الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 59/القصص

مجلة الرسالة/العدد 59/القصص

مجلة الرسالة - العدد 59
القصص
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 20 - 08 - 1934


رجل. . . وامرأة

بقلم محمد سعيد العريان

- 1 -

جلس شوكت أفندي كاظم في حجرة الانتظار في مدرسة. . . يجيل طرفه في قطع الأثاث المبعثرة، وينقل النظر بين السقف والأرض والحيطان. لم يتغير شيء فيها عما رآه لآخر مرة منذ سنوات أربع؛ هذا النضد الصغير في زاوية الحجرة كأنه قطعة من أرض المكان فلم يتزحزح عن موضعه؛ وهذه الأريكة الكبيرة طالما تمدد عليها ولوى ذراعيه تحت رأسه وسبح في أحلام اليقظان؛ وهذه الصور على الحيطان تطل منها الوجوه الصغيرة، في أساريرها مرح الطفولة، وفي عينيها بريق الأمل - إنها في موضعها حيث صففها بيديه قبل سنين، ولكنها زادت أخرى، لاشك أنها صور الفرق التي أتمت دراستها بالمدرسة منذ نقل منها. . . ودفعه حنين وشوق فنهض يتأمل صور تلاميذه الذين عاش بينهم شطرا من حياته في منزلة الأب الثاني، ثم فارقهم وفارقوه منذ سنين بعيدة فوجاً بعد فوج إلى حيث لا يدري من فجاج الحياة. ما أسرع ما تمر السنون! أيهم الآن يذكره كما يذكرهم؟ لعل منهم صاحب المنصب الرفيع والجاه العريض وهو ما يزال حيث تركوه في منصبه وجاهه!. . . ووقف لدى صورة من عديد الصور المعلقة، ولم ينتقل عنها ولم يخفض بصره؛ لقد طافت برأسه ذكريات من الماضي، ذكريات حية ما يزال قلبه بدمها ينزف. وحدق في الصورة طويلاً تحديق العانس في المرآة تنعى الشباب وتتهم الزمن. . . منذ ثمان سنوات حين دعي ليجلس بين تلاميذه في هذه الصورة كان شخصاً آخر غير الشخص الذي يعيش اليوم، لقد كان يومئذ يعيش في واد من الأحلام: أحلام الشباب والمرأة والحب. أين هو اليوم مما كان؟ أما الشباب فقد أنهكته أحداث الزمن، وأما الحب فقد دفنه هناك ولفه في أكفان اليأس، وأما هي. . .

ودخل الضابط يحيه بصوت غليظ، في يده عصا ومن وراءه غلام. وأندفع عادل شوكت إلى أبيه حين رآه باسطاً ذراعيه، فلم يخشى عصا الضابط ولا صوته البغيض؛ وضم الرجل ولده إلى صدره ومال عليه يقبله في ظمأ وشوق؛ وطأطأ الولد رأسه يعبث بأزرار معطف أبيه ويداعب سلسلته؛ وسبح أبوه في ذكريات ينشرها ويطويها:

لقد كان يحبها أعنف الحب وأرقه، ولم يكن يتمنى غير أن يظفر بها زوجاً يصفيها الحب ويخلص لها الوداد؛ وقد ظفر بها ونالها، فأين هو اليوم من سعادة الحياة؟! لقد أفلتها فلم يبق بين يديه من تلك المنى الساحرة غير لمحة ضئيلة يراها في عيني هذا الغلام.

وعاد إلى الماضي يسترجع ساعاته ولياليه، ويحصي على الزمن سيئاته وأياديه: لقد عرفها فتاة في إحدى الحدائق العامة مع أخيها الصغير فعطفه عليها دل متواضع وكبرياء تبتسم، وأحبها منذ ذلك اليوم وراح يعيش في وهم الأماني. . . واستطاع أن يلفتها إليه وأن يجعلها تهتم بأمره؛ ومدت إليه خيط الرجاء فتعلق، ومضت الأيام تقرب بينهما وتدني نفساً إلى نفس حتى أشعرتهما أنها كل شيء في حياته، وأنه كل شيء في حياتها. وشاركته سعادة الأمل، وأخذ يعد العدة للأمر العظيم يوم تكون زوجه، وأخذت تسابق الأيام فمنحته من ودها على غفلة الأهل أشياء في إباء الراغب ورغبة المتأبي؛ ولم تكن أيام الوصال على وتيرة؛ فيوماً دلال، ويوماً عتاب، ويوماً يتنبه الرقيب من حيث يريد وتريد. . . وهكذا راح الزمن يذكي في صدريهما لواعج الشوق، ويضرم لهيب الوجد - أربع سنين متوالية بين لهفة وشوق وأمل؛ ثم زفت إليه. لقد شعر يومئذ أن الدهر أتم عليه نعمته وأسبغ عارفته، ولكنه أعطاها مقادته من اليوم الأول، ولم يتلقها إلا بتقديس وعبادة، وظل بعدها في العبادة والتقديس!. وإنها لتحب السيطرة والسلطان، بعض ما في دمها من طباع الشركس؛ وإن فيه لطراوة وليناً من ضعف العاشق الذليل؛ فأخذت تملي عليه أرادتها وهو كالكرة في يد الصبي. ولم تجد فيه رجل أحلامها الذي قدرت أن يكون، فراحت تنتقص من سلطانه وهي تتمنى أن يعاصيها ويتمرد على إرادتها فتشعر به زوجاً له مثل سيطرة الرجال. وكانت كلما راحت تستثير فيه نخوة الرجل استخذى لها وتلاشت إرادته؛ لقد كان يجيد الغزل وحديث الحب، ولكنه لم يكن يعرف كيف يملي أرادته، ويلوح للحب بالبغض؛ وكان يعرف كيف ينزل عند رغبتها حين تريد، ولا يستطيع أن يكون رجلا حين يريد. . .

- 2 -

ورأت كل حاجاتها لديه مقضية؛ ووجدت نفسها الآمرة الناهية في هذه المملكة الصغيرة، حتى الرجل الذي كانت تخشى سلطانه وتهواه كان أطوع لها من بنانها. وراحت تبالغ في مطالبها، لا تقف عند حد ولا تنتهي إلى غاية. وحين جاء الصيف رغبت أن يسافرا إلى الإسكندرية فلم يجد في نفسه قوة على العصيان وهو يعلم أن أكلاف الاصطياف هناك فوق ما يتحمل مرتبه الضئيل. . وقضيا في المصيف شهرين استمتعت فيهما زوجة بكل ما اشتهت من حرية وانطلاق، وكان لهما في نفسه لذع ومرارة. وأخذ الحب الذي كانت تحسه لزوجها من قبل يتلاشى رويداً رويداً؛ لأنها بدأت تعنى بأشياء أخرى؛ وصار همها من دنياها ثوباً جديداً تختال به على صوحباتها، أو ليلة ساهرة فيها متاع القلب والنظر، أو سفرة إلى هنا أو هناك تجتلي من مشاهدها أنساً وبهجة. ولم يكن يضن عليها بشيء. . ونسيت تدبير البيت وشئون الزوج؛ فكانت تقضي نهارها زائرة أو طائفة بالبيوت التجارية والحدائق ودور اللهو، وأخذت تنفلت من قيود المرأة المتزوجة قليلاً قليلاً، حتى اطمأنت إلى حريتها كاملة في الغدو والرواح، وفي السهر أيضاً؛ وتاقت لأن تبسط إرادتها إلى ما وراء جدران البيت مؤمنة بجمالها وسلطانها على القلوب!. . وألف شوكت أن يعود إلى البيت في النهار وأول الليل فلا يجد هناك غير الخادم تخلع عنه ملابسه وتهيئ له الطعام، ولم يكن ليسوءه ذلك كثيراً، فحسبه من الزوج الحبيبة أن تكون سعيدة هانئة، وأن يستيقظ في الصباح على نغمات من صوتها الندي الرقيق، وأن يمسي ووجهها آخر ما يراه من الدنيا اليقظة. ولكن الكرة ما زالت تتدحرج ويخاف أن تبعد عن منال يمينه. .!

وعاد ليلة متعباً مكدوداً يلتمس الراحة في البيت، ودق الباب فلم يجب أحد، وعاود الدق فلم يسمع غير الصدى يرن ثم يتلاشى في مثل ضحكة ساخرة من فم امرأة. . . ترى أين ذهبت الخادم، وأين زوجة الآن؟ لقد تعودت الغياب عن البيت كأنما لا يعنيها منه إلا أن تأكل وتنام! أليس له عليها مثل حق الأزواج؛ فما لها لا تدرك عليها واجباً ولا تعترف له بحق؟. . وأخذ يذرع الطريق غادياً رائحاً ويداه خلفه ورأسه إلى الأرض، يمد بصره بين حين وحين يرقب الطريق. . ورأى زوجه مقبلة في سرب من رفيقاتها تهتز أعطافهن في فتنة مغرية، ويجاهرن بالحديث عابثات ضاحكات. ورأته زوجه فقالت: (أنت هنا؟) ولم تزد، وسبقته تفتح الباب وأنصرف صواحبها. ولما اطمأن بهما المكان قال لها:

- (لقد ضايقني الانتظار يا إلهام، أين الخادم؟). قالت: - (الخادم؟ لقد سافرت لترى أباها. ألم أنبئك؟)

قال وقد رسم الاستياء خطين على جبينه:

- (وهلا قدرت أن أعود مبكراً فتكوني في انتظاري ولا تتركيني بالباب؟!)

ومالت عليه فطوقته بذراعها ويدها تعبث بشعره وعيناها تبرقان، وقالت تداعبه في لين وتكسر: (ليتك لا تغضب يا شوكت، أنا احبك!) ثم كانت قبلة نسى معها الغضب والعتاب. . .

وتتابعت أيامها من بعد بين غضب ورضى، وأدركت إلهام أن زوجها يحاول أن يعود رجلاً وأن يبسط عليها سلطانه، ولكن بعد أن عرفت من أين تناله وكيف تسلبه أرادته. . . ومر عام، وصار شوكت أباً. هذا ولده عادل.

ودق الجرس في فناء المدرسة، فأنفلت الغلام من بين يدي أبيه كما فرت سعادته من قبل. .!

أين هي الآن؟ أنه مازال يحبها أعنف الحب وأرقه، ولكنه قد فارقها إلى الأبد! وآلمته الذكرى، فأخرج علبة من جيبه فأشعل دخينة، واعتمد بذراعه على حافة المقعد، وأسند برأسه إلى راحته، وزفر زفرة، وتلوت ثعابين الدخان صاعدة، وراح يتابع الذكرى الأليمة:

لقد كافأته زوجه على حبه ووفاءه وطاعته - بالسخر والتمرد والعصيان! ليته استطاع أن يكون معها أصلب قناة وأغلب إرادة، فلعله كان أحب إليها صلباً غلاباً صاحب إرادة وعنفوان. . .!

إنه كان يحبها حباً بعيد الأمل، ليس له حدود تحصره في دائرة الممكن، ولا حرية تطلقه وراء المستحيل؛ فلما ظفر بها ظل الطريق إلى السعادة، وراح يلتمس قلبها فهوى على قدميها. .!

وحين أراد أن يهيئ لها سعادة الرضى في جواره لم يعرف كيف يجعل إرادته تسبق إرادتها فيما تشتهي فيمنحها ما تشاء قبل أن تدعوه إليه آمرة مطاعة. . .!

ولو إن الحجاب بينهما فيما بين الخطبة والزفاف لم يكن في حراسة التقاليد، لتفاهم قلباهما على الود الكريم، ووضع الأساس لحيات الغد على غير جرف هار من الوهم والخيال. . .! لم يكن يومئذ يدري أن المرأة تعشق الرجل المتسلط الذي يغلبها ويفوقها، بقدر ما تحتقر الرجل الذي يترامى على قدميها في ضعف وهوان، ولو كان ضعف المحب وهوان العاشق. . .!

لقد عاشرته خمس سنين كانت معه في البيت كضيف على ميعاد، وكان حظ صواحبها منها أكثر من حظه! وربما قضى الساعات في البيت وحيداً، وهي هناك تنتقل زائرة من بيت إلى بيت، فلم تكن تعرف دارها إلا يوماً واحداً في الأسبوع، هو يوم الاستقبال. . . ولقد كان في البيت مرة وسمع بأذنيه أي الشئون يتحدث فيها النساء: حديث الأزواج، وشح الأزواج، وغفلة الأزواج، ثم الأزياء والملاهي ولا شيء غير ذلك!. . بل لعله رأى بعينيه ماذا يصنعن يوم الاستقبال. لقد نقم على كثيرات من صاحبات زوجه، وعاب عليهن سوء الأدب وقلة الاحتشام، ولكنه لم يجرؤ حتى فيما بينه وبين نفسه أن يسيء الظن بأخلاق زوجه، ولم يجرؤ أن يحدثها عما رأى وسمع؛ خشية أن تلومه على استراق الحديث والنظر. .!. . آه لو كان يدري يومئذ أنها واحدة من هؤلاء حين تكون بعيدة عنه، فلعله كان حينئذ يستطيع أن يردها إلى الصواب!

- 3 -

وطالت غفلته عن حديث الناس بسلوك زوجه، حتى حين مرض بالإسكندرية صيف عام واشتدت به العلة، وأمره الطبيب أن يعود إلى بلده، فأبت زوجه أن تعود قبل أن ينصرم الصيف، وتركته يخلفها وحدها هناك على الشاطئ في حراسة الشيطان، تداعب أمواجاً في البحر وأمواجاً في البر، لقد كان لها يومئذ رغبات نسيت في سبيلها وفاء الزوجة وبر الأم، فلم تعد إلا بعد شهر!

لم تهنأ إلهام بالحياة في بلد زوجها على ما فيه من جمال وفتنة، وحالت بعد عودتها امرأة أخرى؛ فلم تعد تهتم باسترضاء زوجها، تمحو غضبه بابتسامة الخداع وبهرج الكلم، ومزقت القناع عن وجه عابس، وكشفت صدرها عن ألم وضيق بحياتها في كنف الزوج الحبيب، وراح شوكت يستميلها فلا تزداد إلا نفوراً، ويتحبب إليها فلا تبدي غير البغض والكبرياء. . . وآلمه ما تغير من أخلاقها، وراح يحاسب نفسه على ما قد يكون أساء به إليها، ويحصي ما قصر في حقها وما اقترف، فلا يبدو له إلا صفحات كلها حب ووفاء وتضحية. وأخفق فيما سعى إليه ولكنه لم ييأس.

وترامت إليه الأخبار بما يتحدث الناس من شأنها؛ وكان آخر من عرف. . . يا للهول! وأفاق من وهم الحب. لقد مد لها أسباب الغواية وتركها تتدحرج حتى استقرت في أعماق الهاوية وجذبته معها!

واستعاد رجولته، ولكن بعد أن فقد من يأتمر بأمره، وفارقها في صمت، عيوفاً أبياً، ولكنه خلف قلبه هناك. . . تحت وسادتها وبين الحشايا!

وكان له ما أراد، ونقل من البلد الذي دفن فيه الشباب والحب والأمل، ينشد العزاء والسلوان بعيداً بعيداً؛ وقد أقسم ألا يكون له من بعدها زوج.

وهاهو ذا يعود بعد سنوات ليأخذ ولده يعيش في حضانته، بعيداً عن عار الخطيئة - عن المرأة التي كرهت أن يكون ولدها معها فيعلن للأصدقاء بوجوده أنها أم. . .!

وصلصل الجرس وما يزال شوكت غريقاً يجاهد موجات الذكرى الأليمة في يأس؛ يأس المحب الوفي جوزي بحبه ووفائه غدراً وخيانة!

وحياه زميله الأستاذ مختار وهو يصيح: (أهلاً، شوكت، متى حضرت؟)

وهز يده بقوة، وربت على كتفه بحنان ثم أردف:

- (إن صديقنا (أحمد) لموفق، فقد كان يذكرك اليوم ويتمنى أن تحضر زفافه، وقد حضرت.)

قال شوكت: (زفافه؟ وماذا تراني أصنع له في زفافه؟)

ودهش مختار أن يتحدث شوكت كذلك وأجابه: (لا أحسبك نسيت ما كان بينكما من ود؛ أفليس من حقه عليك أن تهنئه أن ظفر بالفتاة التي يهواها، وأنك لتعرف أين كان أمله!)

وابتسم شوكت في ألم، وقطب جبينه، واسترجع كل ماضيه الأليم في لمحة، وقال لصديقه ساخراً: (وهل تراه ظفر بشيء يستحق التهنئة، أم تراني أعزيه. . .!)

وتولى عن صاحبه وهو ممسك بيد ولده، والأرض تجاذبه إلى الخلف - إلى حيث يرى المرأة التي أحبها فخانته. ولكنه عرف كيف يكون رجلاً، وكيف يقمع في صدره ذلك الحب الذليل الذي نزل به إلى الهوان والعار. ومضى في طريقه إلى البلد الثاني وكأن ما كان يدوس بقدميه قلبه الدامي فيحس وخزاً أليما فوق ما تخزه الذكرى وتؤلمه.

ومضت الأيام تسدل بينه وبين الماضي حجاب النسيان، وهو يغالب هواه ويصارع نفسه، حتى برأ من دائه. وأخذت ذكريات الماضي تتضاءل في رأسه حتى أوشكت أن تتلاشى، وانقشعت عن عينيه غشاوة العاطفة التي كانت تغلبه على عقله وتزين له أن يبيع بالحب كرامة الرجل.

وانقضت سنوات ثلاث، ثم رأى نفسه وجها لوجه أمام المرأة التي كان يحبها أرق الحب فعاد يبغضها أعنف البغض، ويبغض من أجلها النساء جميعاً. لقد أخفقت فيما سعت إليه، فلم تظفر بالسعادة التي انطلقت وراء أوهامها وحطمت في سبيلها عش الزوجية، وحالت الثمرة التي كانت تشتهي حلاوتها مرة كريهة المذاق حين عرفت منزلتها الحقيقية من نفوس المعجبين بها والمزدلفين إليها من الرجال، لقد انفضوا عنها جميعاً بعد أن ملوها، وراح كل منهم يلتمس لحظات سعيدة في غرام جديد أبي، يذوق فيه سعادة الظفر بالمغيب المجهول. . وتنكرت لها الحياة فعادت إلى الماضي تستلهمه، فإذا هي ما تزال تحب شوكت. . . وذكرت في النهاية الرجل الذي كان يحبها، والذي كان يبيع من أجلها كل شيء، فجاءت تسعى إليه معترفة تائبة. هيهات! لقد أضلها السراب طويلاً، فلما همت أن تعود إلى المناخ كان الركب قد تحرك، فلم تدرك غير الغبار يقذي عينيها وتتكاءدها عقبات الطريق!

وأغلق الرجل دونها بابه، ووقفت بينه وبينها الذكريات المؤلمة عن ماضيها وماضيه. لم تؤثر فيه دموع الندم، ولم يعطفه عليها ما ناشدته الحب القديم، فقد علمته من قبل كيف يكون بليد العاطفة، فبقى معها بليد العاطفة، وعلمته ألا يؤمن بالحب، فأثبت لها أنه لا يؤمن بالحب، وعلمته ألا يثق بوعود امرأة، فأكد لها أنه أبداً لن يثق بوعود امرأة.

وحين عادت المسكينة امرأة ذات قلب. . . . عاد المسكين رجلاً بلا قلب!.

محمد سعيد العريان