مجلة الرسالة/العدد 567/على قبر أخي
→ أذان الفجر | مجلة الرسالة - العدد 567 على قبر أخي [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 15 - 05 - 1944 |
للآنسة فدوى عبد الفتاح طوقان
آه يا قبر، هنا كم طاف روحي ... هائماً حولك كالطير الذبيحِ
أَوَ ما أبصرته دامي الجروح ... يتنزى فرط تبريح ويأسِ
مرهقاً مما يعنّيه الحنينْ
وهنا يا قبرهُ أشواقُ نفسي ... يا لأشواقٍ على تربك حُبْس
وهنا قبلة أحلامي وهجسى ... قرَّبتني الدارُ أو طال نزوحي
فخيالي بك وهن كل حينْ
إن نأى بي البعد ردتني إليكْ ... لاعجات ماتني، وجداً عليكْ
لستَ تدري أيُّ دنيا في يديكْ ... من حنان وبشاشات وأنسِ
يا لقلبي، أصبحت في الهامدينْ
آه يا قَبْرُ له إشعاعُ نورِ ... لا أرى أجمل منه في القبورِ
فيك أحبابي، وفي قلبي الكسيرِ ... مأتمٌ ما انفك مذ باتوا لديكْ
قائماً بأخذ منه بالوتينْ
وإذا يُنزفُ دمعُ المقلِ ... يجهشُ القلبُ أسىً، ما يأُتلى
نادباً عندك أشهى أمل ... باكياً فيك نصيري وظهيري
ساكباُ من ذوْبه غيرَ ضنينْ
أوحش السامر من ذاك السميرِ ... غيرَ أَصْداء فؤادٍ وشعورِ
نغمٌ أفعم أمواج الأثير ... بالأماني والهوى والغزلِ
وترامى بين أحضان السنين
زهرة عطرت الدنيا بنشْرِ ... ثم مالتْ بين أحلام وشعرِ
وذوت عن عُمُرٍ للزهر نضْر ... هكذا تنفَدُ أعمارُ الزهورِ
والشذى باقٍ بروح ألعابرينْ
كلما أشرق في الليل القمرْ ... مُتَرعاً بالنور أعصابَ الزَهرْ
أظلمت نفسي وهاجتني الذِّكر ... كيف غيبتُك في ظلمة قبْرِ كيف أسلمتك للترب المهينْ
وإذا ران على الدنيا هجودُ ... وغفا فيها شقَيٌّ وسعيدُ
لم يزل يهتف بي صوتٌ بعيدُ ... من وراء الغيْب وافى وظهرْ
ومضى يهمسُ همسَ العاتبينْ
عتبه أَخْذِى بأسباب البقاءِ ... أتملى من وجودٍ وضياءِ
وعديل الروح في وادي الفناءِ ... السَّنى ضنَّ عليه والوجودُ
فهو بالحرمان لم يبرح رهينْ
أيها الهاتف من خلف الغيوبِ ... ما ترى نبع حياتي في نضوب
لم أزل أضرب في عيش جديب ... موحش كالقفر موصول الشقاءِ
منذ أمسى نجمه في الآفلين
أين إبراهيم مني أين أيْنْ ... حبة القلب ونور الناظرين
أنا من عيش وموت بينَ بينْ ... فلعلَّ الحيْنَ موف عن قريب
يمسح الجرح وآلام الحنين