مجلة الرسالة/العدد 571/رسائل التعليقات للرصافي
→ إلى الأستاذ توفيق الحكيم | مجلة الرسالة - العدد 571 رسائل التعليقات للرصافي [[مؤلف:|]] |
مستقبل القطن المصري ← |
بتاريخ: 12 - 06 - 1944 |
2 - رسائل التعليقات للرصافي
للأستاذ دريني خشبة
أشرنا في العدد السابق إلى بعض آراء الرصافي القديمة، مما له علاقة بآرائه الحديثة التي طلع بها على الناس فجأة تعليقاً على كتابي الدكتور زكي مبارك: التصوف الإسلامي والنثر الفني. . . إلى القراء الآن بعض هذه الآراء:
1 - يؤمن الرصافي بوحدة الوجود، وأن لا إله إلا هذا العالم الأعظم الكلي، وأن قولنا لا إله إلا الله معنى لها (أنظر العدد السابق)، وخير أن يقال لا إله إلا الوجود. . . (إن البحث والتفكير قد ألجآني إلجاء لا محيص عنه إلى الإيمان بوحدة الوجود (ص 11) وأن الله هو الوجود المطلق اللانهائي (ص 13) - وقد فسر الظاهر والباطن في سورة الحديد بأن (الظاهر الذي نراه بأعيننا وندركه بحواسنا، والباطن الذي لا نراه ولا ندركه) (ص13). ويدعى أن كل شيء في هذا العالم جزء من الله، أو أن المخلوقات (مظاهر للوجود الكلي، كمظاهر الأمواج لماء البحر المائج (ص 15)). ولا يصح لأحد أن يقول أنا الله، كما قال الحلاج، لأنه جزء من كل، وإلا كفر (ص 16)
2 - ويؤمن بأن محمداً، بما أوتى من الكمال النفسي، والفكر القدسي هو سيد العارفين بهذه الحقيقة (ص14)، وإن يكن قد أخفاها عن أصحابه، ولم يلمح بها إلا لأبي بكر: (ولا نعلم أحداً كان يقول بها (بوحدة الوجود) من أصحاب رسول الله اللهم إلا أبا بكر. . . فلا يبعد أن يكون قد أخذ عنه هذه الفكرة بالتلقين، أو يكون قد عرفها من القرآن بالتدبر والتفكير (ص 84))، (وآخر ما نقوله في هذا إنه لم يكن في زمن البعثة من يمثل فكرة وحدة الوجود سوى رسول الله، وأصدق الظن يجيز أن يجعل أبا بكر من عارفيها، كما مرت الإشارة إليه (ص 72))
3 - ولا يعترف بأن القرآن هو كلام الله، ولكنه كلام محمد، فإذا ذكر شيئاً من القرآن قال: يقول محمد في القرآن، (ص 13)، ولكنه يعتذر لمحمد بأنه كان يفني في الله - أو في الوجود الكلي - فناء كاملاً، ولذا جاز له أن يقول هذا القرآن ويزعم أنه يقول الذي يقوله الله، ويفعل الشيء ويؤمن بأن الله هو الذي يفعل (ص 14)
4 - ويعتقد أن كل ما يقع في العالم إنما يقع حسب قوانين لا يمكن الإفلات منها (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً) - ويؤمن بالجبر (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) (ص 23) والإنسان دابة، وأخذه بناصيته، أي جعله تحت قهره وسلطانه واستيلاؤه عليه (ص 24)
5 - وهو لهذا ينكر الأدعية (والصلاة من الأدعية طبعاً)، لأنها لا يمكن أن تغير شيئاً مما لا بد من وقوعه: (. . . لأن الدعاء لا يصح في المعقول أن يكون سبباً لهلاك الظالم، أو لشفاء المريض، أو لقضاء حاجة المحتاج، فإن ذلك خروجاً عن سنة الله. فأن قلت: (فما معنى الاستجابة التي وردت في القرآن (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) قلت: إن الاستجابة تكون بمعنى أن الله (تعالى) يهيئ أسباب هلاك الظالم، وشفاء المريض على وجه موافق لسنة الله، تهيئة غير مسببة عن الدعاء ولا مترتبة عليه. . . الخ (ص 76) وأن هذه الآية واردة مورد التمثيل الذي هو كثير في القرآن (ص 77) ويستدل على أنه لا معنى للدعاء بالحديث (إن الله لا يعجل لعجلة أحدكم) فعبارة هذا الحديث (وحديث غيره) تدل بصراحة ووضوح على أنه لا معنى للدعاء ولا للاستجابة على الوجه الذي يقولونه ويتصورونه (ص78). وإنما فائدة الدعاء هي في التسلية لنفس الداعي عما أصابه، والتنفيس لكربه. . . الخ ص 78
6 - وينزلق الرصافي من هذا ما ينزلق إليه بعض المتصوفة من القول بأن الأدعية (ومنها الصلاة) (هي من الأمور التابعة لظاهر الشريعة، فهي لعامة الناس دون خاصتهم من العارفين (ص82 - 83))
7 - وهو يؤمن بأن كل ما يقع في الوجود فهو حق، وأن الباطل هو المحال. وهو في ذلك يأخذ برأي محيي الدين بن عربي. . . (كل ما وقع في هذه الكائنات فهو حق، إذ لو كان باطلاً لما وقع، وإذا كان كل ما وقع في هذه الكائنات حقاً، تساوت المتضادات بحكم الضرورة، فالضلال كالهدى، والعصيان كالطاعة، والتقوى كالفسق والفجور، والشر كالخير، والحسن كالقبيح. . . الخ (ص 23) ويؤيد هذا بالآية الكريمة: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك، فقناعذاب النار)
8 - وما دامت قد استوت المتضادات في نظره: (. . . فعلى الصوفي أن يأخذ نصيبه من الدنيا كما يشاء، وأن يقرع جبهته بالكأس الروية من لذاتها بقدر ما يستطيع! (ص 83) كيف لا، وهو الذي خلق كل نفس فألهمها فجورها وتقواها، وهو الذي إلى نجديها من الخير والشر هداها! (ص 86)
9 - والتصوف عنده (ليس زهداً وعبادة، وإنما هو فكرة ونزاهة، يتساوى فيه الترهب والخلاعة، ويتلاقى فيه التزمت والدعارة، لأن الله في مذهب وحدة الوجود يعرف بكل ما في الكون، وأن كل ما في هذا الكون حق عند أهل وحدة الوجود، فلا أدل عليه من آثاره، ولا أهدي إليه من ساطع أنواره، وليس وضع الرجل جبهته على الأرض ساجداً لله، بأدل على الله من انكبابه على حليلته (بحروفه من ص 85). وأكثر من هذا، إذا رأى الصوفي في أي نوع من لذات الدنيا وشهواتها ما يفتح له باباً من أبواب المعرفة لم يتأخر أن يطرق بابها، ويفك عيابها، ويلبس ثيابها. . . كيف لا وقد استوت عنده المتضادات، واجتمعت الملذات بالمذلات، وإنما الأعمال بالنيات؟! وكيف يذمون الدنيا وقد أودع الله حبها في الغرائز، وساوى في محبتها بين الشواب والعجائز. (بحروفه وثمة أشد منه ص 84)
10 - وهو يكفر البعث، وربنا آمن بالتناسخ - أو عودة الكائنات بأمثالها لا بأعيانها - ولكنه مع ذلك يعترف بفائدة الإيمان بالبعث، وما يتصوره المؤمن من الحساب، فيمتنع عن الشرور ويقبل على الخيرات. (والذي أراه (في البعث أنه معتقد صرف لا يقوم إلا بالإيمان، وأن ليس للعقل فيه مجال، ولا يخفى أن الإيمان بالغيب يتسع لأكبر منه وأبعد، ولم تقم لنا عليه في الحجج الدينية حجة أعظم من قياسه على النشأة الأولى، ولا يخفى أنه قياس مع الفارق بعيد جداً، لأن النشأة الأولى إنما وقعت على وجه من أسباب النشوء موافق لسنة الله في خلقه، وليس كذلك النشأة الأخرى. نعم! نحن في عالم الكون والفساد ومن الممكن عقلاً أن تعود الأشياء الفاسدة أو الهالكة في هذا العالم إلى كونها الأول، ولكن بأمثالها لا بأعيانها، فإن عودتها بأعيانها مستحيل، ومن العبث إقامة الأدلة العقلية على أمور لا تقوم إلا بالإيمان في جميع الأديان، وليس الدين إلا بالإيمان في جميع الأديان، وليس الدين إلا إيماناً بالعيب، كما جاء في القرآن (يؤمنون بالغيب)، فالإيمان بالغيب هو أساس الأديان كلها (!) (ص 36)
(وكما ينكر الرصافي البعث على الصورة التي نؤمن بها، فكذلك ينكر الثواب والعقاب، ما دام الله - أو الكون الكلي - هو الأخذ بناصية كل شيء، وما دام كل ما يقع في الوجود إنما يقع حسب قوانين لا يمكن الإفلات منها (الجبر المطلق!) وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى للثواب والعقاب، بل لا معنى ليوم القيامة! إلا أنه يعترف بفائدة الإيمان بهذا كله كما قدمنا - وهذه مسألة أخرى - ومع أنه يؤمن بالجبر، يؤمن بأن الإنسان مكلف! لأنه عاقل (وحيثما كان التكليف كان الثواب والعقاب 22 ص 39 إلا أنه يجعل الثواب بعد الموت بالاندماج في الوجود الكلي) ويجعل العقاب بالألم أو الندم الذي يحيق بالمسيء في الدنيا، فإذا مات المسيء وتساوى هو والمحسن في الاندماج بالوجود الكلي، وهو في ذلك يؤمن بما وسوس به الجيلاني. . . (لأن تساوي الطائع والعاصي عند الله لا يكون إلا بعد الرجوع إلى الله أي بعد الاندماج في الوجود الكلي المطلق، فهناك لم يبق للطاعة ولا للعصيان أثر ما!!) ص 32 - 33
وبعد فهذا بعض ما في ذلك الكتاب وموعدنا العدد القادم إن شاء الله
دريني خشبة