مجلة الرسالة/العدد 614/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 614 الكتب [[مؤلف:|]] |
من إنتاج الأدب السوداني ← |
بتاريخ: 09 - 04 - 1945 |
1 - ابن رشد الفيلسوف للأستاذ محمد يوسف موسى
2 - بعد الموت للأستاذ السعيد يوسف موسى
- 1 -
هذا الكتاب من تأليف الأستاذ محمد يوسف موسى المدرس بكلية أصول الدين، وهو من سلسلة أعلام الإسلام التي تصدرها لجنة دائرة المعارف الإسلامية. ويقع الكتاب في 117 صفحة من الحجم الصغير، ولكنه على صغر حجمه جيد في بابه، ولا غرو فالمؤلف مشتغل بهذا الفيلسوف من زمن، وينوي أن يضع فيه رسالة كبيرة، فهو ليس غريباً عن الموضوع. عرض أولا لعصر ابن رشد وأسرته، ثم إلى نشأته، ثم عمله في التوفيق بين الحكمة والشريعة، ثم عمله في نظرية المعرفة، ثم ابن رشد والغزالي، ثم انتهى إلى خاتمة المطاف، وإلى ابن رشد وأثره من بعده، وهل نجح في رسالته.
وأنت ترى أن صفحات الكتاب أضيق من هذه الموضوعات المتعددة. وقد كان المؤلف بارعاً في الإيجاز حتى يسوق جميع ما يريد أن يقول في هذا الثوب الضيق. غير أنه اضطر إلى التلميح عن بعض النظريات دون إشباع حسب ما يقتضيه المقام.
وفي الكتاب عرض جيد لحياة ابن رشد وعصره وتفصيل لمحنته ومناقشة أسبابها. وطريقة المؤلف في اقتباس النصوص وحبكها في مجرى الكلام، تدل فضلا عن الاطلاع الغزير، على امتلاك ناصية الموضوع.
وقد وفى الفصل الخاص بالتوفيق بين الحكمة والشريعة حقه إذ يستغرق 27 صفحة، بينما نظرية المعرفة تناولها في خمس صفحات ونصف. وكنا نرغب الإطالة في هذا الموضوع الذي لم تسبق الكتابة فيه، ولا يزال غامضاً. وأخاف الأستاذ محمد يوسف موسى فيما يذهب إليه من أن ابن رش يرى في الاتصال أنه (وصول العقل الإنساني إلى الدرجة العليا من الكمال، تعني إلى الاتحاد، أو الاتصال بالعقل الفعال أو الله تعالى ذاته) ص 63، 64 ثم قال: (ولا بد من توفر ثلاثة أمور فيمن يسعد بهذه النعمة أي نعمة الوصول: قوة العقل الأصلية، وكمال العقل بالفكر، وعون وإلهام غير طبيعي من الله).
وأكبر الظن أنه يريد أن يقول (إلهام طبيعي) لا غير طبيعي.
وتصوير الاتصال بالعقل الفعال أو الله ذاته على النحو المذكور يجعل من ابن رشد صوفياً، خصوصاً وأنه اشترط فيما بعد العون الإلهي. وبهذا لا تستقيم النتيجة التي أوردها بعد ذلك، وهي أن ابن رشد (ابتعد عن مجاهدات الصوفية. . . فهو لهذا أقل الفلاسفة الأندلسيين بل المسلمين تصوفاً) ص 64.
فهل كان ابن رشد متصوفاً، أو عنده نزعة صوفية كالفارابي مثلا؟
- 2 -
وهذه قصة ألفها الأستاذ السعيد يوسف موسى، تقع في 286 صفحة من الحجم المتوسط.
أعرف المؤلف معرفة شخصية، وأستطيع أن أؤكد لك أن هذه القصة صورة من نفس المؤلف، أودعها أحاسيسه وعواطفه وآراءه. وهذا الصدق في التعبير هو السر في قوة هذه القصة وأكبر الظن أن المؤلف لن يستطيع أن يخرج لنا مثيلا لها إلا بعد مضي سنوات طويلة، تزدحم فيها نفسه بتجارب جديدة وصور أخرى يودعها قصته الجديدة، فإن أراد أن يبين فساد حكمي فليقدم على إخراج قصة أخرى. . .
نحن في حاجة إلى القصة الطويلة في اللغة العربية، فالقصة القصيرة يكتب فيها كثيرون على رأسهم الأستاذ محمود تيمور، فهو بطل هذا الميدان. وقصة (بعد الموت) قصة مصرية صميمة، لم يتأثر صاحبها بالمؤلفات الأجنبية، فهي بذلك تسد باباً كنا نحس فيه بالنقص. وهذه خلاصة الموضوع في إيجاز.
طالبان من الريف، ذهبا إلى المدرسة داخلية بالإسكندرية، فاتصلا في المدرسة وارتبطا بصداقة وثيقة العرى. أحدهما جلال، والآخر هو الذي يقص القصة. . . رأتهما (نجوان) صاحبة بار بالإسكندرية، فأحبت جلال الذي كان متعاهداً على الزواج من هند ابنة عمه. وهنا يحدث صراع بين الوفاء للوعد، وبين الحب الجديد الذي يستغرق فيه جلال، وصاحبه معه، إلى أن يطردا من المدرسة. وتعرف هند وأم جلال، فتحضران إلى الإسكندرية تطلبان إلى نجوان التخلي عن جلال، ولا تستطيع نجوان فتقتل نفسها ويشهد جلال مصرعها ويظل ذكراها عالقة بذهنه فلا يشفي من داء حبها حتى (بعد الموت)
إني آسف لهذا الاختصار المخل، فهو لا يغني عن قراءة القصة وتذوق ما فيها من حلاوة الحوار بين هذه الشخصيات المختلفة، التي يحاول صاحب القصة أن يجعلها تنطق بحقيقة المشاعر الإنسانية.
يريد المؤلف أن يقول إن الروح تبقى بعد الموت، وأنها تؤثر في ملوك الأحياء، بدليل أن موت نجوان لم يبطل حب جلال لها، ولم يصرفه إلى العودة إلى خطيبته الأولى هند وكان يراها في المنام فيفزع.
ولكن علماء النفس المحدثين يذهبون إلى خلاف ما يذهب إليه المؤلف، ويفسرون أمثال هذه الظواهر بأنها حالات مرضية يمكن شفاؤها بالتحليل النفساني. ونأخذ على المؤلف هجومه العنيف على المعلمين وعلى المدرسة وكنا نحب أن يسمو عن هذا.
الدكتور أحمد فؤاد الأهواني