مجلة الرسالة/العدد 642/البريد الأدبي
→ من (لزوميات مخيمر) | مجلة الرسالة - العدد 642 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 22 - 10 - 1945 |
الشيخ أحمد إبراهيم بك:
من الطفولة حتى الشباب في مراحل التعليمي الثلاث، وأنا أسعد بأستاذيته - رحمه الله - وقد كان لهذه الصلة في نفسي منذ نشأت أعمق الأثر، وكنت أشعر دائماً أن له عليّ فضل التوجيه وقد كان إكباري له وإعجابي بعلمه وورعه، وسمو نفسه وأسلوب تفكيره يحملني على أن أحاول اتخاذه قدوة صالحة.
فما عرفت أدق منه في سبر أغوار المشاكل العلمية، في يسر وسهولة، ولا أحرص منه على شعائر الدين والتقوى، في نقاوة وورع، ولا أسبق لمعاني الفضيلة، في جلال وجمال وروعة
ما عرفت من هو أوفر حظاً منه في هذا كله، نأى بجانبه عن كل ما يشوب كرامة العالم، فأحاط نفسه بسور منيع حال بينه وبين الزلفى، والعمل لغير وجه الله، في مراقبة شديدة لواجبه وضميره.
عف عن المادة في مختلف مواطنها، فما طلبها ولا سعى إليها، وقد كانت سبلها ميسرة معروفة لمن يلتمس حطام الدنيا الفانية.
كرس حياته - رضي الله عنه - لاستنباط أسرار الشريعة السمحاء، والكشف عن دقائقها ومميزاتها وذخائرها، وما تمتاز به عن سائر الشرائع، فكان يعني بالمقابلات الطريفة والمقارنات الدقيقة بين المذاهب والآراء، والعقائد وطرق التدليل والتفسير والتأويل التي تنطوي عليها مباحث علماء الإسلام، ثم بين هذه وغيرها في الديانات الأخرى، كل ذلك في تبسيط جم للمعقد، وتذليل للصعب العسير من نظريات الشريعة، فما كنا نلمح أثراً للجفاف الذي يبعدنا عن فهمها، ونحن في هذه السن الباكرة التي لا تقوى على استساغه هذه المقارنات المستفيضة الشاملة.
شغفنا بالبحث والقراءة، وسكنا إلى هذه الدراسة على ما فيها من تشعب واسترسال بفضل معونة أستاذنا وتوجيهه - أثابه الله - وحبب إلينا درسه، فما أذكر أنني تخلفت عنه يوماً، ولا كانت لي رغبة ملحة ولهفة في الإصغاء لأستاذ سواه.
طراز نادر بين الأساتذة والعلماء ورجال الدين، ولعله كان المثل الأعلى والنموذج النادر بين هؤلاء جميعاً.
وفضيلة أخرى كانت من أخص فضائله - أكرم الله مثواه - تلكم هي الوفاء - هذه الصفة التي غاص نبعها في نفوس الناس حتى الخلصاء منهم والأصفياء.
فلقد شاء كرم أبناء المعهد الكريم - دار العلوم - أن تقام لي حفلة تكريم منذ شهور فلم تحجزه العلة المعقدة عن الخطابة على ما كان يشعر به من ضعف وألم، فأبحت لنفسي الكلام عنه وأنا العارف بزهده وبرمه - من أن يسمع الثناء عليه، فسجلت في كلمة الشكر، ما أدين به، وأعتقده في شخصه الجليل، ولست أرى ضيراً من أن أختم هذه الكلمة القصيرة بما جاء على لساني إذ ذاك وأنا أنعم برؤيته بين المتكلمين الإجلاء، ففيها ذكرى لحياة كانت حافلة بجلائل الأعمال، والذكرى تنفع المؤمنين.
أما أستاذي المفضل في سائر مراحل التعليم، فهو العلامة الكبير والباحث المدقق أحمد بك إبراهيم، فله علي فضل الإرشاد والتوجيه والتعليم، وقد كنت أحاول أن أتخذه قدوة، ولو اقتدى به سائر المصريين لما بكينا على العلم، ولا على الأدب والدين.
إبراهيم دسوقي أباظة
(الرسالة) العاتبة و (الرسالة) المعتوبة
قرأنا (الرسالة) الفلسطينية العاتبة، وقرأنا جواب (الرسالة) المصرية المعتوبة. وكانت أحكام الأولى جائرة جد جائرة، وكانت احجاج الثانية دامغة جد دامغة، فتلك زعمت أن مجلة (الرسالة) تؤثر الأدب المصري فتنشره، وتضن على الأدب الفلسطيني فتطويه. وهذا زعم - لعمر الحق - باطل. ولست هنا بصدد أن أدفع تهمة أو أرد شبهة، ولكن العتاب الشديد والجواب السديد أثارا في نفسي ذكرى تتعلق بأول قصيدة نشرتها لي مجلة (الرسالة) الزاهرة لا أرى بأساً في تسجيلها على صفحاتها.
كان ذلك منذ سنوات سبع خلت، يوم انتهيت من نظم قصيدة في أبي الذي كان يرسف في قيوده إبان الثورة الفلسطينية الخالدة. أخذت أنظر في تلك القصيدة من وراء دموعي، وكانت في نظري جيدة، وأحببت أن أفاجئ بها شقيقي المرحوم إبراهيم منشورة في إحدى الصحف، وكثيراً ما كان يحلو لي أن أفعل ذلك معه اعتزازاً وثقة بشعري. ونزعت بي نوازعي إلى أن أبعث بها إلى مجلة (الرسالة). ولكنني ترددت وجفلت، إذ أين اسمي الخامد من تلك الأسماء الساطعة في سماء الشعر؟! وأخذت أقلب الرأي على وجوهه. وسولت لي نفسي أن أرفق القصيدة بتعريف بي يكتبه ابن عمي قدري طوقان إلى صاحب (الرسالة)، ولكن عزة الشعر، وللشعر والله عزة، ربأت بي عن التوسل إلى نشر القصيدة بما يوهم معنى الالتماس، وقلت لنفسي: وي! ما بالك يا هذه؟ إن هذا هو الحمق بعينه، وإذا كانت القصيدة جيدة حقاً، فلن يحول اسمك المغمور دون إنصاف المنصفين في الحكم لها. وبعثت بالشعر وثقتي بنشره بين بين.
وظهر الشعر في (الرسالة)، وقد فوجئ به شقيقي إبراهيم، فكتب إلي يقول: (يا أم تمام - وكثيراً ما كان يناديني بهذه الكنية لما يعرف من حبي للشاعر أبي تمام، ولكثرة ما أحفظ له - إن القصيدة لجميلة، وقد حدثني الأستاذ النشاشيبي بشأنها فأهنئك). ولما التقينا أظهرته على ما خامرني من شك في نشرها لعدم معرفة الأستاذ الزيات لي. فقال: (يا أختي، إن الشعر الجيد يعرف بنفسه وبصاحبه عند المميز المنصف، ولا يحتاج إلى من يعرف به).
وكان هذا مما شد من عزمي وزادني إيماناً بنفسي، ولا والله ما أجحد يداً للرسالة علي، ولا أنسى حقاً لها عندي
أجل، إن (الرسالة) مجلة الأدب العربي في جميع أقطاره، فلا صلة شخصية هناك، ولا أثرة إقليمية تغريان على نشر هذا وطي ذاك من الإنتاج الأدبي في القطر المصري وخارجه، وهي - منذ كانت - ميدان للمجلي والمصلي من أدباء العربية على اختلاف أقطارهم، وهاهي بين أعيننا واضحة المذهب، وقد أشهدت الله بحق: (أنها في مدى حياتها الصحفية لم تغفل أدباً يستأهل النشر، ولا أديباً يستحق التنويه). وغفر الله لأخينا العاتب عتبه واتهامه، فقد نكب عن محجة الصواب حين أسرف في هذا العتاب.
(نابلس)
فدوى عبد الفتاح طوقان
إندونيسيا:
دخل الإسلام إلى إندونيسيا منذ قرون، وظل يتوغل فيها توغلا قد لا تدانيه فيه أية بلاد إسلامية أخرى إذ أصبحت تعاليم الدين الإسلامي والتقاليد الإسلامية هي وحدها السائدة في أمة بلغ عدد سكانها سبعين مليونا، تسعون في المائة منهم مسلمون.
والمسلمون الإندونيسيون أشد ما يكون تمسكا بدينهم الحنيف فلا عجب إذا كانت الروح الإسلامية هي السائدة في علاقاتهم فيما بينهم وفي علاقاتهم بغيرهم من الأمم ولا عجب بعد ذلك إذا كانت الأمة الإندونيسية دائما تشعر بوثيق العلاقة بينها وبين الأمم الإسلامية. وقد ربطتها وإياها الرابطة الروحية وما أشدها رابطة قوة ومتانة.
كانت إندونيسيا في اتصال وثيق بالعالم العربي الإسلامي قبل الحرب ولا أدل على ذلك من اشتراكها في جميع المؤتمرات الإسلامية الهامة المنعقدة في (مكة ومصر وفلسطين) كما كانت تراقب دائما الحركات السائرة في هذا العالم فتسر لسروره وتتألم لألمه. ظهرت سياسة التنصير البربري في شمال أفريقيا، فقامت قيامة الصحف الإندونيسية تحتج على فرنسا. فقامت إيطاليا في طرابلس وبرقة بتطبيق سياسة الحديد والنار. ولعل أفظع مظاهرها شنق الشهيد عمر المختار - فقامت الأمة الإندونيسية على بكرة أبيها تقاطع البضائع الإيطالية، وبلغت شدة هذه المقاطعة أن حرق الأهالي الطرابيش على أنها صناعة إيطالية. ورمى أحدهم سيارة (فيات) الإيطالية في قاع النهر.
اندلعت نار الحرب العالمية الثانية فانقطعت الأخبار عن هذه البلاد الإسلامية وما إن وضعت أوزارها إلا وقد زف إلى العالم العربي والإسلامي نبأ وأي نبأ، نبأ إعلان إندونيسيا استقلالها وقيام الحكم الجمهوري في ربوعها. لقد أثلج حقا هذا النبأ السار صدور المسلمين قاطبة ولم لا يطربهم هذا النبأ وقد قامت في أقصى الشرق حكومة إسلامية قوامها ما يقرب من سبعين مليونا من المسلمين أقوياء الإيمان فزادت بذلك شوكة الإسلام ودانت إلى الوجود الجامعة الإسلامية القوية البنيان.
على أثر ذلك سرعان ما أعلنت لجان استقلال إندونيسيا في (مصر والعراق والهند واستراليا وأمريكا وهولندة) ثقتها التامة في الزعيم (سوكارنو) المحبوب عند شعبه رئيساً للجمهورية.
لقد شعر العالم بحق الإندونيسيين في الاستقلال، فبادر عمال استراليا ونيوزيلندة إلى تأييده عملياً، فعم الإضراب في مواني الشرق الأقصى، وأيدت هذا الإضراب نقابات عمال الشواطئ الأمريكية كما أعلن وزير الحربية للحكومة البريطانية أن ليس في نية القوات البريطانية التي نزلت الآن في بتافيا مقاتلة الوطنيين الإندونيسيين في سبيل هولندا كما نشرت كل الصحف في حينها. ومع ذلك لم تكن الروابط التي تربط الأمة الإندونيسية وهذه الأمم أية رابطة روحية أو مادية، اللهم إلا شعورها واعترافها بحق هذه الأمة في تقرير مصيرها.
والآن، نوجه نحن الإندونيسيين إلى العالم الإسلامي عامة، وإلى العالم العربي خاصة نداء حاراً، لكي تتذكر الشعوب الإسلامية قاطبة العلاقة الروحية القوية التي تربطها وهذه الأمة الإسلامي - وهي في أدق مواقفها وأحرجها معاً - التي قد عاهدت الله والوطن على أن تدافع عن الاستقلال الذي أعلنته للعالم في التاسع عشر من شهر أغسطس المنصرم بكل ما فيها من عزم وقوة، فيؤيد موقف الشعب الإندونيسي المشروع في تقرير مصير نفسه بنفسه بجميع الوسائل التي ترى أنها أمضاها في تحقيق هذا التأييد وتعترف حكومتها بهذا الاستقلال، فتمد بذلك إلى الحكومة الجمهورية الإندونيسية الجديدة قوة فوق قوتها فتقنع هولندا المستعمرة بعبث محاولتها في العودة إلى احتلالها بالقوة الشنيعة.
وإنا حين نتوجه بهذا النداء إلى الشعوب الإسلامية والعربية لعلى يقين في أنها ملبية نداءنا. وإنها حين تؤكد الحركة الوطنية في أندونيسيا، وحين تعترف حكوماتها باستقلال إندونيسيا لا تخدم القضية الإندونيسية الحقة وحدها، ولكنها تخدم كذلك نفسها بنفسها، إذ بوجود حكومة إسلامية قوية في الشرق الأقصى تتقوى مراكز جميع الحكومات الإسلامية والعربية كلها، وتتحقق لكل منها أمانيها المشروعة. والحكومة الجمهورية الإندونسية لن تنسى أبداً ما تقدمه الشعوب الإسلامية والعربية من التأييد لها وما تفعله الحكومات الإسلامية من الاعتراف بها.
جمعية استقلال إندونسيا
تصويب:
التطبيعات (الأخطاء المطبعية) قبيحة، وأقبحها ما أبدل كلمة بكلمة. ظاهرها صحيح ولكنها تجيء في غير موضعها، فتفسد المعنى على القارئ، وتضيع مقصد الكاتب، وتقوله ما لم يقل، وتحمله ذنبا لا يد له فيه، وقد كثر ذلك في العدديين الأخيرين من الرسالة ولم يكن فيها من قبل.
فمن ذلك كلمة (المفتي) في مقالة (القضاء في الإسلام) العدد (640) الصفحة (1086) العمود (2) السطر (9) وقد وقفت عندها - أنا كاتب المقالة - ولم أفهمها علم الله، واتهمت نفسي حتى رجعت إلى الأصل فإذا هي (المفتش). ومن ذلك هذه الجملة التي جاءت عجباً في ركاكة الأسلوب، وضعف التأليف، في ص (1087) ع (1) س (17) لسقوط كلمة منها وصوابها (هذا الزمان الذي نجد فيه العلماء) كما سقطت كلمة (ذلك) من ص (1086) ع (2) س (25) وصوابها (إذا ولاه الخليفة ذلك) وأنكى من ذلك كلمة (استعار) التي جاءت في الصفحة (1088) ع (2) س (15) كأنها من لغة عرب مالطة وأصلها (استشعار).
هذا وقد نشرت هذه المقالة، وهي القطعة الثالثة من المحاضرة قبل نشر التي قبلها.
وفي مقالة (الموسيقي العاشق) تطبيع آخر شنيع نسيت التنبيه إليه هو (وصف الكلم) في ص (1058) ع (1) س (17) والصواب (رصف الكلم).
فماذا كان يضر المصحح لو رجع إلى الأصل وقابل عليه، وأراح الكتاب والقراء من هذا العناء الذي لا آخر له، فيا أخي المصحح. . . ارأف بنا وبنفسك، فرب عجلة تهب ريثا، ورب راحة تعقب تعبا طويلا!
ويا سيدي الأستاذ الزيات، إليك أشكو فاشكني، فإن ألمي لهذه التطبيعات أشد من فرحي بنشر المقالة، وآثار الكاتب كولده يحبها مهما كانت - ولا يريد بها بديلا - من من الآباء يعطيك عيني ولده بعيني (بهيجة حافظ)؟ فكيف إن أبدلته بهما عيني (الجاحظ)! فكيف إن تركته له بلا عيون؟!
علي الطنطاوي