اجمل الثناء، وافضل التحيات.

(العراق - القرنة)

حسين السيد جمعة الجابري

في الأدب التحليلي:

في صيف سنة 1921م خرج جبران خليل جبران ونسيب عريضة وميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد، وهم من أدباء المهرج المشهورين كي يتمتعوا بمناظر الطبيعة والخلاء في مزرعة (كاهونزي) بأمريكا، ولما دنا المساء وغابت الشمس، اخذوا يسيرون الهويني على الطريق العامة، وهم في حديث متواصل، وبينما هم كذلك إذ خطر لميخائيل نعيمة هذا البيت:

أسمعيني سكينة الليل لحناً ... من نشيد السكينة الأبدية

فألقاه على مسامع رفاقه الثلاثة، فوقع من نفسهم موقعاً حسناً، وجعل كل واحد يتبعه ببيت أو بنصف بيت، والأخر يزيد على ما قال سابقه، حتى نتج عن ذلك الأبيات التالية:

أسمعيني سكينة الليل لحناً ... من نشيد السكينة الأبدية

وافتحي يا نجوم عينيْ علَّى ... أن أرى بينك الطريق الخفيه

واجعلي يا رياح منك بساطاً ... واحمليني إلى الرياض العليه

واخطفي يا نسائم الليل روحي ... وخذيها مني إليك هديه

ودعيني هناك أسرح حراً ... إنما العبد يشتهي الحريه

طال سجني وطال في الأسر يأسي ... واحتمالي لحالتي البشريه

أنا مالي وللورى، فارفعيني ... ودعيهم في بؤسهم والرزيه

ملّ قلبي بغضاءهم وهواهم ... ملّ قلبي سبابهم والتحيه

ولساني قد صار يخشى لساني ... وجناني أضحى علىّ بليه

وفراشي شوكا، ونومي ارتعاشاً ... ويقيني شكا، وبرى خطيه

وشرابي تعللا وأواما ... وطعامي مجاعة روحيه

ولباسي رماد فكري تذريه ... رياح تثيرها الأمنيه

تلك حالي. حرب عوان، فإن ... أظفر فنفسي قتيلة أو سبية!

والقصيدة على صغرها زاخرة بالمعاني حافلة بالآراء الفلسفية والفكرية. وإنا لنتسأل: أتصور هذه القصيدة نفسية واحدة، وتنبئ عن ذهن فرد من أفراد منشئيها، فنقول إن أفكار ذلك الفرد كانت ساعة الإنشاء للقصيدة وقوية وذهنه متوقداً، فاستطاع أن يفرض شخصية وطريقة تفكيره على زملائه، فقلدوه وتابعوه في هذه الساعة، أم أن الرفاق الأربعة وهم من مشهوري الأدباء قد اتفقت أراءهم وأحاسيسهم، فهم كالشخص الواحد , كما يحدث كثيراً في مثل هذه اللحظات التي يتجرد فيها الإنسان من أثقال الحياة ويتعبد في محاريب الطبيعة والجمال الإلهي الخالد، فالقصيدة حينئذ تعبر في مجموعها عن رأيهم جميعاً؛ أم أن القصيدة ليست ذات وحدة مطردة وطابع خاص شامل؛ بل إن فيها أشتاتاً من الآراء والأفكار، ولكل واحد من الرفاق بعض هذه الأفكار؛ وفي استطاعة أدباء التحليل ودراسة الشخصيات والآثار الأدبية أن يعرفوا بوسائلهم الفنية أن هذا البيت لهذا الرفيق، وذاك لذاك، وذلك لذلك، وهكذا؟!. . .

لا يستطيع أن يتحدث بجدارة في هذا المجال إلا من درس هذه الشخصيات الأربع المشورة، ووقف على آثرها الفكرية وقفة الدارس البصير؛ وأظن لو أن أحد هؤلاء الخبراء قام بتحليل هذه القصيدة وتشريحها وذكر مجهود كل من الأشخاص الأربعة فيها، مستعيناً في ذلك بأصول البحث الأدبي المشهورة، وإيراد الدلائل الكافية لنعمنا بطرفة تحليلية رائعة!. . .

أحمد الشرباصي

رجاء وشكوى:

مما يلاحظ - مع الأسف الشديد - أن بعض الأساتذة الكتاب يبدأن في نشر مقالات ممتعة ذات فصول، ثم يتركون الموضوع بدون أن يتم بعد كتابة فصل أو أكثر، وإنا لنذكر بعض هؤلاء رجاء أن يتداركوا الأمر ويعملوا أن من حق القارئ أن يقرا الموضوع كاملا. . . فمنهم الأستاذ فخري قسطندي في مقاله (حول الاتباعية والابتداعية) آخر ما نشر منه العدد 689 والأستاذ محمد رجب البيومي في مقاله (من أخلاق البحتري) كتب البحث الأول في العدد 690 ثم انقطع البحث بعد ذلك. والأستاذ محمد سليم الرشدان في مقالة (الأدب في فلسطين) آخر ما كتب منه في العدد 689.

وبرغم أن هذا العدد رقم 696 - اي أن حوالي شهر ونصف أو يزيد قد مضى على بعض المقالات ولم تتم بعد فصولها.

وإنا لنرجو من أصحاب هذه المقالات مراعاة حق القراء وإتمام فصولهم بدون مباعدة بينها

(المنصورة) ليلى عبد السلام

المدرسة