مجلة الرسالة/العدد 641/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 641 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 10 - 1945 |
1 - خان الخليلي
للأستاذ نجيب محفوظ
2 - سعد بن أبي وقاص
(للأستاذ عبد الحميد جودة السحار)
للأستاذ وديع فلسطين
- 1 -
الأستاذ نجيب محفوظ - كما يعرفه قراء (الرسالة) الزاهرة - شاب أوتى خيالاً خصباً، وعيناً نافذة، وقلماً طيعاً، ومداداً وفيراً، فسخر هذه جميعاً في كتابة القصة وتصوير الحياة الواقعية بما تنطوي عليه من نزعات متضاربات.
ومن أحدث ما جاد به قلم الفتى كتاب (خان الخليلي) الذي أصابه فيه توفيق كبير. وقد نهج في كتابة قصته الضافية الذيول النهج الذي ألتزمه الكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني في (إبراهيم الكاتب). فالكتاب مقسم إلى خمسين فصلا، كل منها صورة أحسن رسمها، فلم تغب في إحداها خفقة قلب أو طرفة عين أو حركة لسان أو بسمة شفتين أو زفرة نفس، لأن الأستاذ محفوظ سكب نفسه في كتابة كل منها سكباً، وعاش في روايته فعرف شخوصها معرفة قرب، وزامل أفرادها ففهم كلا منهم على حقيقته وأدرك ما انطوت عليه نفسه وما أسفر تعنه مظاهره. وربط بين فصولها بإحكام حتى لا ينفلت أحدها من القلادة المتعددة الحلقات التي وصلت بينها وأخرجت من مجموعها صور نابضة بالحياة تنطق صريحة سافرة بأحوال حي من أحياء القاهرة القديمة يتردد عليه الأجانب للمتعة والمصريون للتبرك (بالحسين).
إنها قصة عائلة مصرية متوسطة، فزعت من الغارات الجوية فانتقلت إلى حي خان الخليلي وأمضت فيه دورة كاملة من دورات الأرض حول الشمس، شهد أفرداها فيها عجباً. فالابن الكبير - أحمد عاكف - الذي كان يركن إلى مكتبته يقلب كتبها ويدرب نفسه عبثاً على درسها وهضمها؛ طابت له عشرة أهل الحي والسهر معهم في قهوة الزهرة، وخفق قلبه للحب وهو بعد كهل في الأربعين، ولكن المقادير شاءت ألا ينعم بالفتاة التي يهوى والأليف الذي أستحوذ على عواطفه وملك جنانه. ورشدي - الابن الأصغر - شاب حديث العهد بالتخرج في الجامعة ينقاد وراء دوافع بدنه فيغترف من اللذاذات غير عابئ بصحته التي ناءت بهذا الحمل وأخذت تتهالك تحت الضغط الشديد الذي يفرضه عليها. ولم يكتف بالحب الآثم، بل سولت له نفسه الفتية أن يسطو على الفتاة التي كادت أن تصبح من نصيب أخيه أحمد، ولكنه ظل سادراً في غيه، سائراً في طرق ضلاله، فأصيب بداء الدرن الرئوي وقضى نحبه - وهو الشاب المرح المفعم بالنشاط الدائب الحركة - ولم يستطع أبواه أو أخوه، ولم يفلح الطب أن يحفظ زهرة حياته التي ما شرعت تتفتح حتى قطفت من كمها وطمرت بين أطباق الثرى.
والقصة التي دبجها الأستاذ نجيب محفوظ تمتاز بميزتين عدا مزية الرواية نفسها. ففيها وصف رائع لليالي رمضان في حي خان الخليلي، وفيها وصف للغارات الجوية التي تعرضت لها قاهرة المعز من ثلاثة أعوام، وهي حقبة من الزمن لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الغابر، وعسى أن لا تكرر في ما يجئ من السنين. والمؤلف قدير على جلو المعاني، خبير بخوالج النفس، استطاع أن يجعل من كتابه تزاوجاً بين السخرية والتهكم من ناحية، والجد من ناحية أخرى. وجمع بين اللهو والمزاج والعبرة والدروس. وهو في هذا وذاك لا يخلو من فكاهة مستملحة ودعابة طريفة.
إنها الحياة في (خان الخليلي) كما هي بلا (رتوش).
- 2 -
أصدر الأستاذ عبد الحميد جودة السحار كتاباً مترع الفصول عن (سعد بن أبي وقاص وأبطال القادسية) تتبع فيه سعداً منذ ما كان حدثاً يبرى النبل حتى انطلقت روحه إلى بارئها وقد أشرفت على الثمانين أو نحوها.
سيرة رجل كفاح ورجل حرب، قاد جيوش المسلمين في معارك طاحنة فدمر الأعداء، ودخل إيوان كسرى دخول المظفر المنتصر بعدما هزم مملكة الفرس وأنزل بها أقسى الدمار. واستطاع سعد أن يتصدى لجيوش قوية بعضها معزز بعدد من الفيلة الضخمة، وبعضها تتقدمه الأسود الضاريات، غير أنه ما تهيب ولا جزع، بل هجم عليها وبددها، فسرت روح الهزيمة والهلع بين جنود العدو وردوا على أعقابهم مخذولين.
وسعد علاوة على ذلك ابن بار بوالدته مخلص لدينه الجديد. وعلى الرغم من أمه لم ترض له الخروج على دين آبائه وأجداده وهددته بالصوم عن الطعام إذا أوغل في (غيّه) وتبع الدين الجديد، إلا أنه استطاع بلباقة وحصافة أن ينتزع من بين حنايا أمه غضبها، ويوفق بين شئون الدين والدنيا.
ثم هو صديق صدوق، لطيف المعشر، يوثق به ويعتمد عليه. شجاع لا يهاب القوة، ولا يخشى الضيم، سبّاق إلى المكرمات، عدّاء في ميادين البطولة، لا تلين له قناة ولا يفتر له عزم أو يصد عن قرار اتخذه. وفيّ لخلانه وصحبه حتى إنه نهر معاوية لأنه شرع يسب علياً، وأقسم يميناً مغلظة ألا يدخل داره مدى الحياة.
هذه الشخصية الفذة التي شهدت مولد الإسلام وعاصرت فتوته وأرست دعائمه وساهمت في نشر رسالته في بلدان شتى، وهذا البطل المقدام الذي رضى طوعاً بالجهاد والنضال والصراع والتشريد والتجريح والتعرض للأخطار، وهذا المؤمن الذي لم يدخر وسعاً في البدن أو المال أو الوقت إلا أوقفه على خدمة دينه، جدير ولا ريب بأن تسرد سيرته مفصلة، وتنشر في أسلوب عربي بليغ وإحكام روائي صادق، وتبويب زمني مرتب، على أحفاد العرب الأولين.
وقد بلغ الأستاذ عبد الحميد السحار القمة في تبيان مناحي شخصيته الفريدة ووصف ميادين الوغى وأساليب القتال ومصارع الرجال. وفي ختام كتابه أورد السحار خلاصة وافية لحياة سعد ابن أبي وقاص عرضت في ذهن الشيخ سعد كما يعرض الشريط السينمي على الشاشة البيضاء، فأغمض عينيه وقد اكتحلتا بنشوة الماضي وذكريات الشباب وأحداث الصبي وجد الظفر
(وانبهرت أنفاسه وخرج نفس ما عاد غيره، فقضى سعد نحبه في قصره بالعقيق على مسيرة عشرة أميال من المدينة. ولما بلغ أهل المدينة خبر موته، انطلق الرجال إلى داره وجهزوه. . . وتوجهوا إلى البقيع ليقبروا آخر أهل الشورى ودمعهم جار وحزنهم عميق).
وديع فلسطين