الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 629/المنطق الوجداني والعقيدة

مجلة الرسالة/العدد 629/المنطق الوجداني والعقيدة

مجلة الرسالة - العدد 629
المنطق الوجداني والعقيدة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 23 - 07 - 1945


للأستاذ سيد قطب

- 2 -

البداهة والبصيرة طريق الإيمان، والمنطق الوجداني أداته في القرآن، كما أقول أنا؟ أم الذهن المجرد طريقه، والمنطق الذهني أداته، كما يقول الأستاذ عبد المنعم خلاف؟

أحب قبل أن أمضي في البحث أن أقرر: أنه لا يجوز أن يجرفنا الجدل إلى تقسيمات جدلية حاسمة لطرق الإيمان وأدواته في النفس البشرية؛ فإننا لن نجد حالة نفسية واحدة تتم بهذه السذاجة في التقسيم. وأبسط الحالات النفسية الساذجة معقد كل التعقيد، ولابد فيه من شتى الاحتمالات

وليست المسألة بيني وبين الأستاذ عبد المنعم قضية جدلية على طريقة المناظرات؛ إنما هي حقيقة نود تجليتها. وأنها ليسرني من غير شك أن ألتقي بالصديق في الطريق

لذلك أحب - قبل كل تعليق - أن أستعرض ما قلته أنا في كتابي (التصوير الفني في القرآن) عن المنطق الوجداني؛ وما قاله الأستاذ عبد المنعم في مقاله الأخير عن (المنطق الذهني)، فمن يدري، فلعلنا متفقان في جوهر الموضوع ولبه، وإن اختلفنا في التعليل وتقرير المصطلحات، وإن يكن يبدو لي أن الخلاف في أساسه خلاف طبيعتين وطريقتين في الإحساس!

استغرق فصل (المنطق الوجداني) من كتابي عشر صفحات، ووردت فيه هذه الفقرات في مواضع متفرقة:

1 - (لقد جاء القرآن لينشئ عقيدة ضخمة - عقيدة التوحيد - بين قوم يشركون بالله آلهة أخرى، ويكون من العجب العاجب عندهم أن يقول لهم قائل: إن الله واحد: (أجعل الآلهة ألهاً واحداً؛ إن هذا لشيءٌ عُجاب! وانطلق الملأُ منهم: أنِ امشوا واصبروا على آلهتكم، أنّ هذا لشيءٌ يُراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق!)

2 - (كانت وظيفة القرآن إذن أن ينشئ هذه العقيدة الخالصة المجردة. وموطن العقيدة الخالد هو الضمير والوجدان موطن كل عقيدة لا العقيدة الدينية وحدها - وأقرب الطرق إلى الضمير هو البداهة، وأقرب الطرق إلى الوجدان هو الحس. وما الذهن في هذ إلا منفذ واحد من منافذ كثيرة؛ وليس هو على أية حال أوسع المنافذ ولا أصدقها ولا أقربها طريقاً.

(وبعض الناس يكبرون من قيمة هذا الذهن في هذه الأيام، بعدما فتن الناس، آثار الذهن في المخترعات والمصنوعات والكشوف، وبعض البسطاء من أهل الدين تبهره هذه الفتنة فيؤمن بها، ويحاول أن يدعم الدين بتطبيق نظرياته على قواعد المنطق الذهني، أو التجريب العلمي!

(إن هؤلاء - في اعتقادي - يرفعون الذهن إلى آفاق غير آفاقه. فالذهن الإنساني خليق بأن يدع للمجهول حصته، وأن يحسب له حسابه، لا يدعو إلى هذا مجرد القداسة الدينية. ولكن يدعو إليه اتساع الآفاق النفسية، وتفتح منافذ المعرفة. (فالمعقول) في عالم الذهن، أو (المحسوس) في تجارب العلم، ليس هو كل (المعروف) في عالم النفس. وما الفكر الإنساني - لا الذهن وحده - إلا كوة واحدة من كوى النفس الكثيرة؛ ولن يغلق إنسان على نفسه هذه المنافذ، إلا وفي نفسه ضيق، وفي قواه انحسار، لا يصلح بهما للحكم في هذه الشؤون الكبار.

(فلندع الذهن يدبر أمر الحياة اليومية الواقعة، أو يتناول من المسائل ما هو بسبب من هذه الحياة. فأما العقيدة، فهي في برجها العالي هناك، لا يرقى إليه إلا من يسلك سبيل البداهة، ويهتدي بهدي البصيرة، ويفتح حسه وقلبه لتلقي الأصداء والأضواء.

(ولقد آمن بالبداهة والبصيرة - وما زال يؤمن - العدد الأكبر من المؤمنين بكل دين وعقيدة في الوجود؛ ولقد ظل علماء الكلام في الإسلام قروناً كثيرة، يبدءون وبعيدون في الجدل الذهني حول مباحث التوحيد، فلم يبلغوا بذلك شيئاً مما بلغه المنطق القرآني في بضع سنين). . .

3 - (لقد عمد القرآن دائماً إلى لمس البداهة، وإيقاظ الإحساس، لينفذ منهما مباشرة إلى البصيرة، ويتخطاهما إلى الوجدان. وكانت مادته هي المشاهد المحسوسة، والحوادث المنظورة؛ أو المشاهد المشخَّصة والمصائر المصوَّرة. كما كانت مادته هي الحقائق البديهية الخالدة، التي تتفتح لها البصيرة المستنيرة، وتدركها الفطرة المستقيمة)

4 - (كانت المشكلة الأولى التي واجهها الإسلام - كما قلنا - هي مشكلة التوحيد مع جماعة تنكر هذا التوحيد أشد الإنكار، وتعده إحدى الأعاجيب الكبار , فلننظر كيف حاجتهم في هذه القضية المعقدة:

(لقد تناولها ببساطة ويسر، وخاطب البداهة والبصيرة، بلا تعقيد كلامي ولا جدل ذهني: (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم يُنشِرون؛ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا. فسبحان الله رب العرش عما يصِفُون؛ لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. أم اتخذوا من دونه آلهة؟ قل: هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي. بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون)

أو: (ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه إله. إذن لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض)

(هكذا في بساطة البداهة التي لا ترى في السماوات والأرض فسادا، إنما ترى نظاماً محكما، لا يكون إلا حين يكون المدبر واحداً قادراً عالماً حكيما.

(وهذه الصورة التي يخيلها - لو كان هناك آلهة - (إذن لذهب كل إله بما خلق) وأنها لصورة مضحكة: أن ينحاز كل فريق من المخلوقات إلى إله. وإن يأخذ كل إله مخلوقاته ويذهب. إلى أين؟ لا ندري! ولكننا نتخيل هذه الصورة فنضحك من فكرة تعدد الآلهة إذا كانت نتيجتها هي هذه النتيجة!)

وهكذا وهكذا إلى آخر ما ضربت من الأمثلة، على سائر ما واجه الإسلام من مشاكل العقيدة، وطريقته في مواجهتها. . .

أما الأستاذ عبد المنعم فيناقش المسألة على النحو التالي، الذي تثبته فقرات من مقاله ننقلها هنا:

1 - (كل ما في القرآن من (منطق، الوجدان في إثبات عقيدة التوحيد أنه ساق القضايا العقلية بتعبير جميل أخاذ حرك به الوجدان والمشاعر مع تحريك الذهن والحكم لصلب كل قضية، ولم يسقها بأسلوب جاف كأسلوب المناطقة الرياضيين الذي تتزاحم فيه المعاني في ألفاظ ضيقة. وأي كلام اعتمد على (الحقائق البديهية الخالدة) وعلى مقدمات ونتائج صحيحة، سواء أكانت محسوسة ومنظورة أم غير محسوسة ومنظورة، فهو منطق ذهني. فإذا جمع إلى صحة المقدمات والنتائج جمال التعبير وروعة الأسلوب وإشراق الطلعة فهو منطق (وجداني) كذلك. منطق الوجدان - وإطلاق (المنطق) هنا تجوز في التعبير - هو الذي يتأثر بالخطابيات والشعر والموسيقى وغير أولئك من ألوان الفن التي لا تعتمد على الحقائق الثابتة، (ونقط الارتكاز الواضحة في عالم البداهة و (الحكم العقلي). والتأثر بهذا المنطق تأثر وقتي لا يترك رواسب في الذهن، ومقاييس تملأ اليد، يستطيع الفكر أن يتحاكم إليها، ولأنها ألوان وظلال ونغمات وأعراض عير ملازمة تنفعل لها النفس انفعال الانقباض أو الانبساط وقتا، ثم يزول تسلطها عليها.

(وليست هذه الأعراض هي طريق إقرار (العقائد) ودعائم الفكر والحياة عند الراصدين المتيقظين الواعين. وخصوصاً الدعامة الأولى، والقضية الكبرى، قضية (التوحيد) التي هي قضية الكون كله وأعظم شئونه! إن الوجدانيات من الخطابيات والشعر والموسيقى وسائل إقناع وقتي للبسطاء، وليست وسائل يقين ثابت للذين يبحثون لعقولهم عن عواصم تستند إليها من طوفان الأهواء والنوازع والوجدانات المتقلبة. . وما كان للقرآن وهو يتصدى لإثبات القضية الكبرى أن يعتمد على (المنطق) الوجداني. وإني أرى الذهن في إثبات العقائد وخصوصاً (التوحيد)، هو أوسع المنافذ وأصدقها وأدقها)

2 - (قلنا أن مسألة المسائل التي دار عليها أكثر جدل القرآن هي عقيدة التوحيد. وأنسب الآيات التي تناولت هذا الموضوع هي آيات سورة الأنبياء، وقد ساقها المؤلف كدليل على ما ذهب إليه، فلنقرأها معاً (وذكر نص الآيات المذكورة هنا في هذا المقال) ثم قال:

(فهل ترى هذه الآيات تركت حجة (ذهنية) يمكن إيرادها للكر على مزاعم القوم ثم لم تفعل؟ (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون) فالإله هو وحده الذي يخلق ويحي وينشر الخلائق من الأرض، فهذا مقطع من مقاطع الاستدلال بكلمة واحدة يدور بها الذهن في استعراض سريع للأرض وكائناتها للبحث عن حي مخلوق واحد لغير الله فلا يجد. وأنه للدليل الاستقرائي بعينه! ذلك الذي بنى عليه (بيكون) الفلسفة الاستقرائية الحديثة. وأنه للدليل المفضل عند المربين وعلماء النفس)

(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، وهذا مقطع آخر من مقاطع الاستدلال في كلمة واحدة أيضاً. . . وأنه للدليل التطبيقي بعينه! أحد ضروب الأدلة الكبرى، يطبق فيه العقل في ظروفه المتسعة، ما يدركه من لوازم تعدد الرياسات وفساد الأمور إذا تولتها أيد متعددة سيكون بينها بالطبع ما يكون بين المتعددين، ولا يمنع خلافهم وتحاسدهم أنهم آلهة في طباع مختلفة عن الآدميين. فإن التصور البشري لا يستطيع أن يجرد الآلهة من صفات الناس لأنه لا يملك غير منطقة فهو معذور!)

(فسبحان الله رب العرش عما يصفون)! ذلك موقف وجداني فيه انفعال وتقزز من تلك الدعوى، وتنزيه لله عما وراءها من أزمات ومحرجات. وهو موقف معترض للإسراع بالتنزيه تعود الآيات بعده إلى الاستدلال: (لا يسال عما يفعل وهم يسألون) وهذا مقطع آخر فيه ضرب عظيم من ضروب الاستدلال هو الدليل العملي الواقعي، وهو كذلك أحد ضروب الأدلة الكبرى، وله في الفلسفة العصرية المقام الأول، إذ به تسير الحياة العملية، وهو محور الاجتماع. . .

(فما دام الواقع أن جميع الآلهة المزعومة مَلَكَ الناسُ أن يواجهوها بالمسؤولية والمحاكمة، فلا يصح أن تكون آلهة ما دامت تقع عليها الدينونة. . . ولكن الذي خلق السماوات والأرض، لا يملك عابد له أن يرفع عينه إليه بمسؤولية، بل ليس له إلا التسليم والإذعان ما دام عاجزاً عن الهرب من أقطار السماوات والأرض)

(أم اتخذوا من دونه آلهة. . . قل هاتوا برهانكم!). . . (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) وهذا مقطع عظيم أيضاً من مقاطع الاستدلال هو ما يسمونه (الدليل التاريخي) إذ أن التاريخ لم يثبت حياة رسول جاء قومه بغير الوحدانية. . . إذا فقد سد القرآن مجالات القول والاستدلال أمام المشركين حتى اثبت أنهم لا يستندون في دعواهم إلى أي حق، وإنما إلى التكبر والجهل والإعراض. وكان هذا الختام (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) نتيجة منطقية ذهنية واضحة لمقدمات واضحة أخذت بضروب الأدلة جميعاً ولم تترك مفراً لجدل مجادل)

1 - وبعد: فلا بد أن يكون القارئ قد لاحظ اختلافاً في تعريف (المنطق الوجداني) حسبما بسطته وعنيته، والتعريف الذي يضعه له الأستاذ عبد المنعم ليبني عليه اعتراضاته. ولاشك أنني غير ملزم بتعريف الأستاذ، فأنا لم اترك الاصطلاح الذي وضعته بلا شرح معيِّن، وعلى هذا الأساس يجب ن تدور المناقشة.

فهو يعرفه بأنه (الذي يتأثر بالخطابيات والشعر والموسيقى وغير أولئك من ألوان الفن التي لا تعتمد على الحقائق الثابتة ونقط الارتكاز الواضحة في عالم البداهة والحكم العقلي).

بينما أنا قد أسلفت أنه يعتمد - فيما يعتمد عليه - على الحقائق البديهية الخالدة، التي تتفتح لها البصيرة المستنيرة وتدركها الفطرة المستقيمة. كما كررت أنه يلمس البداهة ويوقظ الحس، ليتصل منهما بالضمير وبالوجدان.

فالأستاذ عبد المنعم يرتب مثالبه كلها للمنطق الوجداني على أساس صورة خاصة في تعريفه لهذا المنطق غير التي عنيتها بوضوح. ولست أنا المسؤول طبعاً عن ترتيب الأمور على هذا النحو الذي يبدو واضحاً عند الموازنة بين ما قلت هنا وما قال!

على أنني أحب أن أقول له هنا: إن الشعر والموسيقى والفنون ليست خواء كلها من الحقائق الخالدة - كما يصورها - ولو خلت من هذه الحقائق ما عاشت وما حسبت فناً صادقاً، فنحن في حاجة إلى أن نوسع آفاقنا عند النظر للفن الصادق، فنجده يلتقي في النفس بينابيع العقيدة على نحو من الأنحاء. وإلا كان فناً مزيفاً لا يعيش، وزخرفاً ظاهراً تزيفه الحياة

2 - وأما الاستدلال المنطقي كما أورده في الآيات، فأحب أن أقول عنه: إن القرآن كان أعرف بالنفس البشرية من الأستاذ عبد المنعم، فلم يسق الأدلة كما ساقها هو، وإلا لكانت متهافتة من وجهة المنطق الذهني نفسه. فهي في سياق القرآن شئ يتصل بالفطرة على استقامتها، فترفض الأوجه المنطقية الزائفة، وتؤمن بالوجه الواحد الصحيح منها إيمان اقتناع وتسليم، وهي في سياق الأستاذ عبد المنعم محاولات ذهنية لا تستقيم على الجدل كما يأتي:

(أ) يقول الأستاذ عن مقطع الآية الأول: (فالإله الواحد هو وحده الذي يخلق ويحي وينشر الخلائق من الأرض. الخ) أفلا يعلم أن قضية البعث كانت من القضايا الكبرى التي تولى القرآن إثباتها لهؤلاء القوم. فكيف يجعل منها دليلا على وحدانية الله هنا - ولو كان منطق الذهن الجدلي هو المحكم - بينما هي نفسها موضع جدل طويل، وليست لإحداهما سابقة على الأخرى بل هما مظهران لقضية واحدة تثبت بطرفيها، أو تتهافت بطرفيها.

(ب) ويقول عن فساد الأرض لو تعدد الآلهة: (فإن التصور البشري لا يستطيع أن يجرد الآلهة من صفات الناس لأنه لا يملك غير منطقه هو فهو معذور). . . أفلا يعلم أن القرآن ذاته قد كلف التصور البشري أن يؤمن بأن الله (ليس كمثله شئ)! فكيف كان يكلفه هذا لو لم يكن في طاقة الإنسان أن يتصوره بوسيلة من الوسائل، وأنه ليؤمن بهذا لا عن طريق المنطق الذهني، ولكن بالبداهة، وبالصلة الخفية بين الإنسان المحدود والإله غير المحدود. تلك الصلة التي يعتمد القرآن على إيقاظها في الحس كالومض السريع فيؤمن المؤمن ويستريح! ولو عهد بها إلى الذهن لما استطاع تصورها كما يعترف الأستاذ عبد المنعم.

(ج) وعن مسؤولية الآلهة. أفلا يرى الأستاذ أن كلامه لا يثبت شيئاً ولا ينفيه، فمسؤولية الآلهة أمام عبادها هي مسؤولية نظرية من جانب واحد، لا تحفل بها الآلهة ولا تجيب سائليها. وكثير من الناس يحاكم الله مثلها - والله تعالى عنها - ولم يذكرها القرآن للجدل هنا. ولكن ذكرها للتقرير والتأثير الوجداني بهذا التقرير.

(د) ثم الدليل التاريخي كما يراه في (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) فلو سرنا في الاستدلال على طريقة الأستاذ عبد المنعم لقلنا: إن هؤلاء القوم لم يؤمنوا إلا بهذا الذكر ولا يذكر من قبله. فكيف يحاسبون بما لم يؤمنوا به، وهو نفسه موضع الجدل؟

إن القرآن يا سيدي لم يرد الأمر على النحو الذي تريد. . . وأنه لأفطن للنفس البشرية وأعرف بدروبها ومسالكها، وأنه ليأتي هذه النفس من منافذها الواسعة جميعاً، لا من كوة الذهن المحدود وحدها هذا، الذهنِ الذي يعجز عن تصور صفات الإله لو عهد بها إليه! وإن في كل نفس بشرية - ما لم تفسد فطرتها - لمنافذ ومسارب تصلها بالحقيقة الأزلية الكبرى، والأديان وحدها هي التي تلتفت لهذه المنافذ والمسارب جميعاً، فتصل الناس بالخالق في يسر جميل، معتمدة على البداهة والبصيرة والحس والوجدان وسائر القوى الإنسانية ومن بينها الذهن الذي هو إحدى هذه القوى وبعدها جميعاً فلا نكبر من قيمة هذا الذهن المحدود، ولا نتجاوز به الحدود. . . والسلام:

سيد قطب