مجلة الرسالة/العدد 643/القصص
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 643 القصص [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 29 - 10 - 1945 |
(عبث لطيف)
مسرحية في فصل واحد
للقصصي نويل كوارد
للأستاذ أحمد فتحي عبد التواب
(ترفع الستار والمسرح مظلم. وتسمع أصوات، ثم يدخل شاب تتبعه فتاة، يضيء الشاب الأنوار فيظهر كرسي ومائدة وأريكة ومكتبة بها كتب ودولاب وغير ذلك. . . ثم بقايا نار متأججة في المدفأة).
هو: ألا تتفضلين بالجلوس؟
هي: نعم أشكرك. (تدنو متباطئة ثم تجلس على الأريكة وتخلع معطفها)
- (بعد لحظة صمت): حقا إن الجو قارس للغاية.
- (بجهد): أليس كذلك؟ إن الإنسان يحس الخريف في الهواء.
- نعم، هكذا يشعر الإنسان. (لحظة انتظار أخرى)
- (بازدراء): إنني أحب لندن في الخريف.
- (بنفس الازدراء): وأنا أيضا.
- إنها تكون غاية في الكآبة.
- نعم، نعم، غاية في الكآبة - هكذا تكون.
- كم الساعة الآن.
- (ناظرا إلى ساعته): الثانية عشرة ونصف.
- الوقت متأخر، أليس كذلك؟
- متأخر جدا.
- ما أجمل هذه الغرفة!!
- نعم، أعني، هل ترينها كذلك؟
- أوه، نعم، إنها جميلة وفي غاية الأناقة والترتيب.
- إن ذلك ليسرني.
- (تقف): وكتب أيضا!! أتقرأ كثيراً؟
- بين الفينة والفينة، أعني - أحيانا.
- (تقترب من المكتبة): كتب جميلة، ولا سيما ذلك الكتاب
- أي كتاب تعنينه؟
- ذاك: سترندبرج
- أوه، سترندبرج، إنه خامد العزيمة متشائم، أليس كذلك؟
- نعم، ولكن الحياة - الحياة الحقيقية دائما - ليست عاطفة مزيفة و. . . و. . . ونفاق.
- أوه، لا لا. وفي الحقيقة إنني لم أقرأ له كثيرا. وهذا المسكين ليس لي في الواقع وإنما استعرته فقط.
- هذا ما يبدو لي (تجلس ثانية).
- لم يمض على إقامتي في هذا المسكن طويل وقت.
- إنه في وسط المدينة.
- نعم. هو كذلك (بعد سكوت قليل) ألا تشربين شيئا؟
- (بسرعة): أوه، لا، أشكرك (تصلح من شأنها) إنه. . . عسى. . . (بتصميم) نعم، أشرب.
- أخشى ألا يوجد غير الويسكي والصودا. (يتوجه نحو المائدة)
- (بلا تكلف): وسكي وصودا!!
- نعم، ألا توافقين؟
- نعم، بكل تأكيد.
- متى شربتيه من قبل؟
- (بسرعة): لم أشربه كثيرا. . . قليلا جدا. . . الآن. . . في ذلك الكفاية.
- (مقدما إليها الكأس عديم اللون تقريبا): إنه ضعيف للغاية
- (مغمضة عينيها ورادة له الكأس) إذن. زده قليلا من الويسكي.
- (مأخوذاً بحدتها المفاجئة) أوه، حسن جدا، لك ما تريدين - (تتناول الكأس) شكراً لك. . . (ترتشف المشروب) أوه، يا عزيزي!!
- ما هذا؟
- لا شيء.
(ولا يلحظ رجفة الامتعاض حينما تشرب الويسكي)
- (يجلس بجوارها على الأريكة): لقد كان مضحكا أن أقابلك هكذا.
- (بضحكة عصبية): نعم، أليس كذلك؟
- أقسم إنني رأيتك قبل ذلك في مكان ما.
- لست موافقة لك على هذا.
- من الحماقة أن تفعلي. اسمعي، إنني. . .
- (قافزة صوب الباب) ماذا؟
- أوه، لاشيء.
- (بعد صمت قصير): يسرني ألا تنسى ذلك.
- نعم.
- (غاضة بصرها) أوه، لاشيء.
- (بغتة): لا فائدة، لا يمكني. . .
- لا يمكنك ماذا؟
- لا يمكني أن أذهب معك أكثر من هذا (بحدة) اسمعي، لا يهمني ما تظنينه بي، لاشك أنك تضحكين مني طول الوقت. . . ولكن هذا لا يعنيني. . . أعني. . . أسمعي. . . ألا ترحلين!
- (ويدها فوق جبهتها) أتعني؟. . . أوه، يا عزيزي (تسقط بين ذراعيه مغشيا عليها).
- يا إلهي (يروح لها) إنه مخيف. . . مخيف!! تنبهي، بحق السماء. . . أوه، إنه مرعب! (يسندها بوسادة).
- (تفتح عينيها) أوه، ماذا صنعت؟
- أغمي عليك.
- (تنفجر باكية): أوه مخيف. . . مرعب. . .! (تعتدل على حافة الأريكة وتدفن رأسها بين ذراعيها).
- أريد أن أقول، لم كل هذا؟ ما قصدت أن أكون فظاً. . . أقولها مخلصا. . .
- (متنهد): يا للعار. . . يا للعار. . .
- اشربي هذا (يقدم لها كأسها التي لم تتذوقها بعد)
- (دافعة الكأس بعيداً): خذها بعيدا، إنها تتعبني.
- حسن جدا، أريد أن أقول - بكل أسف. . . أرجوك أن تكفي عن الصراخ.
- اتركني وحيدة. . . دقيقة واحدة.
وبعدها أكون على ما يرام. (تجلس)
- إنني وحش.
- لست كذلك. . . شكراً لله (تقف) يجب أن أرحل حالا.
- أين تسكنين؟ - في كنسنجتن.
- سأوصلك حتى المنزل.
- أوه، لا، أرجوك لا. . . ليس من الضروري. . .
- سأحضر لك سيارة أجرة، إذن.
- حسن. . . أشكرك.
- انتظري هنا (يذهب صوب الباب)
- قف.
- (بفزع): ماذا حدث؟
- من فضلك تعال واجلس برهة. . . أريد أن أقول لك شيئا.
- ولكن. . .
- أرجوك. . . سأفعل حقا. . . وبقولي الصدق سأخفف من شعورك بقسوتك. . .
- يهمني ألا أراك تعسة.
- (بحدة) تعسة!! إنني يائسة. . . يا للعار الأليم. . . ألا أملك ذخيرة من الكلمات أعبر بها عن ازدرائي الكلي من نفسي.
- لم أفهم!! - أنا، لست كما ظننت أن أكون بتاتا.
- (مرتبكا): لقد تغير ظني بعد الدقائق القليلة الأولى.
- ولهذا طلبت مني الخروج؟
- لا، ليس هذا بالضبط. أعني. . .
- أوه، أشكرك كثيرا. . . إنك عزيز. . . إنه من حسن حظي. . . إنني. . .
- أقول. . . من فضلك. . .
- (مستجمعة قواها). حسن جدا. . . سوف لا أصرخ مرة أخرى. . . يجب أن تعتقد أنني حمقاء. . . إنني. . . أسوأ من هذا بكثير. أصغ إلي، إنني، بالضبط، فتاة عادية. . . أسكن في رتلاندجيت مع عمتي، أذهب إلى الملاهي وأراقص وأتريض في الحدائق وأساعد في جمع الإحسان للمعوزين. . .
- ولكنني. . .
- لا تؤخذ هكذا. . . فمما يزيد الأمر صعوبة أن أخبرك بكل شيء. . .
إن مشكلة المرأة في العصر الحديث، وحياتي المعقدة الكليلة التي أحياها - حياة المرأة على العموم - دفعاني إلى قراءة مقدار وافر مما أنتجه جميع الكتاب المحدثين تقريبا. قرأت الرسائل والأبحاث التي تعالج شئون المرأة وتبحث في المسائل الجنسية الحادة فشغلت نفسي، وأهمني هذا السؤال:
لم لا يكون للنساء من فرص التجارب ما للرجال؟؟ فيحيون حياتهم. . . ولا يخفى عليك ما أقصده طبعا، وكنت أعتقد أنني فتاة عصرية ماهرة أتمتع بالحرية المطلقة، وعواطفي واضحة ولو أنها خامدة. . . تأملني. . . تأملني. . . (تضحك ضحكة هستيرية)
ولقد رحلت عمتي أول من أمس إلى بورنموث لقضاء أسبوع وقد قررت أن أقوم بتجربتي. . . لأرى الحياة. . . الحياة الحقيقية العملية. . . في الأحياء المغلقة. . . فالشباب من الرجال مسموح لهم بالخروج أينما شاءوا ليمتعوا أنفسهم. . . فلم لا يتاح للشابات الفرص نفسها؟؟
خرجت بالأمس وقصدت الملهى وحيدة، وعزمت - بجسارة ملحة - على أن أعود إلى المنزل مشيا على الأقدام، ولكن انهمر المطر غزيراً فأسرعت إلى السيارة حيث آويت إلى الفراش مباشرة
والليلة أكدت العزم. فتناولت غذائي وحيدة في مطعم بشارع أكسفورد، ثم سرت في ميدان بيكادللي فهايماركت ثم على الشاطئ حيث عدت إلى ميدان ليستر، وجلست على كرسي وسط الحديقة الصغيرة حتى أقبل رجل سكران قذر وجلس بجواري، فقمت وعاودت المسير متأملة الناس أجمعين. . . مئات بعد مئات منهم. . . يتدفقون خروجاً من الملاهي ويزحمون الأفاريز. . . فكان في الواقع شعوراً مثيراً. . . ولا تستطيع إدراك هذا الأمر - كما أعلم - لأنك رجل قضيت حياتك غير مراقب ولا مدلل. . . بل شجعت على أن تكون طليقاً حراً. . . ولكن بالنسبة لي فقد هزني ذلك الأمر. وكنت وحيدة سيدة نفسي إطلاقا. . . وأدركت مبلغ جهدي وتعبي، فعرجت على أحد المشارب وتناولت فنجاناً من الشكولاته. وكان يشغل المائدة المجاورة لي سيدتان مزعجتان وشاب عليه سيماء المجد وقد بدأتا تعاركانه، ولو أن ما قالتاه له كان من البذاءة بمكان إلا أنه كان مضحكا للغاية، وفي النهاية خرجوا جميعاً وهم يتشاتمون كالمعتاد!! عندئذ خرجت ثانية وقد تبدل كل شيء، فقد اختفى الزحام وهدأت حركة المرور اللهم إلا بضع سيارات تجري مسرعة، فأسرعت الخطى - لأنني رأيت النساء حولي يتلكأن - قاصدة بيكاديللي. ولم أكد أحاذي بيركلاي حتى انفجر أحد المصابيح المعلقة في وسط الشارع فأزعجني وراعني انفجاره المفاجئ فضحكت من نفسي وابتدأت أقلل من سرعتي وأخذت أراقب كل شيء حولي،. . . فوجوه الناس من أغرب وأدهش ما لاحظت. . . ثم. . . ثم. . . أوه يا عزيزي (تسبل جفونها متخيلة لمدة دقيقة) ثم ابتسم لي رجل، وظننت لأول وهلة أنني أعرفه، فتلفت حولي ولكنه بقى واقفاً مكانه، ثم أخذ يتأثرني، فأسرعت دقات قلبي وحاولت أن أستجمع شتات أعصابي النافرة عسى أن تخمد وألتمس في هدوء نفسي طريق الخلاص، ولكنني عجزت، وعلى غير وعي مني جريت إلى الجانب الآخر من الشارع، ومن المؤكد أنه سخر مني، وفي شارع كرزن أخذت ألوم نفسي بعد أن استجمعت قواي. . . لقد كنت جبانة. . . ضعيفة. . . غبية. . . وعلى ذلك، وزيادة في معاقبة نفسي من أجل فقدانها الشجاعة والإقدام لا من أجل شيء آخر، فكرت أن أستسلم لأي رجل كان. . . أوه، أنا أعلم أنه شيء مهين حقير. . . لا تنظر إلي هكذا. . . ولكن تذكر أن هذا كان نتيجة دراسة الشهور بل السنين الطويلة للآداب العصرية، فرغبت في تجربة الحياة، ولم أكن أخشى على نفسي من شيء. . . فإنني قادرة كل القدرة على صيانة عفافي. . . وإنما أردت الاستطلاع ليس غير. . . وعندما قابلتك في شارع داون كانت ثورة العزم مالئة جوانحي، أوه يا عزيزي. . . أليس كل هذا مخيفاً؟ (تتنهد) إنه مرعب للغاية حتى لأن يقال. . .
- اسمعي، إنها لم تكن - كما تعلمين. . . ولن أفوه بكلمة.
- أعلم أنه لا يمكنك. . . ولكن. . . أشعر أنه لا يمكنني أن أنفي العار عن هذه التجربة.
- لا عار قط.
- كم أتمنى أن ألجأ إلى دير، هذه اللحظة مباشرة.
- إنك تفكرين في الأمر على أنه محزن بينما هو مضحك - حينما تحللينه.
- عندما أتزوج ويتقدم بي العمر أستعيد ذكراها على أنها كانت فكاهة، ولكن إلى ذلك الوقت، سأخر راكعة على ركبتي كلما فكرت فيها.
- لم أزر لندن وحيداً حتى هذا الأسبوع. . . وطلب مني أحد الأصدقاء أن أقيم هنا في هذا الطابق وتركني منفرداً وذهب لقضاء بعض شئونه.
- هل هذا صحيح. . . حقاً
- نعم. . . ولهذا السبب طلبت منك في المبدأ أن تخرجي. . . لأنني خفت الفساد.
- أحقاً ما تقول؟
- نعم. . . بكل تأكيد، فقد ظننت أنك تضحكين مني وتهزئين بي.
- أهزأ. . . يا إله السماء!!
- نعم. . . أليس من الحمق أن يخشى المرء دائماً أن يكون موضع سخرية؟ والواقع أنه قلما يحدث هذا.
- أقل من أي شيء.
- جميع أصدقائي يقولون مثل هذا عندما يقضون أوقات الخلاعة والسرور بالمدينة. . . كما تعلمين
- نعم.
- أفكر في نفسي، إنها لفرصة عجيبة، أن أبقى وحيداً. . . وكل شيء. . .
- تماما مثلما أفكر.
- نعم بالضبط.
- كم عمرك؟
- واحد وثلاثون عاما.
- وأنا أيضاً.
- إنني جد آسف إن كنت قد أقلقتك وسببت لك الفزع.
- لقد كنت شفوقا وحريصاً منصفاً. ولست أدري؟ ماذا كنت أفعل لو كنت مع غيرك.
- وأنا أيضاً، لست أدري.
- كم أود أن تريق هذا الويسكي. . . فإنني أكره حتى رائحته.
- لست مولعاً به. . . ألا نجهز شاياً؟
- لا. بل يجب أن أذهب الآن. . . حقيقة. . .
- إن هذا ليسرني. . . أمتأكدة أنت؟
نعم كل التأكيد. . . يجب أن أذهب.
- حسن (يذهب إلى النافذة) لابد أن تكون مركبة في الموقف. ما هذا؛ إن المطر ينهمر. . .
- أوه!! ألا ترى مركبة هناك؟
- (ينظر من خلال زجاج النافذة): لا. . . من سوء الحظ. . .
- سأجد واحدة سريعا.
- لا - اسمعي - انتظري قليلا حتى ينقطع المطر. ويمكننا تناول الشاي بعد كل هذا. . .
- ولكن. . . ولكن. . .
- نحن أصدقاء. . . ألسنا كذلك؟ (ويمد يده)
- نعم - حسن - منذ فترة وجيزة. (يتصافحان)
- الأفضل أن تخلعي معطفك ثانية.
- حسن. (يساعدها في خلع المعطف ويضعه على الكرسي)
- والآن فلنجهز الشاي - أين الغلاية؟
- في المطبخ. سأذهب وأملؤها ونستطيع أن نغليها هنا، فالنار في المدفأة كافية. ويمكنك أن تخرجي فنجانين من الدولاب وكذلك بعض البسكويت.
- حسن
(يخرج فتأخذ من الدولاب فنجانين وبعض البسكويت وتضعها على المنضدة).
- (من الخارج): كم ملعقة من الشاي أضعها في الوعاء؟
- (متجهة نحو الباب): أثنين ونصف كما أعتقد.
- حسن. (تذهب نحو المدفأة وتحرك النار. ويدخل حاملا صينية صغيرة عليها غلاية ووعاء للشاي)
لم أضع ماءً كثيراً في الغلاية حتى يغلي بسرعة (يضع الغلاية على النار)
- والآن علينا أن نأخذ أنفسنا بالصبر (تجلس على الأريكة)
- يمكننا أن لا نلقي بالاً إليها حتى لو غلت.
- نعم، أعتقد أن تلك هي الطريقة الوحيدة.
- ما اسمك؟
- (مترددة) أوه. . .
- (بسرعة) آسف جداً. . . لقد نسيت. . . إذا كان حرياً بك تبدئيني بالسؤال. . . اسمي هج لومبارد.
- واسمي ماري جيفون.
- إنه اسم جميل.
- أفكر دائما في أنه اسم إنجليزي فاتر. . . ولكنه على ما ترى جميل. . .
- أوه، وقد دفعني إلى حبه كونه إنجليزياً.
- وأخيراً، يتلهف قلبي على شيء أجنبي. . .
- أثراً بعيداً أحدثته الآداب العصرية في الشباب.
- والآن، لا تهزأ بي. . .
- آسف.
- أنت تعلم من نكون، أليس كذلك؟
- لا، من؟
- إننا ضحايا التمدين.
- أنحن هكذا؟
- نعم، إننا ضحايا - ولو أننا - في الحقيقة متوسطا التفكير عاديان، إلا أننا غصنا إلى الأعماق، ولكن كلامنا حاول بمشقة جاهدة أن يحافظ على الأمان والسلام وسط هذه الحياة العصرية. فإن كنا قد تمادينا قليلا لكنا قد أجهزنا على فضيلتنا الحقيقية.
- أرى أنك جد ماهرة
- (فجأة) أوه، إياك. . . إياك. . .
- إياي، ماذا؟
- إياك أن تقودني إلى الزلل. . . سوف تقوض كل ما أسديته لي من معروف!
- المعروف الذي قمت به؟؟ عما ذا تتكلمين؟
- لقد فعلت كل طيبة في العالم نحوي. . . إنك أمين كل الأمانة. . . ولطيف. . . وفي الحقيقة لم أهز شعورك بقدر ما هزه اسمي
- لست أرى أي إحسان في هذا؟
- لقد أنقذتني من نفسي - التي تدوي في عواطفي الفائرة - ولكنها في الحقيقة الكاملة.
- وهذا عين ما فعلته نحوي - لقد جعلتني أحس العار من نفسي - ولا سيما حينما صرخت.
- إنني مسرورة.
- وكذلك أنا. . . ولم سألتني ألا أقودك إلى الزلل؟
- (بخبث) لأنني كنت ماهرة. . . وكنت مفكرة عصرية.
- لا، لم تكوني كذلك. . . ولكنك كنت جميلة.
- لا تكن أحمق.
- ولكنك كنت. . . إنه مخيف. . .
- (بحدة) لا تعد إليها مرة أخرى. . . مطلقاً، مطلقاً، إياك - إياي أن أعود لماذا؟
- من الآن فصاعداً سأكون على حقيقتي - نفسي الحقيقية - لا أن أكون نسخة من شلسي.
- وأنا أيضاً. . . لن أكون بعد الآن صورة لابن المدينة الشاب
- يا للبلهاء!!
- لقد طرأت علي فكرة. . .
- وما هي. . .؟
- أصغي إلي. . . لم لا نكون. . .
- الماء يغلي.
- أوه. . . (ينهض) لا. . . لم يغل بعد.
- رأيت بعض البخار يتصاعد من الغلاية.
- قليلا جداً. حينما يتصبب الماء يكون قد تم غليانه. . .
- ماذا كنت تريد أن تقول؟
- سوف لا أقولها. . . بعد ذلك. . .
- ولمه؟
- أخشى أن أهدم ما بنيت.
- أوه!! (يصمتان قليلا)
- ألم ينقطع هطول المطر؟ (تنهض وتتوجه إلى النافذة).
- ألا تزال السماء تمطر؟
- ليست من السوء كما كانت - ومن العسير أن نحكم ونحن هنا - وإنما يمكن المرء أن يبدي رأيه مما يرى من أوحال.
- (يقترب من النافذة بجوارها) ألا تلمع الأفاريز كالزجاج.
- حقاً، بالضبط. . . وإذا نظرت من الركن قليلا أمكنك أن تلمح المتنزه (تلصق وجهها بالزجاج).
- نعم، إن قربه مما يزيد البهجة. . .
- من أي جهات الريف قدمت؟ - من أجام كنت. . .
- لا!!
- ولماذا؟
- إنني خبيرة بتلك الجهة. . . بين راي وفولكستون. . .
- بالضبط. . . إيفيتشيرش. . . إن منزلي لبالقرب من إيفيتشيرش.
- ما أحبها إلى نفسي. . . بل ما أبهج شميم البحر، ورؤية الآجام وحواجز الماء والفضاء هناك.
- كم أنا سعيد لأنك تعرفينها. . . وتحبينها. . .
- انظر. حقاً. إن الماء يغلي الآن.
- تعالي وامسكي وعاء الشاي.
(يتقدمان معاً بجوار النار. ويجهزان الشاي ثم يضعان وعاء الشاي على الصينية).
لنشرب الشاي ونحن جلوس على الأريكة. . . ويمكننا أن نضع الصينية على ركبتينا.
- حسن. سأجلس هنا. . . ناولنيها. . .
- جميل. البسكويت أولا. . .
(يضع الوعاء على الأرض بجوار أقدامها، ثم يعطيها الصينية ويجلس بجوارها)
- كن على حذر.
- أليست جلسة مريحة!!
- في الحقيقة لم تستقر بعد. . . ولكن لا بأس. (تصب الشاي)
- أظن أنني لم أحب إنسانا مثل هذا الحب. . . وبهذه السرعة. . . من قبل.
- ما هذا الهراء!!. . . أتريد سكرا؟
- نعم، من فضلك. . . قطعتين.
- كان يخيل إلي منذ بضعة أشهر أنني أفضل الشاي ممزوجا باللميون. . . بدلا من اللبن.
- روسية صميمة. . . كما يظهر!!
- (مقهقهة): بالضبط.
- إنني أود في الحقيقة أن أقول لك شيئا هاماً. . . ولكنك تمنعينني.
- أعرف ذلك.
- ماذا. . .؟
- لنفس الأسباب التي قلتها. . . سوف تهدم كل شيء. . .
- لا. . . لم أفكر في هذا. . .
- دون أن تلجئنا إلى المجازفة، بعد؟
- (بكآبة): لك ذلك. . . (يرتشفان الشاي في هدوء)
- ماذا تعمل؟
- ماذا تقصدين؟
- أعني ما صناعتك؟
- إنني مهيأ لأن أكون جنديا.
- أوه. . .
- أسوأ ما في الموضوع. . . إذ معنى ذلك الهند. . .
- أوه، ما أعجب حياة هذا الصنف من الجنود.
- نعم. . . الحياة وسط الأبهاء الفسيحة، والمراوح المعلقة في الأسقف وهي تتماوج، وصليل الثلج في الكؤوس، والنساء الجميلات اللائى يتأودن في مشيتهن كالهررة مرتديات أثوابهن البراقة اللامعة. . .
- وارتداء السراويل (البنطلونات) البيضاء النظيفة ولعبة البولو والمفاجآت الشعبية والمحاورات التي تهز الشعور. . . ألا ما أحب كل أولئك إلى نفسي!!!
- أتظنين أنك تحبينها؟
- أي نعم. . . ولو أنها في البداية. . . تبدو غريبة. . .
- كم يسرني أنك لم تكرهي الفكرة. . .
- كم الساعة الآن؟
- (واضعا فنجانه): لم يتأخر الوقت. . . انظري. . . (يريها ساعته)
- (تضع فنجانها بشدة فتسمع فرقعته) يجب أن أذهب الآن. . . حالا. . . يجب أن أذهب.
- أوه. . .
- حتى ولو كانت تمطر سيولا جارفة. . . (تتوجه نحو النافذة)
- بودي أن تنتظري بعض الوقت.
- من الحمق أن أتمهل في الخروج. . . فأنني أحس تعبا مضنيا، كما أعتقد أنك تعب أيضا. . . ويجب أن ننام ونستريح. وقد سكن المطر تماما. . . وأرى عربة منتظرة هناك. . .
- فلتذهب تلك العربة إلى الجحيم!
- والآن.
- رغبت أن أرافقك في المسير حتى تجد أخرى.
- يمكنك أن توصلني إلى الخارج.
- حسن.
- ساعدني على ارتداء معطفي.
- لك ذلك.
(يساعدها على ارتداء معطفها. . . ثم يأخذها بين يديه)
كم أنا مدين لك بالشكر. . . على هذه الفترة السعيدة. . .
- حقا، ما أسعدني بها. . .
- دعيني أعبر لك. . . الآن.
- عما ذا؟
- أتقبلينني زوجاً؟
- لا تكن أحمق.
- لست أحمق. وإنما أعني ما أقول.
- لم يختبر كل منا الآخر.
- بالعكس. . . فقد خبر كل منا الآخر كل الاختبار.
- كلا. . . لم يكن الوقت فسيحاً.
- لقد تولهت بك. . .
- كلا. . . بالتأكيد كلا. . . إذ لا يمكنك. . .
- ولمه؟
- لست أدري.
- أتحاولين؟
- (تطرق) ك إياك. . . وإلا فسأصرخ ثانية.
- ما أعزك إلى قلبي.
(يضمها إلى صدره ويهوي على شفتيها تقبيلا).
- (مرتجفة): والآن كادت تسقط قبعتي.
(يخرجان معاً وهو يحوطها بذراعه بحنان)
ستار. . .
احمد فتحي عبد التواب