مجلة الرسالة/العدد 610/هذا العالم المتغير
→ طريقي | مجلة الرسالة - العدد 610 هذا العالم المتغير [[مؤلف:|]] |
رسالة الفن ← |
بتاريخ: 12 - 03 - 1945 |
للأستاذ فوزي الشتوي
مستقبل الطيران
يتنبأ أحد مصممي الطائرات أن الترف والراحة فيها سينافسان الترف والراحة في عابرات المحيط الكبيرة. فيستطيع المسافر أن يطوف حول العالم في 14 يوماً تشمل زيارات فرعية لمناطق متعددة تستعمل فيها الطائرات التي تهبط عمودياً فتهبط في أماكن لم يفكر أحد في زيارتها لوعورة مسالكها.
وتزود طائرات ما بعد الحرب بغرف طعام خاصة وغرف للملابس ولأنواع التسلية والتلفزيون والراديو، كما تجهز بمقاعد مريحة خاصة بنحاف الأجسام أو ضخامها. أما متاع الأشخاص فينتظر أن يفرد له ظهر الطائرة لتوفير داخلها وستوالي هذه الطائرات رحلاتها في مواعيد منتظمة، وقد صنعت طائرات تسع الواحدة منها 48 مسافراً وتكفي لنوم 24 مسافراً.
عمر الفرد 130 سنة
يقولون إن ابنك أو ابن ابنك سيعيش 130 سنة في أتم صحة، لأن هذا العمر سيكون متوسط عمر الإنسان بعد جيل أو جيلين، فقد لوحظ أن متوسط عمر الحيوان يساوي خمسة أضعاف أو ستة أضعاف عمر بلوغه، وعلى هذا الأساس يكون المتوسط العادي لعمر الإنسان بين 125، 150. ويميل العلماء إلى ربط طول عمر الإنسان بتغذيته، فيوصون بالألعاب الرياضية، والهواء الطلق، والشمس والفيتامينات، والنوم 8 ساعات والحمامات الباردة.
ويعللون سهولة الوصول إلى هذا المستوى من العمر بالتقدم الطبي واتجاه الأبحاث إلى الناحية الإنشائية في جسم الإنسان.
الموسيقى والأمراض العصبية
أجرى المجلس الاستشاري الأهلي للموسيقى في الولايات المتحدة إحصاء لدراسة مدى استعمال الموسيقى في المستشفيات للأمراض العصبية ونتيجة استعمالها في شفاء الأمراض، فأجابه على استفتائه 209 مستشفيات يتراوح عدد أسرة الواحد منها بين 33 و 8000 سرير. ويستعمل الموسيقى منها 192 مستشفى. ولم تستطع المستشفيات الأخرى الحصول على أدواتها بسبب صعوبات الحرب ونقص الأيدي العاملة وغيرها.
ويدير الحفلات الموسيقية في 160 من هذه المستشفيات موسيقيون محترفون أو مرضى موهوبون أو أندية سمر خاصة. وتستعمل الاسطوانات الموسيقية في 152 من المستشفيات، وهناك إجابات بأنها تستعمل الموسيقى كأداة علاجية في حالات بعض الأمراض العصبية، وأجابت 134 بأنها تستعملها لغرض العلاج والترفيه.
ويرى أكثر مديري المستشفيات أن الترفيه نوع من العلاج، على أنهم يعتبرون الاشتراك في توقيع القطع الموسيقية في جماعة أكثر تأثيراً في المرضى من مجرد الإصغاء إليها، فان روح الاشتراك مع الجماعة يكسب المرضى حب التعاون والصداقة ويساعدهم على تذليل صعوبات الكبت عندهم.
وقال المشرفون على علاج المرضى في أحد المستشفيات إن ضوضاء الطبول وأصواتها ذات تأثير مقلق لجميع حالات المرضى، بينما الموسيقى والأغاني الشعبية الهادئة ذات تأثير ملطف. وهناك شبه إجماع على أن الموسيقى لا تصلح كعلاج فعلي بل إنها قد تكون خطرة على بعض المرضى إذا اختير نوع غير ملائم لهم مما قد يؤدي إلى زيادة ارتباكاتهم العقلية ويقوي أفكارهم المشوهة.
عينات دم من الأعضاء الداخلية
صرح الدكتور جيمس ليري في اجتماع الجمعية الطبية للأبحاث أنه صار من السهل الحصول على عينات دم من القلب أو الكبد أو الكلى مباشرة، وذلك بامرار أنبوبة رفيعة طويلة ومرنة من الكوع. وترجع أهمية هذه العينات إلى خلوها من تأثيرات الدم في الأوعية الدموية الأخرى مما يساعد الطبيب على تشخيص المرض بدقة.
وليست العملية معقدة كما قد تبدو، وإن كانت رحلتها طويلة، فان الأنبوبة تمر داخل أحد شرايين الكوع ويلاحظ سيرها بجهاز خاص فتشاهد وهي تسير إلى الجزء الأيسر للقلب ومنه إلى الشريان المؤدي إلى الكبد أو الكلى أو غيرها من الأوعية.
وأجريت هذه العملية في السنتين الأخيرتين في 3000 حالة بدون أن يصحبها أو بعقبها أي رد فعل أو ضرر.
من البيض لقاح ينقذ الحياة
هي قصة فتح جديد في عالم الطب، هي قصة الصراع بين الصحة والمرض وبين الموت والحياة، أعلنت على الناس ثمراتها الأولى في سنة 1931 فجنوا نضجها في إبان الحرب. هي قصة مربية الفيرس ذلك الحي الدقيق المسئول عن كثير من الأمراض المستعصية مثل التيفوس والحمى الصفراء والأنفلونزا والحصبة وشلل الأطفال.
ولولا هذا الكشف لانتشرت الأوبئة الفتاكة بين الجنود والمدنيين كما حدث في 1918 - 1919 حينما أزهق وباء الأنفلونزا عشرين مليوناً من الأنفس. ولكن نجاح الدكتور جودباستور ومساعدته الدكتورة اليس وودرف أنقذ العالم من الأوبئة، كما وضع الأحجار الأساسية لوقاية الناس من أمراض عدة تسببها عائلة الفيرس.
وهذا الميكروب دقيق لا تراه الميكرسكوبات العادية، ويخالف سواه في وسائل تغذيته وحياته، فبينما الميكروبات الأخرى تعيش في أوساط مختلفة مثل الآجاراجار والحم، فإنه لا يعيش إلا على أنسجة حية إن ماتت قضى معها. وكان الأطباء يربونه لعمل اللقاح في القرود والطيور، ولكنهم لم يحصلوا منه على المقادير اللازمة لكفاية عدد من الناس فضلا عن أمة كبيرة. فاللقاح الواقي هو ميكروب المرض، ميتاً أو ضعيفاً، يلقح أو يحقن به الجسم فيكتسب مناعة ضد المرض نفسه.
بدأ الدكتور جودباستور أبحاثه لتربية الفيرس في الدجاج، وفي مرض جرري الطيور. وهداه البحث إلى الاستعانة بالبيض المخصب فهو يحتوي على أنسجة حية. فكان يفتح قطعة صغيرة من قشرتها ليمرر الفيرس، ثم يغلقها ثانية بغشاء شفاف يرى من خلاله ما يحدث داخل البيضة. وبعد أربعة أيام صارت أغشية البيضة سميكة وملتهبة فعرف أن مجموعات الفيرس تنمو وتتغذى على جنين البيضة.
وأعلن نتيجة بحثه في سنة 1913، فلم يجد من الأطباء إذناً صاغية. وأهملوا قيمة أبحاثه كما أهملوا في سنة 1929 نبأ اكتشاف الدكتور فلمنج للبنسلين، ولكنه انتقل إلى المرحلة الثانية. فأي أنواع الفيرس ينموا في البيض وأيها لا ينمو؟ فجرب فيرس الجدري البشري فحصل من البيضة الواحدة على كميات لقاح تكفي 1000 فرد فأي هدية ثمينة رخيصة يقدم للعالم.
وانتشرت أنباء نجاح الدكتور جودباستور، فصنع الألمان كل لقاح الجدري من البيض. ونجح الدكتور بيرنت في استراليا وربى فيروس الأنفلونزا في البيض. وأدركت الهيئات المختلفة أهمية الكشف الجديد فجربه معهد روكفلر لتربية فيرس الحمى الصفراء، فكان النجاح باهراً.
وما زالت المعاهد الطبية تقدم إلى العالم كل يوم لقاحاً جديداً، فقد أعلن الدكتور هرالدكوكس أن عدد أنواع الفيرس التي تنمو في البيض 25 نوعا، منها التيفوس ومرض نوم الخيل الذي قتل في سنتين 80 ألف حصان. ولفيرسه خطره على الناس أيضاً، فإنه فتك بسبعين في المائة ممن أصيبوا به ومن نجوا من الموت أصيبوا بانهيار في أعصابهم أو جنوا.
وهناك أمراض لم ينجح الباحثون بعد في كشف سر تربية فيرسها، ومثال ذلك مرض شلل الأطفال. ولكن العلماء يعتقدون أن التوفيق إليه قريب بفضل تقدم فن تربية الفيرس في البيضة، وما توصلوا إليه من تحسينات في أدوات حقن جنينها بالميكروب في أنحاء جسمه المختلفة. فمرة يحقن الفيرس في المخ، وأخرى في النخاع الشوكي، وثالثة في الجلد، ورابعة في العضلات، إلى غير ذلك من الأجزاء وهم يرجون أن تظهر أعراض المرض في أحد هذه الأعضاء فيتاح لهم صنع لقاحه ويكشفون سره.
وكانت القوات المحاربة الأمريكية من أسرع الهيئات التي استعانت بأبحاث الدكتور جودباستور، فوفرت على جنودها شر الإصابة بالأوبئة الفتاكة التي تعتبر من لوازم الحرب في المناطق الحارة في المحيط الهادي، وبالتالي تيسر لهم النصر في معارك القتال المختلفة. ولولا هذا الاكتشاف وما أضفناه على الجنود من صحة وطمأنينة لانقلب ميزان هذه المعارك، فالجندي المريض عبء على الجيش تخسر وحدته جهده، كما تزيد جهد الأقسام الطبية مما قد يؤجل النصر إن لم يمنعه.
فوزي الشتوي