مجلة الرسالة/العدد 562/معهد التمثيل المصري
→ برناردشو والحروف اللاتينية | مجلة الرسالة - العدد 562 معهد التمثيل المصري [[مؤلف:|]] |
الحرف اللاتيني والعربية ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1944 |
للأستاذ دريني خشبة
1 - بعد أيام قليلة يفتتح معهد التمثيل المصري فتتحقق إحدى أمانينا التي لم نيأس من الدعوة لها والكتابة فيها، صادرين في ذلك كله عن إيمان لا يتزعزع بأن التمثيل هو ركن من أقوى الأركان في ثقافة أمة تفهم معنى الثقافة الحقة، وتدرك روح العصر الجديد، فيجب أن تتخذ وسائل هذا العصر الجديد
بعد أيام قليلة تأخذ مصر الحديثة في تعليم عدد متواضع من أبنائها أصول هذا الفن الرفيع ليأخذوا على عواتقهم حين يتخرجون تلك المهمة الخالدة. . . مهمة خلق المسرح المصري بكل دعائمه. . . من ممثلين ومخرجين ومؤلفين وناقدين، ومن إلى الممثلين والمخرجين والمؤلفين والناقدين من مهندسين ومصورين وإداريين وعمال وصانعي ملابس وعلماء أزياء، وكل من يستطيع أن يضع مشكوراً لبنة في صرح هذا المسرح الذي نريده مسرحاً مستنيراً لا يعرف الشعبذة ويأنف أن يتخذ التهريج وسيلة إلى قلوب الجماهير، مسرحاً يسمو بجمهوره ولا يهوى بنهضتنا إلى حضيض الهمجية. . . نريد أن يكون لنا مسرح يخدم سمعتنا ويسوى خلقنا ويجدد أدبنا ويهدي الشباب المصري إلى أرفع المثل، فيجافي بينهم وبين تلك الرخاوة التي توشك أن تسمم رجولتهم، ويسلك بهم إلى الفضيلة والفكر الحر تلك السبل التي سلكها شباب أوربا في عصر إليزابث ولويس الرابع عشر. . . ونحن حين نريد هذا نشكر الله الذي هيأ للمسرح المصري هؤلاء الرجال الثلاثة الذين يجاهدون من أجله لأنهم يفهمون وسائله وأغراضه على وجهها الصحيح. . . فأولهم وكيل وزارة عظيم لا يمنعه مركزه الكبير من أن يتزعم حركة الإصلاح المسرحي في مصر، بل هو يرى في تزعمه هذه الحركة ما يزيد مركزه الكبير رفعة لأنها جهاد شريف في سبيل حركة شريفة لخدمة البلاد وخدمة الفكر واللغة والأدب، فهو لا يرى بأساً في أن يحاضر الناس عن طريق الراديو في تاريخ المسرح المصري، وضرورة خلق الدرامة المصرية وجعلها هدفاً من أهداف الأدب المصري. وهو يشجع الفرق المصرية التي تعمل لرفعة الفن فيلخص للناس رواياتها ويزكي مؤلفي هذه الروايات ويظهرهم على عبقرياتنا المسرحية الجديرة بالعطف. . . وثانيهم مراقب للفنون الجميلة قد أشرب قلبه محبة هذ الفنون، فهو يضحي راحته ويسهر الليالي الطوال ليشرف بنفسه على تلك الفرقة الناهضة المتواضعة التي نرجو أن تكون نواة طيبة للمسرح المصري الذي نصبو إليه. وثالثهم بطل من أبطال المسرح القومي مولع بفنه، قد وهبه قلبه ولسانه وبيانه ودمه، قرأنا له منذ أكثر من ربع قرن شهدناه ممثلاً وشهدناه مخرجاً وشهدناه عالماً فما شهدنا في أية ناحية من نواحيه ضعفاً يزري به، وهاهو ذا يعمل مديراً لهذه الفرقة الناهضة المتواضعة فلا يدعي أنه عاهل لمملكة في الخيال، بل ينادي بأعلى صوته أن مسرحنا يفتقر إلى أشياء كثيرة وأن لابد من إدراك هذه الأشياء الكثيرة أو إدراك بعضها ليكون لمصر الحديثة الناهضة مسرحها ولتكون لهذا المسرح شخصيته. . . هؤلاء الأبطال الثلاثة هم الجنود الأوفياء الذين تدور حولهم اليوم آمالنا في خلق مسرحنا المصري، عن طريق هذا المعهد الذي هو آية من آيات الإصلاح التي تنشط اليوم في حياتنا العامة
ولن تمر فرصة إنشاء هذا المعهد، أو إعادة إنشائه، دون أن نسجل هذه الملاحظة الجديرة بالالتفات، فما كاد الإعلان عنه يذاع في الصحف حتى توالت عليه طلبات الالتحاق، ولم تزل تتوالى حتى زادت على الألف. . . وأكثر من نصف هذه الطلبات من حملة الشهادات الراقية، ومن بينها عدد كبير من حملة الشهادات العالية. . . وقد تقدمت أكثر من ستين فتاة من أرقى الأسر المصرية للالتحاق بالمعهد
3 - ولكن المعهد بطبيعة الحال لن يتسع لهذا العدد الضخم، والقائمون بالأمر فيه لا يريدون قبول أكثر من أربعين طالباً وعشرين طالبة، وهو عدد نستقله على المعهد الناشئ الذي نطمع أن يضطلع بخلق نهضة تمثيلية في مصر وفي الأقطار العربية تكون سبيلاً إلى تجديد ناحية مظلمة في الأدب العربي المفتقر إلى الأدب المسرحي. لهذا نرى لزاماً علينا أن نشغب على القائمين بأمر المعهد، وأن نصيح بملء قوتنا أن اقبلوا مائة أو مائتين ليكونوا طلاباً أصليين، واسمحوا لثلاثمائة أو أربعمائة ليكونوا طلاباً منتسبين، واشرطوا عليهم أن يحضروا نسبة معينة من الحصص لا يصح أن يتقدموا إلى الامتحان النهائي إن لم يحضروها؛ فإذا احتججتم بضيق المكان وبقلة المدرسين الصالحين فلا ضير أن تستنجدوا بحضرتي صاحب المعالي وزير الشئون ليهيئ لكم المكان الفسيح الصالح، ووزير المعارف لييسر لكم المعلمين الصالحين المقتدرين. . . وليذكر صديقي الأستاذ مدير المعهد أن له زميلين قديرين تخرجا مثله في أوربا، وأنهما يستطيعان مشاركته في تعليم الفنون المسرحية بأنواعها وبذلك يسهلان عليه دروس الإلقاء وما إليها. . . أما الدروس الأخرى فحسبها المحاضرات التي تتسع لمئات الطلاب، أصليين ومنتسبين وزائرين!
4 - وليذكر القائمون بأمر المعهد أنهم أملنا الذي نرجو ألا يخيب خلق المسرح المصري، وليذكروا أننا لا ننشئ المعهد لإمداد فرقة واحداة أو فرقتين اثنتين بالممثل الصالح والمخرج الصالح والناقد الصالح والمؤلف الصالح وغير هؤلاء من المسرحيين الصالحين. . . كلا، كلا. . . إننا نريد فرقاً كثيرة إقليمية ومدرسية غير فرقة العاصمة. . . لقد أنشأت معظم البلديات المصرية دوراً فخمة للتمثيل، فواجبكم أنتم أن تعمروها بالفرق التي تبعث فيها الحياة. . . واذكروا تلك الحرب التي كانت تنشب بين فرق لندن التمثيلية وفرق الأقاليم، أيها يكون لها الشرف في النهوض بالمسرح الإنجليزي، وما كانت تبذله مسارح لندن من العون للمسارح الإقليمية مما تناولناه في عشرات المقالات على صفحات هذه المجلة
5 - ولابد من التذكير هنا بأن المسرح المصري لا يحسن النظر إليه باعتباره مورداً من موارد الدولة الاقتصادية، بل يجب اعتباره منشأة ثقافية لا تستغني عنها نهضتنا، فهو لا يقل قيمة عن مجمع اللغة ودار الكتب والمتحف الزراعي وإحدى كليات الجامعة، ولهذا وجب على الدولة أن تسخو عليه وأن تدبر له في ميزانيتها كل ما هو خليق به من مال. . . وخليق بنا ألا نقدر نجاحه بمقدار إقبال الطبقات على شهود رواياته، فقد فسد مزاج كثير من هذه الطبقات بسبب عوامل شتى تسربت إليها عن طريق السينما وعن طريق التمثيل الوضيع الذي راجت سوقه بينها مع الأسف الشديد. . . ولهذا لم نر بداً من التذكير بأنه لا يحسن النظر إلى المسرح الذي سوف ننشئه باعتباره مورداً اقتصادياً. ورأيي أن يكون شهود رواياته في أول أمره بالمجان، ورأيي أن تتنقل فرقه في المدارس الثانوية والعالية لتمثل بالمجان أمام الطلبة وأمام الأهالي - على أساس الدعوة المحدودة - كي نطب لهذا المزاج السقيم الذي أمرضته السينما الوضيعة والتمثيل الوضيع.
6 - ويجب أن تواكب الدراسة في المعهد دراسات في مدرسة الفنون الجميلة وفي معهد الموسيقا الشرقي، فينشأ في مدرسة الفنون الجميلة قسم خاص لتصوير المناظر المسرحية ولهندسة المسرح، على أن يدرس في هذا القسم علم تاريخ الأزياء والإضاءة المسرحية. . . أما في معهد الموسيقا الشرقية فتنشأ مادة خاصة بالموسيقا المسرحية، على أن يتولى تدريسها الأخصائيون المصريون ممن درسوا الموسيقا الأوربية وثقفوها علماً وعملاً
7 - هذا. . . ولا ينبغي أن نختم هذه الكلمة دون أن نرجو الحكومة أن تعمل شيئاً لضمان مستقبل رجال المسرح على نحو ما أصلحت به حال المعلمين والمحامين ومستقبلهم، فالمسرحيون بطبيعة حياتهم الفنية قوم مسرفون يبسطون أيديهم ولا يستطيعون أن يغلوها، وقل منهم من يستطيع أن يدخر لغده المظلم الباكي، قرشاً من يومه المشرق الضاحك، وتيسير العيش لهذه الطائفة المجاهدة هو تيسير لقيام المسرح المصري على أسس قوية قويمة، ثم هو واجب على الدولة لا يسعها إلا أن تقوم به في صدق وإخلاص.
دريني خشبة