مجلة الرسالة/العدد 562/برناردشو والحروف اللاتينية
→ في الأدب والفن | مجلة الرسالة - العدد 562 برناردشو والحروف اللاتينية [[مؤلف:|]] |
معهد التمثيل المصري ← |
بتاريخ: 10 - 04 - 1944 |
لأستاذ جليل
قالت مجلة (المستمع العربي) منذ نحو من حولين في الجزء (17) من سنتها الثانية - وهي مجلة القسم العربي في دار الإذاعة البريطانية - في حديثها عن كتاب (معجزة نشأة اللغة) للأستاذ ويلسون
,
(. . . وتمتاز الطبعة الجديدة من هذا الكتاب بمقدمة ضافية كتبها (برناردشو) الأديب الإنكليزية المعروف عالج فيها موضوعاً لا يخلو من أهمية لقراء الشرق الأدنى. إذ يرى هذا الكاتب الألمعي أن حروف الهجاء الإنكليزية لا تناسب اللغة الإنكليزية نظراً لأنها وضعت في الأصل من أجل اللغة اللاتينية التي تختلف في مخارج ألفاظها عن لغة أبناء التاميز. وعلى ذلك فهجاؤها يبعد كل البعد عن وقعها على السمع. ولا شك أن هؤلاء الذين يرغبون في حذق الهجاء الإنكليزي يقرون نقده هذا. وهو نقد لا شك سيهم القارئ العربي أيضاً لاتصاله بالتغيير الذي يقترحه بعضهم بشأن كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية. إذ يحق لنا أن نتساءل بعد ذلك إذا كان من الحكمة الاستغناء عن حروف الهجاء العربية التي تمتاز على الأقل بأنها وضعت خصوصاً للغة العربية واستبدال حروف بها، وإن كانت شائعة الاستعمال إلا أنها لا تناسب حتى هذه اللغات التي دأبت على استعمالها منذ أول عهدها بالكتابة)
ذلكم قول المجلة العربية الإنكليزية، وأغلب ظني أن الكاتب هو الأستاذ (بابار) العرباني المعروف في الغرب الأقصى (مراكش) ومصر وفلسطين وغيرها، وهو رجل مثقف مهذب طيب، عرف العربية ونقل إلى لغته كتباً منها.
والحروف اللاتينية التي نقدها كاتب القوم العبقري (برناردشو) وأيدت تلك المجلة نقده إياها - إنما هي الحروف العربية غير المهذبة كتبها كاتبوها من الشمال مكثرين من حروف المد فيها - والبركات في تلكم الحركات قد خفت وسهل النطق بأحرفها - مطيلين الكلمة بتسطير حروفها جميعها - والعربية قد أبدعت حين اختزلت - متعبين عيون القارئين بم صوروا وطولوا. وشتان ما حرفان أحدهما يريح البصر وآخر يرهقه، فسم الحرف اللاتيني بالحرف المتعب تنصفه. ولقد بالغ إخواننا الترك في الإساءة إلى أنفسهم باستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير وتفضيل الشمال على اليمين. وفي مقالتي (الحرف العربي والإفرنجي) في الرسالة الغراء قد نعيت عليهم ضلالهم هذا، وبينت في تلك المقالة ما بينت. وإني لموقن اليوم أن القوم سيستيقظون من سنتهم بعد سنين، وسيندمون وسيرجعون إلى حروف لسانهم عاملين بالقول الحكيم: (الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل). وفي الأتراك - يا أخا العرب - عقلاء حكماء مخلصون، فلا تيئس من عودتهم
وأما مقترح تصوير العربية بالحروف اللاتينية الذي أشارت إليه مجلة (المستمع العربي) فهو كمقترح استعمال تيك العامية - ولكل إقليم عربي عامية بل بلية - والاقتراحان هما من بنات ليل المرء في وقت المرض. والأمم العربية قد أجمعت على أن تكون في هذه الدنيا في الكائنين لا أن تبيد مع البائدين. وإن وعوعة الباطل متلاشية، ودعوة الحق هي الباقية. وكتاب الدهر كتاب العربية يقول:
(. . . فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. . .)
ما أشقى أولئك الإنكليز المساكين بحروف تهجيهم! إنهم إذا قصدوا التلفظ بالحرف الذي يحاكى (الذال) أو (الزاي) عندنا اضطروا أن يجلبوا حرفين وهما والحرف وإذا أرادوا أن ينطقوا بالحرف الذي يشاكل (الشين) في العربية جلبوا كذلك حرفين وقس على ما ذكر ما لم يذكر. إن بلايا الإنكليز في حرف لغتهم لكثيرة مساكين!
أيها الإنكليز، اتركوا الحروف اللاتينية أو اللاطينية - كما يقول الأقدمون وابن خلدون - وخذوا الحروف العربية كما فعلت الأسبان في وقت من الأوقات. إنهم (خطوا لسانهم الأسباني بالحرف العربي) وما كانوا مخطئين. ولولا سلطان الدين أو الكنيسة، لولا القسيسون والرهبان ما انفكوا يكتبون به حتى يوم الناس هذا
(ن)