مجلة الرسالة/العدد 636/هذا العالم المتغير
→ الشرق كما يراه الغرب | مجلة الرسالة - العدد 636 هذا العالم المتغير [[مؤلف:|]] |
القصص ← |
بتاريخ: 10 - 09 - 1945 |
للأستاذ فوزي الشتوي
ملابسك من الفول السوداني
ولا تعجب. فيستطيع علم الكيمياء الآن أن يحول كل ما يقع تحت حسك من مواد إلى مواد جديدة لا تتصور نشوءها منها. وقد لا يطول الزمن أيضاً حينما يتحقق حجر الفلاسفة فيحول الكيمياويون الرصاص أو القصدير وربما التراب إلى ذهب. فلم يعد علم الكيمياء الآن ينظر إلى مظاهر المواد بل إلى خواصها وجواهرها.
والحرير والصوف اللذان تشاهدهما كل يوم ليسا إلا أنسجة زلالية أي أن أساسها مثل زلال البيض الذي لا ترى بينه وبين الصوف أية صلة. وقد ظهرت في السواق التجارية منسوجات صناعية. ولا تمر شهور حتى تكون بعض ملابسك من هذه المواد وأحدها النسيج الحديث المعروف باسم (الأرديل) الذي يصنع من زلاليات الفول السوداني.
وأول نسيج صناعي ظهر في المجال التجاري من أصل زلالي هو القماش المعروف باسم (لانيتال) وهو يشبه الصوف في كثير من خواصه وساعد على رواجه وصقل صناعته حرب إيطاليا والحبشة وتوقيع العقوبات الاقتصادية على الأولى وحرمانها من الخامات والمواد الأولية وقد استخرج هذا النسيج من اللبن بعد عدة عمليات كيماوية تعرف باسم عملية فيرتيتي.
واشتدت الحاجة بإيطاليا إلى المنسوجات لتزويد جنودها بالملابس فسعى علماؤها إلى صنعها من (شرش) اللبن، ولاسيما أن حرمانها من تصدير الجبن وفر لديها مواد اللبن مما شجع على صقل صناعة اللانيتال.
ولفتت هذه المغامرة الإيطالية أنظار علماء العالم فرض كورتولد في عام 1938 في أحد معارض مانشستر أنسجة صناعية. وظهرت في أمريكا أنسجة عرفت باسم (أرلاك).
أما نسيج الأرديل فيرجع أول عهد التفكير العلمي فيه إلى عام 1930 حين قال الدكتور أوستبوري من جامعة ليدز بأنه من الميسور تحويل زلاليات الفول السوداني إلى أنسجة؛ وقد أيده في قوله البروفسور سيبتال من جامعة كمبردج وكان مشهوراً بسعة معارفه عن خواص زلاليات النباتات.
وبدأت سلسلة من التجارب لإذابة زلاليات البذور واستخلاص الألياف منها حتى تكللت التجارب بالنجاح وحصلوا على ألياف تشبه الصوف في كثير من خواصها.
وانتقلت عدوى البحث إلى معهد الصناعات الكيماوية الإمبراطوري وبدأ تجاربه بطرق مثالية يختبر صلاحية البذور المختلفة ليدرس كمية الزلاليات التي تصلح في كل منها لإنتاج الألياف المرموقة.
واستمرت التجارب فترة تيسر فيها فصل مواد الفول السوداني وأتيح منها الحصول على الألياف المطلوبة وعلى استخراج نوع من زيت الأراشيس الذي يصلح في عمل المسلي الصناعي. ووجد أنه يحتوي على 28 % من وزنه من الزلال ومن 48 إلى 50 % من زيت الأراشيس وعلى 11 % من مواد نشوية وسكرية.
ومعنى هذا إنه يمكن استغلال كل مادة الفول السوداني لأن المواد النشوية والسكرية غذاء جيد لكافة الحيوانات كما أن الطن من الفول يصلح لإنتاج 500 رطل من ألياف الأرديل في لون (كريم).
واختيرت خواص الألياف الناتجة فوجد أنها تمتص الرطوبة مثل الصوف ولها قدرته على التدفئة وغيرها من الخواص التي تميز الصوف عن غيره من الألياف.
وانتقلت التجارب إلى مرحلة صنع القماش من الألياف الجديدة فأثبتت أن أفضل طريقة لاستخدامها هي خلطها بمقدار مساو لها من الصوف وعلى هذا الأساس يتعذر على أي إنسان أن يفرق القماش الجديد من قماش الصوف الصافي وإن كان في الواقع يفضله لأنه أرخص منه في أسعار الإنتاج.
واتجهت تجارب الأمريكيين إلى ناحية أخرى فأقبلوا على دراسة زلاليات الذرة التي تعد قليلة القيمة من الناحية الغذائية، ومن ثم تفرعت الأبحاث في كل اتجاه وهدفها استغلال المواد القليلة الاستغلال وخاصة المواد التي تعتبر عديمة المنفعة مثل التالف من الصوف والحرير والجلود وجلود الحيوانات وريش الطيور وكل ما يحتوي على مواد زلالية.
والمعروف أن العلماء توجهوا من زمن بعيد إلى البحث عن ألياف تصلح للنسج من المعادن وهو ما يعرف (بالنيلون) وهو يختلف عن البحث الذي نحن قبله بأن بحثنا نباتي محض.
واتجه البحث في ألمانيا قبل نشوب الحرب إلى ناحية أخرى إذ جرب العلماء استخراج ألياف مشابهة للصوف من السمك. وكانت خلاصة أبحاثهم الحصول على خليط من الزلال والسيلولوز.
ومن الطبيعي أن جميع المواد الغذائية التي نتناولها تصلح مادة جيدة لهذه التجارب وخاصة اللحوم؛ كما حاول بعض العلماء في النمسا. ولكن بعيدي النظر يفضلون الاقتصار في تجاربهم على المواد القليلة الغذائية أو البقايا التي يتخلص منها الإنسان.
على أنه من الثابت أن المنسوجات الصناعية التي تستخرج من هذه المواد التالفة ستكون بالغة الأثر في الميدانين الاقتصادي والتجاري نظراً لرخص أسعارها، وفي كثير من الأحوال لجمال مظهرها وقابليتها لإظهار مودات جديدة.
زرع بدون تربة
لم تعد رمال الصحراء عديمة الفائدة من الناحية الزراعية. فبفضل الأبحاث الكيمائية الزراعية الأخيرة التي أجرتها بعض المعاهد الأمريكية تيسر الاستغناء عن التربة وزرع المنتجات الزراعية في الصخر على أن تغذي البذور بالمواد الكيماوية الضرورية لحياتها.
وظهرت هذه الحاصلات بكثرة ساعدت كثيراً على توفير المواد الغذائية للقوات المحاربة. وطريقة الزراعة الكيميائية هي نثر البذور في طبقة من الحصى والرمال والأحجار سمكها عشرة سنتيمترات تمهد مائلة وتنتهي مساحات أرضها بمجموعة من الحفر تزود بالطلمبات التي تمتص محلولها المحمل بالمواد الكيماوية اللازمة ثم ترسلها في أنابيب تفرغها في أعلى المنحدر الزراعي فتأخذ منه البذور كفايتها ثم يعود الباقي إلى الحفر ليعاد امتصاصه وتفريغه على البذور عدة مرات كل يوم.
لا حرث ولا عزق
ومن فوائد هذه الطريقة الاستغناء عن حرث الأرض وعزقها كما أنها تعرض جذور النبات للهواء فيحصل على مقدار وافر منه وتقل في حقول النباتات الكيميائية الحشرات الضارة.
وأنتج الفدان الواحد من الأرض بهذه الطريقة 250 طناً من الطماطم و500 بوشل من البطاطس ووفرت عشرة في المائة من النفقات الزراعية التي تتكفلها الأرض العادية.
وأجريت التجارب التحليلية لمعرفة المحتويات الغذائية للحاصلات المزروعة بالطريقة الكيميائية فظهر أن كمية الفيتامينات الموجودة في السبانخ والطماطم توازي ثلاثة أضعاف الكمية الموجودة في مثيلاتها من مزروعات التربة.
وبتحليل مائة رطل من التين وجد أنها تحتوي على 12 رطلا من البروتينات و40 من الكربونات و20 من السيلولوز و10 من الفورفورال و 8 من اللجنين و10 من الهومس وثمن هذه المواد يوازي أربعة أضعاف ثمن التين كله.
ويسرت هذه الطريقة على رجال الصناعة في أمريكا سبيل الحصول على كثير من المواد الصناعية كالبترول والمطاط وغيرهما من المواد الضرورية التي ما زال أمر الحديث فيها من الأمور العسكرية. على أن طريقة الزراعات الكيميائية ستحدث انقلابا كبيراً في عالم الزراعة والصناعة بعد الحرب كما ستخفض ثمن المواد الغذائية تخفيضاً كبيراً.
فوزي الشتوي