مجلة الرسالة/العدد 628/مشروع السنوات الخمس
→ سيباي الكافلي | مجلة الرسالة - العدد 628 مشروع السنوات الخمس [[مؤلف:|]] |
الحياة الأدبية في الحجاز ← |
بتاريخ: 16 - 07 - 1945 |
للدكتور محمد مأمون عبد السلام
وكيل قسم أمراض النباتات بوزارة الزراعة المصرية
تراعي الحكومات الديمقراطية في وضع مشروع السنوات الخمس أن تكون أغراضه محددة لسياسة التعمير وموجهة لزيادة الثروة الأهلية ورفع مستوى الشعب عامة من الوجهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا أن تكون نتيجته استفادة فئة قليلة على حساب أغلبية الشعب؛ لذلك توضع برامجه على ما لدى الدولة من الموارد الطبيعية والأيدي العاملة وعلى احتياجات الشعب ليعم منفعه كافة أفراده من غير تمييز.
فيجب أن يتمشى المشروع مع ازدياد عدد السكان والتقدم في الآلات الحديثة ووسائل الإنتاج، وأن يستعان في وضع برامجه بما ينبغي أن يكون لدى الدولة من أرقام إحصائية حقيقية دقيقة عن موارد ثرواتها على اختلاف أشكالها وعن تعداد سكانها ومبلغ زيادتهم السنوية وعن حالتهم واحتياجاتهم أي معاملاتهم الداخلية والخارجية وعن الإنتاج المحلي ليعمل المشروع على زيادته لكفاية الشعب واستغنائه عن الاستيراد الخارجي واستقلال البلاد بنفسها لنفسها
والواجب أن تبنى أسس المشروع على تقدير مستوى المعيشة الواقعي لجمهور الشعب تقديراً صحيحاً لا اجتهاديا وعلى مدى ثقافة الشعب وحالته الصحية، وعلى كافة العيوب التي تؤثر في حياته كعيوب المدن والقرى والعرب والمساكن والطرق، وعيوب الإنتاج وبالاختصار على جميع أوجه النشاط الزراعي والصناعي والاجتماعي
فالواجب أن توضع برامج مشروع السنوات الخمس لمصر نتيجة لدراسات عميقة تشمل شتى نواحي الحياة فيها، وأن تتعاون في وضعه كافة الهيئات الحكومية والأهلية، وأن تنفذ برامجه طبقاً لدراسات صحيحة مبنية على أرقام حقيقية لكافة العيوب والأمراض التي لابد من استئصالها لتبني الأمة المصرية حياتها الجديدة على أساس موضوع لغرض قومي معين غير متأثر بأي مؤثر داخلي أو خارجي، فيجب أن تتمشى برامج الري والصرف مع إصلاح الأراضي وزراعة الوات وتوزيع الفائض من السكان فيها توزيعاً عادلا لاستعمارها. وينبغي أن يوضع برنامج الإصلاح الزراعي للبلاد على أساس تعديل الملكية لينتفع الشعب بالأرض انتفاعاً شعبياً يؤدي إلى رفع مستوى الإنتاج بمساعدة الوسائل الحديثة الميكانيكية والكيميائية والبيولوجية فيوزع الإنتاج توزيعاً يتفق مع مجهود الأيدي التي أنتجته.
والواجب أن يضم المشروع برنامجاً خاصاً للبحوث الزراعية بحيث يكون موحداً بين الأقسام الفنية المختلفة لوزارة الزراعة والهيئات الزراعية الأخرى كالجمعية الزراعية والكليات الزراعية ومعاهدها على أن يكون الغرض الأسمى من هذه البحوث كفاية الشعب من الطعام الصحي الرخيص ومن المواد اللازمة لراحته في الملبس والمسكن وذلك بإنتاج الحاصلات الوفيرة الريع التي تقاوم الآفات والأمراض، وأن يعطى الشعب كفايته من الخضر والفواكه واللحوم والبيض والألبان ومشتقاتها بأثمان رخيصة تتمشى مع نفقات الإنتاج لا مع جشع المنتجين والوسطاء أي التجار. وأن يكون من أغراض المشروع تخزين المحصولات بالطرق الحديثة التجمعية التي تضمن سرعة علاجها وسهولة توزيعها على مناطق الاستهلاك بأقل النفقات. وأن تنشأ مصانع للآلات الزراعية التي تحتاجها البلاد في تطورها الزراعي المرتقب. وأن ينتفع بجميع موارد الطاقة الموجودة عاطلة في البلاد لمصلحة الأمة عامة وذلك بتوليدها من مجاري المياه ومن الرياح وأشعة الشمس ومن آبار البترول وأن تستخدم في الزراعة وفي تنفيذ المشروع الصناعي بصفة شعبية وأن ينتفع بفوائض الحاصلات في التغذية وفي الصناعات كصناعة الورق والخشب الصناعي واستخراج الكحول والنشا وغاز الوقود والإضاءة فيمكن مثلا أن ينتفع ببقايا الذرة في مناطق زراعتها في توليد غاز الاستصباح والوقود واستخدامه في المدن والقرى والعزب.
والواجب أن يوضع برنامج الصناعات لأغراض وطنية ولمنفعة الشعب عامة على أساس مدروس فترفع مستوى معيشته وتغنيه عن المصنوعات الأجنبية فتؤسس الصناعات التي تتوفر خاماتها في البلاد كصناعات الزجاج والنسيج والورق وبعض الصناعات الكيميائية والطبية والصناعات المعدنية لوفرة خامات المعادن في صحارينا وصناعة الآلات الزراعية والأسمدة الصناعية والصناعات الزراعية المختلفة وغيرها.
ويجب أن يشمل مشروع الإصلاح الاجتماعي وقاية البلاد من شرور المدنية الغربية التي أخذت كيان الأسرة المصرية بشكل واضح فيوجه الشعب ذكوراً وإناثاً التوجيه السليم الصحيح الذي يتفق مع آدابه الموروثة التي حددتها له عاداته وعقائده. وأن يوجد الزي لما له من التأثير السيكولوجي في داخل البلاد وخارجها. وينبغي أن تؤمن الأيدي العاملة على حياتها في الصحة والمرض، وعلى مستقبلها ومستقبل أولادها، وأن يوضع البناء الاقتصادي للبلاد على قواعد تمنع البطالة وتضمن تشغيل كل يد عاملة فيما تجيده من العمل المنتج. وأن يجعل مساعدة المحتاجين على أساس ما لهم عند الدولة من حقوق لا على قاعدة الإحسان. فالواجب أن تلغى الأوقاف بحيث لا يكون لها أي أثر في البلاد وتنظم المساعدات على الأسس الشعبية الحديثة.
والواجب أن ينظم التعليم على أساس مطالب العمل والاستعداد الفطري للأفراد فيوجه الطلبة للمهن المختلفة بحسب ميلهم الغريزي وأن تعطى كل مهنة وحرفة كفايتها من المتخرجين بحسب احتياجاتها وبذلك تعطى البلاد كفايتها من الأطباء والمهندسين والميكانيكيين والكهربائيين والمعماريين والمتخصصين في الصناعات المختلفة وفروع المهن الزراعية والصناعية فلا تشكو البلاد قلة المتخصصين في مهنة على حساب كثرتهم في مهنة أخرى لا أثر لها في التقدم الحقيقي للبلاد. والواجب أن تغير برامج التدريس تغييراً انقلابيا يتفق مع الاتجاهات الحديثة في توجيه أفراد الأمة للإنتاج المفيد.
والواجب أن يكون من أسس المشروع حل مشكلة الأجانب المتوطنين في مصر وهم الذين انقطعوا عن بلادهم وذلك بتمصيرهم وإدماجهم في الحياة المصرية والانتفاع بهم كمصريين في تنفيذ المشروع. كما يجب الاستعانة بالخبراء الأجانب من الخارج المشهود لهم بالكفاية والأمانة والاستقامة.
ويجب لتنفيذ المشروع أن يستعان بالقروض الوطنية وبالاقتصاد في مصروفات الدولة حكومة وشعباً وبتحريم استيراد الكماليات وتنظيم توزيع العمل؛ وأن يلجأ إذا اقتضى الأمر إلى التجنيد المدني لتنفيذ المشروع وأن يشجع الشعب على ذلك بالمسابقات المالية والمكافآت للمجتهدين والمبتدعين.
والواجب أن يكون لكل وزارة وهيئة ومنشأة بل ولكل مديرية ومدينة مشروعها الخاص ضمن المشروع العام للدولة وأن يخصص لكل منها لجنة دائمة لوضع برامجه ومراقبة تنفيذها وأن يشرف على هذه اللجان هيئة عليا (كوزارة للمشروعات). وأن تخضع ميزانية الدولة وميزانيات الهيئات المختلفة لهذا المشروع باعتباره وسيلة لبلوغ البلاد أسمى أغراضها وهو رفاهية الشعب وسعادته وأمنه. (فوزارة المشروعات) تعتبر المسؤولة عن وضع مشروعات كافة الهيئات والمدن وغيرها وعن انسجام برامج هذه المشروعات وعن إدارة تنفيذها. وهي المسئولة عن موازنة كل ناحية من نواحي الإنتاج والتوزيع والتمويل موازنة تتفق مع برامج المشروعات، فلا تخطو أي خطوة كبيرة في مشروعات الزراعة أو الصناعة أو النقل أو التمويل أو تجديد بناء المدن والقرى والعزب أو غير ذلك إلا بعد موافقة اللجنة العليا للمشروعات التي يجب أن يعاونها مئات من المتخصصين في مختلف أبواب المشروع. ويجب أن يقسم مشروع السنوات الخمس إلى مشروعات سنوية ينجز كل منها في مدى سنة واحدة ليتم المشروع كله في المدة المقررة له.
وليعلم القائمون بالأمر بل وكل فرد من أفراد الأمة أن مشروع السنوات الخمس بالشكل الذي وصفته هو المحك الحقيقي لحيوية الأمة وهو الذي يظهر مدى استعداد أفرادها للأخذ بأسباب التقدم ومجاراة العصر.
الدكتور محمد مأمون عبد السلام