مجلة الرسالة/العدد 579/البريد الأدبي
→ تحية المعري | مجلة الرسالة - العدد 579 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 07 - 08 - 1944 |
تعقيب على مقال
طلعت علينا الرسالة الغراء في عددها الـ 573 بمقال قيم للأستاذ عبد المنعم خلاف، عنوانه (دليل علمي يدحض مذهب وحدة الوجود)، ولما كانت بعض الآراء التي يحويها المقال المذكور تحتاج إلى مزيد من التمحيص والإيضاح رأيت أن أدل على ذلك باختصار في هذه العجالة
والذي يلفت النظر لأول وهلة قول الأستاذ في مستهل مقاله: إنه اهتدى إلى (دليل علمي قاطع يدحض هذا المذهب، ويلقي ضوءاً جديداً أمام العقل البشري الموغل في بحث علاقة الله بالكون) ومذهب الواحدية أو وحدة الوجود من أقدم المذاهب الفلسفية في العالم وأشدها إثارة للجدل. ويكفي لإدراك خطره في تاريخ الفلسفة الحديثة، أن نذكر الفيلسوف الكبير (سبينوزا) الذي يعد من أساطين هذا المذهب في العصر الحديث ومن أعظم الداعين إليه بالقول والعمل
فليأذن الأستاذ - ونحن من المعجبين بكتاباته - بأن نناقشه الرأي في هذا الموضوع الخطير، الذي لا يصح إطلاق القول فيه من غير حجة أو برهان
1 - بدأ الأستاذ بقوله: (وبدهيّ أن النظرة الأولى تهدي إلى أن الله غير الطبيعة، وأن هناك انفصالاُ بين الخالق والمخلوق. . .) ونحن لا نوافق الأستاذ على أن هذه القضية من (البدهيات)، بل ينبغي أن تعد من مسائل الفلسفة الكبرى التي شغلت عقول المفكرين القدامى والمحدثين. . . وعلى أساس الحلول التي قدموها لهذه المشكلة قامت مذاهب لها أثرها في تاريخ الفكر - ومنها مذهب وحدة الوجود
ولعل أقرب دليل على أنها ليست أمراً (بدهياً) أن يعني الأستاذ خلاف بإيراد دليل علمي جديد لإثباتها
2 - يقول الأستاذ خلاف: (ينبغي للمفكرين التجريديين أن يقتصدوا في تلك الفلسفات الفرضية والشطحات الصوفية. لأنها ذاتها (ذاتية) وليست (موضوعية). . .)
ونسائل الأستاذ مستطلعين لا منكرين: هل يجوز أن نصطنع الطريقة (الموضوعية) في بحث المسائل الدينية؟ ألا يمكن أن تؤدي بنا هذه الطريقة إلى نتائج تشبه ما توصل إليه (رينان) في بحثه القيم المعروف؟ أم ترى ذلك صحيحاً بالقياس إلى الدين المسيحي، وليس يصدق على الدين الإسلامي؟
3 - أما الدليل العلمي الذي يدحض به الأستاذ مذهب وحدة الوجود. فخلاصته:
(أن العقل البشري تسلط باللاسلكي وتحكم به في الآلات وإدارتها ورصدها من بعد شاسع. كما نرى في (الرادار) وغيره (وعلى هذا الأساس) يجوز أن تقاس علاقة الله بالكائنات، وبذلك تحل المشكلة التي خلقتها عقول (أصحاب) مذهب وحدة الوجود)
وهذا التعليل (العلمي) طريف ولا شك، ولكنه متهافت قليل الغناء. ألا ترى أنه يوقع الأستاذ خلاف - وهو المؤمن المخبت لله - في ورطة أخرى لا قبل له بها، هي (التجسيم والتشبيه)!
وإن كان (ماركوني) قد أضاء مكاناً في أستراليا وهو في أوربا، كما يقول الأستاذ. فالعلم الحديث يفسر هذه الظاهرة تفسيراً مادياً بحتاً. . . ومَثلُ (ماركوني) في ذلك مثل الذي يوقد ناراً بحجرين يصك بعضهما ببعض. وحاش لله أن يتصل بنا على هذا الوجه المادي الغليظ. . .
4 - ويقول أخيراً: (ينبغي للمفكرين أن ينادوا معنا إلى الصوفية المادية). فما الصوفية المادية التي يدعو إليها الأستاذ؟ فإن رأى الأستاذ خلاف إيضاح ما سبق على صفحات الرسالة الغراء، ليعم به النفع، ويرتفع اللبس، كنا له من الشاكرين.
(بغداد)
صدقي حمدي
حول أغلاط
أخذ الأستاذ (علي محمد حسن) في عدد ماض من الرسالة على الدكتور ناجي بعض أغلاط قصيدته (السراب) أحببت أن أصحح بعضها فيما يلي:
1 - لعل البيت المكسور ينقصه كلمة (عندنا) فيكون هكذا:
اسمك العذب عندنا أروع الأسماء ... مهما تعددت أسماء
وبذلك يكون صحيحاً 2 - (الصدفة) كلمة لغوية بالرغم مما شاع من عدم لغويتها، فكثير من المعاجم وكتب اللغة كاللسان أوردها. وفي حديث أبي ذر (والبر ما حاك في النفس ولم تلده صدفة) وقال أبو دهبل الجحمي:
فطوراً أمني النفس لقياك صدفة ... وطوراً إذ ما لج بي الحزن أنشج
أما (الهناء) فلم أعثر عليها إلا في قول الشاعر:
هناء محا ذاك العزاء المقدما ... فما لبث المحزون حتى تبسما
3 - يوصف الجمع أحياناً بوصف المفرد، وخاصة فيما كان مفرده على أفعل مذكر فعلاء (المغني والأشموني) كأهوج وهوجاء وأسود وسوداء
قال جرير:
وجوههم السوداء جهم كأنها ... ظرابي غربان بمجرودة محل
4 - أما الأبد عند الدكتور ناجي، فلم يخرج عن الزمن عند اللغويين، ولكنه زمن الشاعر الذي يتجسم في خياله المعنى والزمن كأنه محدود.
عبد الحميد ناص
مدرس بكلية اللغة العربية
الخوارزمي
جاء في مقال الأستاذ منصور جاب الله المنشور في العدد 575 من الرسالة ما يأتي:
(كان القدامى يعدون الأديب أديباً بكثرة حفظه، على حين أن كثرة الحفظ لا تجعل من الإنسان أديباً، وإنما تخلق منه (راوية). وليس أدل على ذلك من أن الخوارزمي الذي صدرنا بحكايته هذا الفصل قد هزم هزيمة نكراء حيال بديع الزمان الهمذاني، وهو الشاب الحدث هزيمة اختصرت حياته)
ولا أريد أن أستعرض مع الأستاذ ما كان يراد بكلمة (أديب) في العصور المختلفة، ولا أن أناقشه في أن القدامى لم يطلقوا هذا اللفظ على الخوارزمي لكثرة حفظه فحسب، وإنما رأوا مع ذلك فيه الشاعر الناثر، لست أريد شيئاً من هذا، وإنما أريد أن أرفع عن أبي بكر هذا الظلم الذي لحقه طوال هذه القرون فالخوارزمي لم يهزم في هذه المناظرة من ضعف أو تقصير، ولكننا نجمل أشياء لعلها ترفع عنه هذا الحيف:
(1) انفراد البديع برواية هذه المناظرة، وهو شاب حدث يطلب الشهرة؛ فمن شأنه التزيد والادعاء
(2) استغل البديع قبل المناظرة سيداً شيعياً من المحكمين مدحه بقصيدة. ثم ادعى على الخوارزمي كرهه للشيعة الخوارزمي مبغوضاً من وجوه القوم في نيسابور البلد الذي جرت فيه المناظرة.
(4) استعان البديع بفتائه وحداثة سنه وميل الحاضرين إليه فهوش وشوش، ولعل الخوارزمي استصغر هذه الأمور فكف وعف
(5) وعلى فرض أن الخوارزمي هزم حقيقة في هذا الصراع. فالمعروف أن المناظرة لم تكن في أمور أدبية ذات بال، حتى يستدل بذلك الأستاذ على ما دعاه
هذا مجمل موجز لهذا الموضوع أحببت به أن أنبه الأذهان إلى الحق في هذه المناظرة التاريخية المشهورة
على محمد حسن
مدرس بالأزهر
(وجيدة) للأستاذ شعبان فهمي
تفضل الأستاذ شعبان فهمي المحامي فأهداني قصة (وجيدة) التي قامت بنشرها جماعة نشر الثقافة بالثغر الحبيب؛ فأخذت أنقل البصر بين صفحاتها، وأرسل الفكر وراء لفتاتها؛ فما وجدت فيها غير حيوية تفرض عليك شخصية المؤلف الفاضل في رفق وأناة في غير ما مبالغة في التصوير ولا اضطراب في الوحدة القصصية
القصة صورة واضحة التقاسيم، باسمة الألوان التي تصور البيئة التي أنبتت بطلها ووجد فيها منازع تصوره ومطارح هواه ومهابط إلهامه، وهي فوق ذلك توشك أن تكون طبيعة صادقة تزخر بالآمال والأحلام وتموج بالأشجان والآلام، وقد نلمس آثارها في كل صفحة بل في كل كلمة من كلماتها. ولقد صدق الدكتور (المرحوم) إسماعيل أدهم حين قال إنها قد تكون أول قصة مصرية طويلة تنبع من أصول مصرية وتفيض بمشاعر مصرية
وبعد، فليس بغريب أن تكون القصة على هذه الحال من الكمال في الوحدة والسهولة في العرض والصدق في التعبير فصاحبها الصديق الفاضل تجري في دمائه الروح القصصية، بل إن ثقافته القانونية لتفرض عليه ذلك.
(الإسكندرية)
حسين محمود البشبيشي