مجلة الرسالة/العدد 562/من نداء القلب
→ القرآن الكريم في كتاب النثر الفني | مجلة الرسالة - العدد 562 من نداء القلب [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1944 |
الإناء. . .
للأستاذ إلياس أبو شبكة
أصدر الشاعر اللبناني المطبوع الأستاذ إلياس أبو شبكة ديواناً لطيف الحجم سماه (نداء القلب)، وهو - ما عدا القصيدة الافتتاحية - مجموعة من الشعر الغنائي الرقيق؛ يقرأه الخلي في ساعة إذا شاء، ولكن الرجل ذا القلب الشاعر لا يستطيع أن يفرغ منه ولا أن ينفصل عنه؛ فهو في كل بيت من أبياته لا ينفك بين ذكرى تعاوده، أو أمل يراوده، أو شعور لذيذ يحس انبثاقه فيه، أو وجد أليم يجد أبلغ العبارة عنه. وكان الأشبه بما قلنا أن نسمعك لحناً من ألحان هذا الغزل المشبوب، لهذا الشاعر الموهوب، ولكننا آثرنا أن نسمعك القصيدة الأولى منه، لأنها أبلغ ما يصور حال الأدب الرفيع، في هذا الزمن الرقيع
عصرت فؤادي في إناء من الهوى
وأدنيتهُ من مرشف الفقراء
فقالوا: (خمور ما تبرد غلة)
فتمتمتُ: (واهاً أكبد الشعراء!
أينكر حتى البؤس ما فيك من غنى
وأيّ غذاء أنت للبؤساء؟!)
وذوِّبتُ قلبي في إِناء من الهوى
وأدنيته من مرشف الرؤساء
وقلت لهم: (هذا هو العدل فاشربوا
لعلكمُ تصغون للضعفاء!)
فمالوا جميعاً عن إنائي وغمغموا:
(إناؤك محظور على الزعماء)
وذوبت قلبي في إناء من الهوى
وأدنيته من مرشف السجناء
وقلت لهم: (هذا غراءٌ قلوبك فللأبرياء التاعسين دمائي)
فقالوا: (دماءٌ ما تحلْ قيودنا
فهاتِ قوانيناً لغير قضاء)
وذوبت قلبي في إناء من الهوى
وأدنيته من مرشف الحكماء
وقلت لهم: (هذا هو النور فاشربوا
فآراؤكم في حاجة لضياء)
فقالوا، وقد هزوا الرؤوس شماتةَ:
(ضياؤك هذا خدعة الجهلاء)
وذوبت قلبي في إناء من الهوى
وأدنيته من مرشف الأمراء
وقلت لهم: (هذا هو النبل فاشربوا
وطوفوا بأقداحي على النبلاء)
فقالوا: (أتحقير لطغراء جَدِّنا
وما تنسل الأصلاب من شرفاء؟)
وذوبت قلبي في إناء من الهوى
وأدنيته من مرشف الشعراء
وقلت لهم: (هذا هو الحب فاشربوا
فأزياؤكم مرهونة لفناء
إذا الحب لم يضرم لهيب قلوبكم
بَشِعتم ولو جئتم بألف رداء)
وما زلت في الدنيا أطوف بخمرتي
وحوليَ شعبٌ هازي بوفائي
إلى أن دهاني اليأس فاخترت عزلة
أفتش فيها عن حُطام رجائي وذوبت خمري في إناء من الهوى
لأشربها ممزوجةً ببكائي
فشاهدت قلبي في إنائيَ ضاحكاً
به دعة عذراء في خُيَلاء
فأدنيته من مرشفي وشربته
وما زال ماءُ الحبْ ملء إنائي