مجلة الرسالة/العدد 69/البريد الأدبي
→ العلوم | مجلة الرسالة - العدد 69 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 29 - 10 - 1934 |
في دار لجنة التأليف والترجمة والنشر
في مساء الخميس الماضي أقامت لجنة التأليف والترجمة والنشر في دارها مأدبة عشاء شرقية فخمة احتفالاً بمرور عشرين عاماً على إنشائها دعت إليها أعضاءها وأصدقاءها وصفوة من وجوه الأمة ورجال الصحافة، فتوافوا إليها في الساعة الثامنة، ثم تحلقوا حول الموائد الكريمة الشهية يتجاذبون ذكريات المودة ويتساقطون أعذب الأحاديث، ويتمتعون بشعور الرضا عن اطراد النجاح لهذا العمل النافع المخلص. فلما فرغوا من الطعام وقف صديقنا الأستاذ أحمد أمين رئيس اللجنة، فألقى كلمة قيمة شكر فيها الحاضرين وألم بتاريخ اللجنة وأطوارها إلمامه وافية واضحة سننشرها في العدد القادم، ثم عاد القوم إلى السمر بعد أن وقفوا على سر هذا المجهود الموفق، وأدركوا أن بقاءه ونماءه إنما يرجعان إلى تجانس الميول فيه، وإخلاص النية له، ونبالة القصد منه، وقوة الإيمان به. وكانت فرقة هاوية من أعضاء نادي الموسيقى تفصل بين الأحاديث الحين بعد الحين بألحانها الساحرة، فأضافت إلى جلال العلم، وجمال الأخوة، بهجة الفن ونشوة الطرب؛ ثم انقضى السمر بانقضاء الهزيع الأول من الليل، وانصرف القوم مبتهجين بجمال الحفلة، مغتبطين بنجاح اللجنة، مثنين على جهود الأعضاء.
أزمة المسرح
يجوز المسرح اليوم أزمة حقيقية، وينظر المتشائمون إلى مستقبله في كثير من الجزع. وقد عقد أخيراً في رومه مؤتمر دولي برعاية الأكاديمية الإيطالية لينظر في شؤون المسرح والدولة، وشهده جمع كبير من أقطاب الكتاب المسرحين في مختلف البلدان. وخطب السنيور لويجي بيراند للو المندوب الإيطالي، فنوه بأهمية المسرح في تنظيم الحياة الاجتماعية، وقال بأنه الأعراب الأسمى للفن، وإنه يستطيع وحده أن يثبت الظواهر الخالدة لعصر من العصور. وتحدث الكاتب المسرحي الأشهر موريس ميترلنك عن أزمة المسرح فأنكر خطورتها، وقال بأن المسرح يشبه طفلاً مريضاً منذ مولده، وقد لا يصل إلى اكتمال صحته قبل مرور ألفي عام، أي بعد أن يكون قد استنفد كل أمراضه، وكل آلام نموه. وإذن فأن الحمى التي يجتازها المسرح اليوم ليست إلا مظهراً من مظاهر هذا التطور الطو الأمد. ثم أن هذا العارض يرجع في الغالب إلى عوامل خارجية لا علاقة لها بالمسرح ذاته.
وقد عنى المؤتمر عناية خاصة بشؤون المسرح الدرامي، وبحث عدداً من مسائله الهامة، مثل ظروف المسرح الدرامي الحالية وعلاقتها بظروف المناظر المسرحية الأخرى، وخصوصا السينما، وهندسة المسرح، والمسارح العامة والخاصة، وفن المناظر والزخرف، وأثر المناظر المسرحية في أخلاق الشعوب، وعلاقة المسرح بالدولة، وغيرها. وقد أثارت هذه المسألة الأخيرة في المؤتمر كثيراً من الجدل، لأن جميع الدول الأوربية تحاول اليوم أن تضع لها سياسة خاصة للمسرح، وتحاول أن تجعل منه أداة تعبر عن المثل القومية العليا. ومنها من تحاول بواسطة المسرح إحياء التقاليد القديمة، ومزج الأساليب الحديثة بأساطير الماضي. وقد بذلت بالفعل جهود لتحقيق هذه الغاية بصورة عملية، فأسست معاهد للثقافة المسرحية، ولا سيما في روسيا والنمسا. وفي ألمانيا يغدو المسرح أداة حكومية. وفي هذه الوصاية التي تحاول الحكومات أن تفرضها على المسرح خطر على استقلال الفن يجب اتقاؤه
وتثير المسألة المسرحية اليوم كثيراً من الجدل، ويذهب بعض المتشائمين إلى القول بأن المسرح يحتضر. ولكن كثيراً من أقطاب المسرح يرون مثل موريس ميترلنك في هذا التصوير مبالغة كبيرة. وقد قرأنا أخيراً في جريدة (الفيجارو) مقالاً بديعاً للكاتب المسرحي الكبير هنري برنشتين، يقول فيه إن أزمة المسرح نغمة قديمة ترجع إلى عهد ارستوفان ذاته، وإنها ما زالت تتجدد خلال العصور المختلفة؛ وفي رأيه أن أزمة المسرح اليوم محلية ترجع أولاً إلى أسباب اقتصادية، أساسها شدة التنافس في بناء المسارح منذ الحرب، وضغط الحكومة على المسرح، وإرهاقه بالضرائب الفادحة، وثانياً إلى ندرة الموهبة الدرامية، وصعوبة العمل الدرامي
وهل نحن في حاجة إلى أن نذكر أن صدى هذه الأزمة المسرحية يتردد في مصر منذ حين، وأنها تفاقمت حتى غدت خطراً حقيقياً على المسرح المصري، بل لا نبالغ إذا قلنا أن المسرح المصري لا وجود له الآن
إحياء الأقصوصة الطويلة (الحكاية) كتب الكاتب الكبير بول موران فصلاً ممتعاً عن الحكاية فلاحظ أنها تمزج بالقصة وحمل على القائلين بأن الأقصوصة الطويلة إنما هي قصة من النوع الطويل، ولكنها أقل منها حجماً. ويرى بول موران أن هناك فرقاً جوهرياً بين النوعين، فالأقصوصة الطويلة صغيرة الحجم حقاً، ولكنها تخالف القصة من حيث الجوهر؛ ذلك أن القصة العادية لا يحدها حجم، وقد تطول أو تقصر فلا يغير ذلك شيئاً من موضوعها، ولكن حجم الأقصوصة الطويلة يفرضه موضوعها ذاته. وفي وسعك أن تترك الكتابة في القصة إلى حين ثم تستأنفها دون حرج، ولكن الأقصوصة إذا تركت على هذا النحو تصدع بناؤها
ويجب ألا تمزج الأقصوصة بالتصوير الموجز وقيمتها قبل كل شئ في نوعها، فهي عمل معتنى به وليست عملاً سهلاً سريعاً؛ أما قيمة القصة فهي ما تخلعه عليها مواهب كاتبها، وتخضع الأقصوصة لقوانينها الخاصة، وهي لم تتغير منذ عهد الأحياء. وموضوعها دائماً هو أن تعزل شخصية أو عملاً، وأن تجرده من ملحقاته، وأن تخرجه من الحياة. أما القصة العادية (الطويلة) فتحملنا إلى أفق خلقي محض، ولهذا كان الإنكليزي قصصياً (روائياً) مجيداً، أما الفرنسي فأنه لبراعته في التحليل يجيد كتابة الأقصوصة.
وقد تستطيع أن تكتب قصة طويلة دون التزام الذوق الحسن، أو دون موهبة وعبقرية، ولكن الأقصوصة الحسنة لا يمكن أن تكتب إلا طبقاً لأصول الفن؛ فللكاتب الذي له مواهب فنية لا يستطيع مطلقاً أن يكتب أقصوصة ذات شأن.
بين الدوتشي وجبرائيل دانونزيو
يقيم دانونزيو شاعر إيطاليا الأكبر منذ أعوام في قصره في (فتوريالي) على مقربة من بحيرة لوجانو، وقد ذاعت في العهد الأخير إشاعات كثيرة عن علائقه مع زعيم إيطاليا السنيور موسوليني، حتى قيل بأن الشاعر معتقل في قصره في الواقع وأنه لا يسمح له بالانتقال منه أو استقبال أحد فيه إلا بإذن خاص، ولكن الظاهر أن هذه الإشاعات حديث خرافة، وأن الصداقة التي توثقت بين بطل فيومي (دانونزيو) والدوتشي (موسوليني) لم تزعزها الحوادث. وقد زار السنيور موسوليني أخيراً صديقه الشاعر الكبير في قصره في فتوريالي زيارة خاصة مجردة عن كل صبغة رسمية، واستقبله دانونزيو بغبطة وحماسة، وتعانق الرجلان عند اللقاء، وصاح دانونزيو بصديقه. (ها قد أتيت أخيراً)، وكانت آخر مرة زار فيها موسوليني صديقه، منذ عامين حينما كان يزور تورنيو وميلانو محتفلاً بذكرى الثورة الفاشستية. وقد وفد موسوليني على الشاعر عند الغروب وتناول معه العشاء، واستمر معه حتى منتصف الليل؛ ثم ودعه مرتحلا إلى مدينة كريمونا التي أعلن منها الزحف على رومه سنة 1922، وكانت مهد الثورة الفاشستية.
مدام جولييت آدم
بلغت مدام جولييت آدم الكاتبة الفرنسية الشهيرة عامها الثامن والتسعين في هذا الشهر، ومدام جولييت من أعظم كاتبات فرنسا المعاصرات، ولدت سنة 1836، وعاصرت أقطاب الأدب الفرنسي في عصر الجمهورية الثانية والإمبراطورية مثل هوجو، ولامارتين، وبلزاك، والفرددي فيني، وموسيه، وجورج ساند، وكوبيه، وموباسان، وذاعت شهرتها منذ سنة 1860؛ وكانت تتمتع من جراء جمالها الباهر، ومواهبها الأدبية الممتازة في المجتمع الفرنسي الرفيع بنفوذ عظيم، وظهرت لأول مرة بروايتها الشهيرة (قريتي) ثم كتبت من بعدها عدة قصص وكتب نقدية؛ وأنشأت (المجلة الجديدة) سنة 1877 فلقيت نجاحاً عظيماً وظهرت بمواهبها الصحفية. وتعيش مدام جولييت آدم منذ نحو خمسين عاماً في أحد الأديرة التاريخية، في قرية (جييف سير فييت)، وما زالت تستقبل هنالك كل يوم أحد كثيراً من أصدقائها العظماء، وما زالت على رغم تقدم سنها تعني بالشؤون السياسية والأدبية عناية كبيرة.
وقد كان زعيم الوطنية المصرية المغفور له مصطفى كامل باشا على اتصال بمدام جولييت آدم؛ وكانت بينهما رسائل منظمة، يبدو فيها عطف الكاتبة الشهيرة على القضية المصرية، ونشرت ترجمة بعض هذه الرسائل في ترجمة المرحوم مصطفى كامل