مجلة الرسالة/العدد 689/البريد الأدبي
→ من الأدب العربي: | مجلة الرسالة - العدد 689 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 16 - 09 - 1946 |
إلى الأستاذ على العماري
إنه لا يزال في الناس يا سيدي من يتهم المشايخ بالغلاظة والثقالة، ولا يزال في المشايخ من يقدم للناس أدلة هذا الاتهام مع أن العلماء كانوا هم أهل الظرف، وكانوا بُرَاء من هذه الصفات التي ينكرها الناس على (علمائنا) والتي جعلوا لها من إنكارهم إياها اسما عَلَما عليها هو (المشيخة. . .) وما يريدون بها إلا الغلاظة، كأن الرجل لا يكون شيخاً عالما إلا بهذا الوقار البارد وهذا التزمت الفاسد، وهذا الجد الكاذب، والسبحة الطويلة والنصائح المتكلفة المكررة المملولة، والأمر بالمعروف بغير الأسلوب المعروف، والنهي عن المنكر بالطريق المنكر، وإقامة القيامة على (الضعيف. . .) يحلق لحيته، أو يحرق دخينته، أو يؤم المساء في غير محرم قهوته، ويسكتون عن منكرات الحكام، وضلالات الأحكام. . .
لذلك شكرت لك ما كتبت عن ظرف الفقهاء، وما دفعت عنا (معشر
المشايخ) من هذه التهمة (غير) الباطلة، وجمعتُ طائفة صالحة من
الأخبار المتفرقة في كتب السيرة والتراجم، وأسفار المحاضرات
والأدب، من ظرف العلماء من لدن سيد العالمين وإمام العالمين محمد
صلة الله عليه إلى العصور المتأخرة لأهديها إليك ثم وجدت كتابين في
هذا الباب:
كتاب (الظراف والمتاجنين) لابن الجوزي وهو في (106) صفحات وقد كان طبعه في دمشق الأستاذ حسام الدين القدسي منذ ثمان عشرة سنة وكان شرفني بكتابه مقدمة له، هي من أوائل ما كتبت.
وكتاب (المراح في المزاح) للبدر الغزى، وهو أجمع لأخبار هذا الباب، وقد طبعه في دمشق الأستاذ الأديب أحمد عبيد.
وبعد، فلعلك يا سيدي تكتب أنت الفصل الجامع في (ظرف الفقهاء).
قرأت ما كتبت يا سيدي في العدد (687) فقل لي سألتك بالله، أأنت تجد أم تهزل؟ وهل تنقل هذا الهذيان عن أستاذ في الجامعة أم عن حشاش في القهوة؟ وهل هذه هي دروس الجامعة التي نرسل أبناءنا إليها ليغترفوا من علوم أساتذتها ما يعودون به معلمين في مدارسنا؟ وهل هذا هو دين التجديد الذي بعث به نبي البلاغة في آخر الزمان؟ وإذا نحن احتملنا الركاكة والعجز أفنحتمل الكفر من هذا الشيخ الذي يقرر أن الله قال لمحمد (يا أخي أنت حارق نفسك ليه)؟ لقد عرفنا من جعل لله صاحبة وولدا ولكنا لم نعرف قبل اليوم من جعل لله أخاً، أفلا يرضى الشيخ إلا أن يكون مجدداً في الشرك بالله - تعالى الله عما يقول المشركون علوا كبيراً؟ ولا يعجبه إلا أن يفتح له إلى جهنم باب خاص؟
وماذا يقول صديقنا العميد الدكتور عزام وهو العالم البليغ المؤمن بهذا الجهل والعي والكفر؟
أما أنا فأقول: أعيدوا أولادنا إلى باريس ليتعلموا فيها العربية كما كانوا، فأن الجهل الذي يعودون به من باريس، أهون من الكفر الذي يرجعون به من الشيخ أمين الخولي.
علي الطنطاوي
رأي في مجلة الأزهر
نرى الآن، كما يرى المعنيون بالأزهر وإصلاحه، بوادر نهضة توحي بها رياسته الجديدة وترعاها في ثقة وهدوء وبعد عن الإعلان والادعاء. كما هي سجية المصلح المؤمن لفكرته والذي هو من الوقت نفسه لا يتخذ من عمله وسيلة لمجده الشخصي.
و (مجلة الأزهر) ناحية من نواحي النشاط الأزهري الذي شملته بوادر هذا الإصلاح الجديد، فقد عرف أن نظاما جديداً وضع لإخراج هذه المجلة وأن لجنة يرأسها فضيلة الأستاذ الأكبر قد أقرت لائحة جديدة لها وأن هذه اللائحة تضمنت النص على أغراض المجلة وما يراد من إصدارها وكيف يمكن أن تكون حاملة لرسالة الأزهر والتعبير عنها أكمل تعبير، وأن تشمل الاتجاهات الثقافية والإصلاحية للجامع الأزهر.
ونحن نرى أن مجلة الأزهر يجب أن يكون لها هدفان: -
الأول إبراز وتصوير نواحي النشاط المختلفة وصلاته بالحياة العامة في مصر والخارج وما يقوم به من المساهمة في النشاط العلمي والثقافي والروحي، وهذه النواحي الثلاث تشمل كما نعلم مصر والشرق العربي وسائر البلاد الإسلامية وكثيراً من بلاد العالم الأخرى.
لذلك نعتقد أنه من الواجب أن ينشأ في المجلة قسم خاص بشؤون البلاد الإسلامية يترجم أو ينقل عن صحف هذه البلاد وينشر الجيد مما يكتبه أعضاء البعوث الإسلامية في الأزهر عن بلادهم والاتجاهات الإصلاحية فيها، ويكون له توجيه إيحائي إصلاحي يشعر بما للأزهر من حق التوجيه وما عليه من واجب الرعاية لكل ما فيه خير هذه البلاد الإسلامية كلها.
وفي السنوات العشر الأخيرة أرسل الأزهر طائفة من بعوثه، بعضها إلى الهند لدعوة المنبوذين وبعضها إلى الحبشة وإلى الصين، وبعضها إلى مؤتمرات علمية ودينية في كثير من بلاد الشرق والغرب. وللأزهر مبعوثون في كثير من بلاد الشرق العربي وأفريقيا وله معهد في لندن وبعوث في جامعات إنجلترا وفرنسا.
وهذه البعوث والمعاهد كلها وما قامت وتقوم به من عمل وما وضعته من تقارير، وهؤلاء المبعوثون ما قاموا وما يقومون به من دراسات وأعمال كان ولا يزال من الممكن أن نجد في مجلة الأزهر عن أعمالها وبأقلام رجالها البحوث الجيدة المفيدة الدالة على نشاط الأزهر وحيويته ومشاركته في بعض مشاكل العالم الفكرية الكبرى وقيامه على إفادة المسلمين والراغبين في هداية الإسلام وثقافته في كثير من بقاع الأرض.
وبين الأزهر وكثير من الجامعات والهيئات الدينية والعلمية المختلفة كثير من المراسلات في شؤون لها من الأهمية ومن العموم والاتصال بشؤون المسلمين وغيرهم ما يجعلها كبيرة القيمة والأثر إذا أبرزت إبرازاً صحفياً مفيداً لقراء مجلة الأزهر والمشتغلين بشؤون الشرق والإسلام.
ولست أقصد بهذا ما هو من الشؤون السرية في هذه المراسلات أو ما ليست له صفة العموم.
هذه الصفحات من نشاط الأزهر وما يرد إليه من رسائل وما يسأل عنه من مسائل لنشرها وإبرازها فوائد أخرى لا تقل عن فائدتها الثقافية في توجيه القراء والمستغلين بهذه المسائل العامة، هذه الفائدة هي إشعار الأزهريين بما لهم من الخطر والمكانة وما هم جديرون أن يهيئوا له أنفسهم من عمل وأن يشغلوا به قلوبهم وعقولهم وفراغهم من جد الأمور.
وهذا وحده كفيل بأن يشعرهم الكرامة لأنفسهم ومعهدهم وبأن يكون عاملاً من العوامل المؤثرة في حسن توجيههم وأعدادهم لما ينتظر الناس أن يقوموا به من المساهمة في الخير العام لمصر والشرق والإسلام.
هذا وما يتصل به من إخراج الكتب العلمية والدينية إخراجاً علمياً ونقد المؤلفات العلمية نقداً علمياً أيضاً هو الهدف الأول مما اعتقده غرضاَ لإخراج مجلة الأزهر.
أما الهدف الثاني فهو إبراز صورة من النشاط الداخلي للأزهر وأقصد بالنشاط الداخلي ما يقوم به الأساتذة والمبرزون في الطلبة من البحوث وما يضعه الأساتذة والطلبة والمتخرجون من الرسائل ذوات القيمة، وما يبرزه هؤلاء وهؤلاء من المؤلفات أو يقومون لتحقيقيه من النظريات العلمية أو الاجتهادات أو التحقيقات التاريخية.
هذا رأي أبديه بعد ما عرف أن لجنة يرأسها الشيخ الأكبر قد وضعت لها منهاجاً تسير عليه في عهدها الجديد.
ولعل (الرسالة) - وعنايتها بالأزهر وبالثقافة الدينية مشهورة مشكورة - تستطيع في عددها القادم أن تنشر على الناس شيئاً مما رأته هذه اللجنة في إصلاح هذه المجلة فقد يجدون فيه ما يجعلهم يتوقعون أن يروا مجلة للأزهر جديرة بأن تحمل اسمه وتفصح عن رسالته.
ونحن نرجو (ونعتقد أن رجائنا سيكون أمراً واقعاً عما قريب) أن الأزهر في عهد الجديد سيقوم بما أعتقد أنه واجبه الأول. وهو رعاية الحياة الدينية في مصر وتوجيهما الوجهة الإصلاحية التي طال ترقب الناس لها والتي ظن كثير من المفكرين وأصحاب الرأي أن الأزهر قد تخلى عنها وأنه رضى لنفسه أن تكون حياته الحاضرة والمقبلة امتداداً لهذه الحياة التي عاشها قروناً طويلة، هذه الحياة التقليدية البعيدة عن روح العلم والنقد والفهم الصحيح والتي هي بعيدة أيضاً عن مسايرة الحياة والناس والزمان.
ومجلة الأزهر على هذا يجب أن تكون ميداناً من ميادين هذا التوجيه الإصلاحي الجديد لحياة الدينية في مصر والشرق.
محمود الشرقاوي