مجلة الرسالة/العدد 592/ديوان أفراح الربيع
→ اقتراح في إصلاح الرسم العربي | مجلة الرسالة - العدد 592 ديوان أفراح الربيع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 06 - 11 - 1944 |
للشاعر حسن البحيري
للآنسة فدوى عبد الفتاح طوقان
لعل الحركة الأدبية في مدينة حيفا أظهر مما هي في المدن الأخرى من فلسطين، فهذا النشاط الدائب الذي نراه في جمعياتها وأنديتها يجعلنا نقول بهذا الرأي، ويعزز قولنا ما تطالعنا به في كل مناسبة من مهرجان تقيمه أو ذكرى تحييها تستفز بها الهمم وتوحي إلى الأدباء والشعراء
وقد طلع علينا في العام الماضي نادي أنصار الفضيلة في حيفا بديوان الأصائل والأسحار للشاعر الشاب حسن البحيري، وإذ قرأنا فيه كلمة اللجنة الثقافية للنادي، تلك اللجنة التي (أخذت العهد على نفسها أن تخدم لغة الضاد وأن تناضل لتذود عن لغة القرآن، وأن تبحث وتنقب عن تلك الكتب الضائعة المخفية وراء ظلام الوحدة لتخرج بها إلى عالم النور) أقول إننا إذ قرأنا هذا رأينا أي نهضة أدبية تتطلع إليها عيون الشباب في فلسطين وأي مطمح نبيل يساور قلوبهم المتفتحة للنور. فأفعم نفوسنا الأمل المشرق وملأها جمالاً وجلالاً وإيماناً بالمستقبل.
هذه ظاهرة ميمونة لم أر بدا من الإشارة إليها إذ أقدم بين أيدي القراء ديوان (أفراح الربيع) لشاعر حيفا حسن البحيري، أو شاعر الحب والجمال كما يسميه صديقه الشاعر المصري أحمد رامي
نقرأ في هذا الديوان كتاب الطبيعة المفتوح وقد زافت في منظرها الفتان، وفي جوها الذي سبح فيه خيال الشاعر تتضوع الأزهار وترف الأنداء على ثغورها رقيقة براقة، وهناك الجدول الراقص يستضحك من فرط الطرب (ويعزي من بكى عما بكى) بل هناك الدنيا ترف أمام عيوننا طيباً ونوراً وتمتلئ شذي وعطوراً
وللموسيقى وسحر إيقاعها نصيب وافر من الديوان، وكثيراً ما نستمع إلى حنين العود وأنين الناي فيه، فتتم لنا صور جمال الطبيعة، تلك الطبيعة التي نشأ الشاعر في أحضانها المفوفة وعل من جمالها ونهل؛ والشاعر كما يلوح لنا موسيقي بطبعه وله هيام لا حد له بالموسيقى، نلمس ذلك في (ألحان شاردة) وهو القسم الثاني من الديوان. حيث يستهله بقوله:
لئن يوماً حدا بكمو حنين ... لسكان القبور الدارسات
وأوقفكم على قبري اعتبار ... أو استعبارُ عين الذكريات
فناجوني بناي أو كمان ... لتسعد في حفائرُها رفاتي
وفي قصائده (عازف) و (ناي) و (وداع عود) وغيرها من الألحان الشاردة، نحس بالأنغام التي صيغت من ذوب القلوب. . . فبعثت الذكرى وهاجت الشجن، وقد تحمل الأرواح أحياناً من دنيا الهموم وتجعلها تطوف بأشواقها على متن الغيوم، وقد يهيج النغم أشجان القمر فيقف على باب مغيبه ويتمنى لو مد بقاء له لكي يتمتع بأنات الوتر. ولا عجب أن نرى وحي الموسيقى يشيع في الديوان فهي والشعر أخوان تهيم بهما النفس الجميلة، وتسمو على أجنحتهما إلى دنياوات ساحرة
وهناك من القصائد ما هفت فيها روح الشاعر نحو أليفها حيرى مضطربة، أذكر منها (الموعود) و (وادي الأحلام) وقد تشيع روحه الحيرى هذه في كثير من قصائده ولكنها في هاتين أظهر. ولنستمع إلى هذا العتاب وما فيه من مرارة عذبة، إذ يقول في قصيدة وادي الأحلام:
أنسيت عهدك والزمان مسالمي ... فتركتني والبؤس من أخداني
أم شاق قلبك غير ودِّي شائقٌ ... فرميت بي في وحدة الأحزان
يا سالياً ما إن ذكرت زمانه ... إلا بكى زمني وأنَّ مكاني
ثم يصف لنا ما كان في وادي أحلامه من طير وشجر وماء وزهر، وكيف كان الماء يروي للبنفسج شوقه هيامه بمراشف الأغصان، إلى أن يقول:
يا من رسمت خياله بمدامعي ... وحملت من ذكراه ما أشجاني
أنسيت وادينا وما كنا به ... من حلو أحلام وعذب أماني
كم ساعة للوصل في أحضانه ... سعدت بظل التوت والرمان
ولا أغفل عن ذكر قصيدته الجميلة (زهرة العمر) ومنها:
أخاف على زهرتي أن تموت ... وسلوة روحي في عطرها
لقد سمعت من فؤادي الجريح ... شجاه فكنته في سرها وبثت أساه لنظارها ... ببسمة شجو على ثغرها
وفي القصيدة نظرات فلسفية في الحياة والمصير الذي تنتهي إليه
وليس ما يؤخذ على الشاعر الشاب سوى وقوعه أحياناً في (سناد الردف) وهذا من عيوب القوافي، فنراه يردف في القافية بحرف الألف حيث يدع الردف في القافية التي سبقت أو تلت كقوله في قصيدة (عيد في عيد) إذ يشير إلى مولد النبي صلعم:
مولد كالشمس في إشراقها ... ضوَّأ الدنيا بأنوار اليقين
مالت الشمس له عن شرقها ... ثم حيته بإحناء الجبين
وكذلك في قصيدة (زورق الأحلام) حيث يردف بحرف الياء في قافية (الطير) بينما تخلو قوافي القطعة كلها من الردف مثل النهر والعطر
هذه هنات ما كنت أحب أن آتي عليها لولا إيثاري للشاعر ورغبتي الخالصة في أن يتجنبها في المقبل من شعره، وما عدا ذلك فالديوان يفيض بالشاعرية والجرس الموسيقي الذي يشمل كلماته المنتقاة التي تدل على ذوق جميل وطبع أصيل
وتتصدر الديوان أبيات للشاعر أحمد رامي صديق شاعرنا، فبين الشاعرين تألف روحي مصدره ذلك الشبه بين روحيهما الهائمين في سماء الحب والجمال. والديوان رشيق الطبع أنيقه، مزين بصور طبيعية لبلادنا الحبيبة الفاتنة، وهذه الصور تكمل في نفس القارئ شعوره بالجمال، وقد طبعته شركة فن الطباعة في القاهرة ونشره محمد أحمد حجازي
وإذ أشكر للشاعر الرقيق هديته الجميلة فإنني أهنئه بنتاجه الموفق الجميل.
(نابلس)
فدوى عبد الفتاح طوقان