الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 631/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

مجلة الرسالة/العدد 631/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

بتاريخ: 06 - 08 - 1945


للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 11 -

ج18 ص168:

لو سعت بقعة لإعظام أخرى ... لسعى نحوها المكان الجديب

قلت: (لو سعت بقعة لإعظام نعمى) والبيت لأبي تمام من قصيدة في محمد بن عبد الملك الزيات، وقبله:

ديمة سمحة القياد سكوب ... مسِتغيث بها الثرى المكروب

وبعد ذاك البيت:

لذَّ شؤبوبها وطاب فلو تَسْطيع ... قامت فعانقتها القلوب

ج19 ص208: قال المؤيد الالوسي في صفة القلم:

ومثقف يغني ويفنى دائماً ... في طورَى الميعاد والإيعاد

فلم يفل الجيش وهو عرمرم ... والبيضَ ما سُلّت من الأغماد

وُهِبَتْ به الآجاْم حين نشابها ... كرم السيول وهيبة الآساد

قلت: (والبيضُ) وهذا ظاهر.

(وهبت له الآجام حين نشابها) وقد جاء (الالوسي) بفتح الهمزة في الكتاب، وهو بضمها كما ورد في (وفيات الأعيان). قال إبن خلكان: هذه النسبة إلى ألوس، وهي ناحية عند حديثة عانة على الفرات. وفي (معجم البلدان): (ومهفهف) مكان (ومثقف) وفيه وفي (الوفيات): (يغني ويقني) ويقنى مثل يغنى، وعندي أن الأصل (يقنى ويفنى) قال إبن خلكان: ولقد رأيت هذه الأبيات منسوبة إلى غيره (إلى غير المؤيد) ولم يقل في القلم أحسن من هذا المعنى

ولبعضهم في القلم أيضاً وهو من هذا المعنى:

وأرقش مرهوب الشباة مهفهف ... يشتت شمل الخطب وهو جميع

تدين له الآفاق شرقاً ومغرباً ... وتعنو له ملاكها وتطيع

حمى الملك مفطوماً كما كان تحتمى ... به الأسد في الآجام وهو رض قلت: (في حياة الحيوان الكبرى) للدميري: (مرهوف الشباة) وهي أصح، وكانت (ملاكها) في طبعة (الوفيات) (أفلاكها).

ج10 ص77:

عناءً مُعِنّ وهو عنديَ راحة ... وسم زعاف، طعمه في فمي حلو

قلت: (مُعنّ) وهو من (عنّي يعنّي) في القاموس في (عنى): وعناء عان ومعنٍ مبالغة. وفي اللسان: وعناء عان ومعن كما يقال: شعر شاعر وموت مائت، قال الأعشى:

لعمرك ما طول هذا الزمنْ ... على المرء إلا عناء مُعنْ

والبيت الواوي هو لصاحب اللامية التي يقول فيها:

وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل

ج4 ص54: وله (لأحمد بن علي الأسواني) تآليف ونظم ونثر التحق فيها بالأوائل. قتل ظلماً وعدواناً في محرمٍ سنة اثنتين وستين وخمسمائة. وله تصانيف معروفة لغير أهل مصر، منها كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي: تشتمل على علوم كثيرة.

قلت: في الصحاح: والمحرم أول الشهور. وفي المصباح؛ أدخلوا عليه الألف واللام لمحاً للصفة في الأصل، ولا يجوز دخولهما على غيره من الشهور عند قوم وعند قوم يجوز على صفر وشوال. وفي شفاء الغليل: محرم بدون الألف واللام نصوا على إنه ممنوع لأنه علم بالغلبة فتلزمه اللام أو الإضافة واستعمله أبن الرومي مضافا في قوله (محرم الحول في تقدمه).

وكتاب الأسواني اسمه (أمنية الألمعي ومنية المدعي) وهو مقامة طويلة وصف فيها منشيها عشرين علما وشرحها. وقد (اختصر هذا الشرح من الأصل مع زيادات في بعض المواضع) العلامة الكبير المصلح الأستاذ الشيخ طاهر الجزائري.

ج17 ص91: أنشدنا (المحسن بن الحسين العبسي الوراق) لنفسه فيه (في مبارك الكاتب):

مباركٌ بورك في الطول لك ... فأصبحت أطول من في الفلك

ولولا انحناؤك نلت السما - ءَ ولكن ربك ما عدّلك

قلت: مبارك - بضمة واحدة وهو منادى - وللوزن، والهمزة في أول العجز في البيت الثاني، مكانها في الصدر في السماء.

ج18 ص131: كان أبن دريد قد أملى الجمهرة في فارس ثم أملاها بالبصرة وببغداد من حفظه. . . فلذلك قلما تتفق النسخ، وتراها كثيرة الزيادة والنقصان، ولما أمله بفارس غلامه تعلم من أول الكتاب، والنسخة التي عليها المعول هي الأخيرة.

قلت: ولما أمله بفارس علامة تعلم من أول الكتاب

ج16 ص184: وللفتح بن خاقان (وزير المتوكل العباسي):

أيها العاشق المعذب صبراً ... فخطايا أخي الهوى مغفورة

زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحَجّة مبرورة

قلت: حجة بالكسر في الفصيح والصحاح واللسان والقاموس. وفي اللسان: روي عن الأثرم وغيره: ما سمعنا من العرب حج حجة. وروى عن الكسائي مثل ذلك. وفي النهاية: الحجة بالفتح المرة الواحدة على القياس. وقال الجوهري الحجة بالكسر وهو من الشواذ. وفي التاج: فتبين أن الفعلة تقال بالوجهين الكسر على الشذوذ. وقال القاضي عياض لا نظير له في كلامهم، والفتح على القياس.

قلت: الكسر خير. وقد قال الأثرم والكسائي ما قالاه. ثم استغفر الله من رواية البيتين.

ج4 ص231: تقدم رجلان إلى القاضي أبي أحمد بن أبي علان - رحمه الله - فادعى أحدهما على الآخر شيئا فقال المدعى عليه: ما له عندي حق. فقال القاضي من هذا؟ فقالوا: أبن هارون النحوي العسكري. فقال القاضي: فأعطه ما أقررت له به. . .

قلت: (ما له عندي حق) بضم اللام، وقد قالها عامية، فورط المسكين نفسه في بلية. وما كان له - وهو العالم اللغوي النحوي - أن ينطق بغير صحيح. وإني لأتيقن إنه راح يردد - وهو يحمل تسجيل القاضي - هذا المثل: (إن البلاء موكل بالمنطق) ويلعن لغة العامة ودعاها - إن كان لها في ذلك الزمان دعاة. . . - لعناً كبيراً.

ج4 ص68: ولم أزل منذ حرمت التشرف بخدمته أنطوي على مبايعته، وأتلظى شوقا إلى التسعد بخدمة حضرته التي هي مجمع الوفود، ومطلع الجود، وعصره المحمود.

وجاء في الشرح: (المحمود) في الأصل المنجود، فأصلحت إلى ما ذكر.

قلت: وعصرةُ المنجود. في اللسان: قال أبو زبيد:

صادياً يستغيث غيرَ مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود أي كان ملجأ المكروب. وفي الأساس: هو منجود: مكروب. وتقول: عنده نصرة المجهود، وعصرة المنجود.

و (التسعد) طلب مرعى السعدان. في اللسان: خرج القوم يتسعدون يطلبون مرعى السعدان، وهو نبت ذو شوك، وهو من أطيب مراعي الإبل ما دام رطباً. وفي المثل مرعى ولا كالسعدان.

فهل قاس الكاتب وهو (أحمد بن علي الصفار من فضلاء خوارزم) التسعد على التشرف أم كان الأصل (التيمن برؤية حضرته) أو الاستسعاد أو ما شابه ذلك.

ج17 ص251:

فأتيتُ مُحْتَضَر الجوى قلق الحشا ... وأظل أعذِر في هواكَ وأُعذر

وجاء في الشرح: محتضر أي كالمحتضر القريب من الموت، وأعذر: أي أقبل عذري في هواك، واعذر مجهول: يقبل مني العذر.

قلت:

فأبيت محتضِنَ الجوى قلق الحشا ... وأظل أُعذَل في هواك وأعذَر

ج5 ص114: قال أبو العباس: هذا خطأ البتة.

وجاء في الشرح: في الأصل بتة فجعلتها البتة.

قلت: بتة صحيحة. في الصحاح: لا أفعله بتة ولا أفعله البتة

لكل أمر لا رجعة فيه، وفي النهاية: يقال: بتة والبتة، وفي المقامة الرملية:

طيري متى نقّرت - عن نخلة ... وطليقها بتة بتلهْ

وفي إرشاد الأريب (ج14 ص220) ولئن استفتى الفقهاء لم يكن عندهم منه إلا التعجب. واقتصر المصباح على بتة. ونقل اللسان والتاج كلام الصحاح ولم يدفعاه، وذكروا قول سيبويه: (قعد البتة مصدر مؤكد، ولا يستعمل إلا بالألف واللام) ولم يؤيداه.

ج17 ص273: ومن شعر (محمد بن أحمد بن حمزة شرف الكتّاب)

أما والعيونُ النجل تُصمى نبالُها ... ولمعُ الثنايا كالبروق تخالها

ومنعطفُ الوادي تأرج نشره ... وقد زار في جُنح الظلام خيالها

وقد كان في الهجران ما يزع الهوى ... ولكن شديد في الطباع انتقالها قلت: (أما والعيون النجل تصمي نبالها) (ولمع الثنايا كالبروق تخالها) (ومنعطف الوادي تأرج نشره) (لقد كان في الهجران ما يزع الهوى). فالواو واو القسم.

ج16 ص126: أبو القاسم (محمود بن عزيز العارضي) الخوارزمي الملقب شمس المشرق كان من أفضل الناس في عصره في علم اللغة والأدب لكنه تخطى إلى علم الفلسفة فصار مفتوناً بها ممقوتاً بين المسلمين. وكان سكوناً سكوتاً وقوراً يطالع الفقه ويناظر في مسائل الخلاف أحياناً. وكان الزمخشري يدعوه الجاحظ الثاني لكثرة حفظه وفصاحة لفظه. أقام مدة بخوارزم في خدمة خوارزم شاه مكرماً، ثم ارتحل إلى مرو فذبح بها نفسه بيده في أوائل سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، ووجد بخطه رقعة فيها:

(هذا ما عملته أيدينا فلا يؤاخذ به غيرنا).

قلت: وكان ساكناً سكوتًا وقوراً، في الأساس: فلان ساكن وهادئ ووديع. و (سكون) لم أجدها في مكان. وليس هناك إلا (السكون) حي من العرب كما قال التاج.

ذكرتني قصة (شمس المشرق) بهذين الخبرين.

جاء في (المقابسات) لأبي حيان التوحيدي:

شاهدنا في هذه الأيام شيخاً من أهل العلم ساءت حاله، وضاق رزقه. . . فلما توالى عليه هذا دخل يوماً منزله، ومد حبلا إلى سقف البيت واختنق به، وكانت نفسه في ذلك. فلما عرفنا حاله جزعنا وتوجعنا وتناقلنا حديثه. . . فقال بعض الحاضرين: لله دره! لقد عمل الرجال. نعم ما أتاه واختاره. هذا يدل على عزازة النفس وكبر الهمة. لقد خلص نفسه من شقاء كان طال به. . . مع فاقة شديدة. . . ووجه كلما أمه أعرض عنه، وباب كلما قصده أغلق دونه، وصديق إذا سأله اعتل عليه. فقيل لهذا العاذر. أن كان قد تخلص من هذا الذي وصفت على إنه لم يوقع نفسه في شقاء آخر أعظم مما كان فيه وأهول. . . فلعمري نعم ما عمل! لله أبوه! ما أحسن ما اهتدي إليه، وقوى عليه. وينبغي لكل عاقل أن يدفع إلى ما دفع إليه. . . وان كان قد سمع بلسان الشريعة. . . النهى عن هذا وأشباهه فقد أتى بما عجل الله به العقوبة والعار. . . سبحان الله أما كان يسمع من كل عاقل. . . ومن كل من يرجع إلى مسكة. . . النهي عن مثله والزجر عن ركوب ما هو دونه بكثير. فكيف لم يتهم نفسه، ولم يتعقب رأيه، ولم يشاور نصيحاً له. . . لأنه أمر متى ركب بالظن والتوهم اللذين لم يؤيدا ببصيرة ما عمل فاته التلافي ولم يمكنه الاستدراك. . . وقد قضى العقل قضاء جزماً، وأوجب النظر إيجاباً حتما، أنه يجب ألا يفرق الإنسان بين هذه الأجزاء الملتحمة والأعضاء الملتئمة، وليس هو رابطها، ولا هو على الحقيقة مالكها، بل هو ساكن في هذا الهيكل لمن أسكنه فيه، وجعل عليه أجرة السكنى بعمارة المسكن وحفظه وتنقيته وإصلاحه وتصريفه على ما يعينه على طلب السعادة في العاجل والآجل. وكان سعيه مقصوراً على التزود إلى مبوأ صدق، ولابد له من المصير إليه والمقام فيه. . . على خير غامر وراحة متصلة وغبطة دائمة، حيث لا آفة ولا حاجة ولا أذى ولا حسرة. . . فأما إذا كانت الحال على خلاف هذا، فالشقاء الذي يتردد فيه. . . يكون في وزن ذلك ومقابله.

وجاء في (يتيمة الدهر) لأبي منصور الثعالبي:

لما عاود أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب بخارى من نيسابور. . . وقاسى من فقد رياسته وضيق معاشه قذاة عينه وغصة صدره استكثر من إنشاد بيتي منصور الفقيه:

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا ... في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان لقائه بلقائه ... وفراق كل معاشر لا ينصف

وقال في معناها:

من كان يرجو أن يعيش فإنني ... أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا

في الموت ألف فضيلة لو أنها ... عرفت لكان سبيله أن يعشقا

وواظب على قراءة هذه الآية في آناء ليله ونهاره: (وإذ قال موسى لقومه: يا قوم، إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم). فقال بعض أصدقائه: إنا لله! قتل أبو أحمد نفسه. فكان الأمر على ما قال، فشرب السم فمات!!

قلت: مقالة (الإسلامية) في الانتحار والمنتحرين بليغة. روى محمد بن إسماعيل في جامعه:

(من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)

والقوم في الغرب في هذا الأمر مختلفون، فمنهم من يجبن المنتحر ويضعفه وينتقص خليقته ويعده مسيئاً إلى المجتمع وإلى نفسه، ومنهم من يراه مسيئاً إلى المجتمع أو الدولة لا إلى نفسه، ومنهم من يشجع على الانتحار، ويرى أن المرء إنما يكون عرضاً ولا يكون قصداً، فالأمر في نفسه له.

وروى أرثر شوبنهور في كتابه (في الدين) لأحد حكماء الإغريق ستوبي هذا القول:

على الأخيار أن يعتزلوا الحياة إذا اشتد شقاؤهم، وعلى الأشرار أن يفارقوها إذا عظمت سعادتهم. . .