الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 560/سجاد الأناضول

مجلة الرسالة/العدد 560/سجاد الأناضول

بتاريخ: 27 - 03 - 1944


للدكتور محمد مصطفى

- 3 -

سجاد (دمشق)

اشتهر هذا النوع من السجاد أي (سجاد دمشق)، لأن زخارفه تماثل زخارف ألواح القاشاني المشهورة باسم (دمشق). ولكن علماء الفن الإسلامي يقولون إن دمشق لم تشتهر بصناعة السجاد، وهم لذلك يرجحون أنه كان يجمع في هذه المدينة لشهرتها كمركز تجاري، ويعد بها للتصدير إلى أوربا. والرأي السائد هو أنه كان ينسج في مناسج خاصة بالبلاط العمثاني أنشأها السلطان سليمان القانوني بجهة قريبة من القسطنطينية مثل مدينة بورصا، وأحضر إليها صناع السجاد من مصر وإيران. ويتضح مما نراه في طريقة نسج زخارفه النباتية من الدقة التامة والعناية أنها منقولة عن رسوم وتصميمات وضعت لها من قبل.

ونلاحظ في هذا السجاد أن الزخارف النباتية الإيرانية التي استعملت فيه قد تطورت إلى درجة كبيرة، ودخلت عليها عناصر جديدة جعلتها كثيفة وغنية، فتبدو كأنها تحاكي الطبيعة إذا نظر إلى كل وحدة منها على حدة، ولكنها تظهر في مجموعها مهذبة وشديدة الكثافة. ويتبين هذا في أشكال المرواح النخيلية الكبيرة، وفي تموجات الأوراق الملتوية ذات الأسنان، وفي الأغصان والفروع المثقلة بالزهور، وفي الطريقة الزخرفية التي ترسم بها زهور النرجس والسوسن والقرنفل. وتنسج هذه الزخارف باللون الأصفر أو الأبيض على أرضية بالأحمر أو الأزرق، والألوان الأخرى المستعملة فيه هي الأخضر والأسود

وينسج سجاد دمشق من صوف ماعز الأناضول اللامع، أو من الحرير. وللسجاد المنسوج من الحرير خصائص أنواع سجاد الأناضول الأخرى المنسوجة من هذه المادة، أي أن لحمته تصبغ باللون الأخضر، وكذلك السداة إذا كانت من الحرير أيضاً

وفي (شكل 1) بساط من سجاد دمشق أرضيته باللون الأحمر عليها بالأصفر والأبيض والأزرق المائل إلى الاخضرار زخارف نباتية وفروع متشابكة وكثيفة بأوراق مسننة كبيرة مرسومة في أوضاع متناظرة (سيمترية). وهذا البساط من أواخر القرن السادس عشر، وهو في مجموعة دار الآثار العربية

سجاد (ترانسلفانيا)

عثر هواة السجاد في أواخر القرن الماضي على عدد كبير من نوع خاص من سجاد الأناضول كان محفوظاً في خزائن كنائس مدينة كرونستاد بمقاطعة ترانسلفانيا، فعرف هذا النوع باسم (سجاد ترانسلفانيا)، ويعلل وجود عدد كبير منه في مدينة كرونستاد أن رجال الكنيسة في هذا البلد كانوا يتقاضونه بمثابة مكس من تجار السجاد القادمين من الأناضول كي يسمحوا لهم بالمرور إلى غرب أوربا. وكان هذا السجاد يستعمل في الكنائس البروتستانتية بترانسلفانيا لتغطية كراسي الصلاة، وكان أفراد العائلات يتوارثونه جيلاً بعد جيل.

ونجد سجاد ترانسلفانيا مصوراً في اللوحات الأوربية المرسومة فيما بين سنتي 1520 و 1700. والغالب أنه كان ينسج في جهات قونية أو لاذق كما يتبين من متانة نسيجه وكثافته، وقد انقطعت صناعته منذ منتصف القرن الثامن عشر

وهذا السجاد متشابه في رسومه، ففي وسط أرضيته نرى عقد محراب أو عقدين متقابلين، وتواشيح العقود مزينة بفروع متشابكة بسيطة مرسومة بطريقة هندسية يمتاز بها نوع ترانسلفانيا، أو بزهور في شكل تروس وأوراق بسيطة مسننة. ويزخرف الإطار بزهور كبيرة غريبة المنظر يتدلى من جانبي كل منها ورقتان مسننتان يجعلانها تشبه شكل الجعران، أو بمناطق نجمية بداخلها وحدات زخرفية يتفرع من جانبي كل وحدة ما يشبه الخطاف

وألوان سجاد ترانسلفانيا زاهية ويغلب فيه اللون الأحمر والأحمر الزاهي والأزرق الفاتح والأصفر السمني والبني المائل إلى اللون الأسود الذي يحصلون عليه باستعمال مرارة الحيوانات في الصباغة

واللحمة والسداة من الصوف، ولا تزيد مقاساته عن 1. 2 2. 00 متراً

وفي (شكل 2) سجادة صلاة من نوع ترانسلفانيا، عليها محراب بعقد مدبب تتدلى منه مشكاة، وأرضية المحراب باللون الأصفر السمني، عليها بالأبيض والأحمر الفاتح والأزرق الزاهي فروع مزهرة متشابكة في وضع هندسي متناظر سيمتري. وخاصرتا عقد المحراب باللون الأزرق القاتم وعليها بالأحمر فروع متشابكة مرسومة بشكل هندسي تظهر كأنها متشجرة. وإطار هذه السجادة يتألف من شريطين على شكل شرفات متجاورة بالأحمر والبني الأسود، بينهما شريط عريض عليه مناطق نجمية بداخلها وحدات زخرفية هندسية يتفرع من جانبي كل وحدة ما يشبه الخطاف من النوع الذي يمتاز به سجاد ترانسلفانيا. وزخارف الإطار مقطوعة وغير متصلة كما يتبين ذلك في الركن الأعلى الأيمن وفي الجانب الأسفل من الإطار، وهذا النقص يمتاز به سجاد الأناضول، لأن الصناع الأناضوليين - بعكس الصناع الإيرانيين - لم يتقنوا نسج الإطار المتصل الزخارف. وهذه السجادة من أواخر القرن السادس عشر، وهي في مجموعة المسيو بنسيلوم

سجاجيد الصلاة

تميز سجاجيد الصلاة بالمحراب الذي يحدد عليها بخطوط واضحة وبألوان تتباين مع الألوان المحيطة به. وعقود هذه المحاريب لها أشكال كثيرة، فهي ترسم بخطوط مستقيمة أو مدرجة أو متموجة، وتكون مدببة الشكل أو مفرطحة أو على شكل حدوة الحصان. وقد تكون للمحراب عقد واحد أو عقدان أو ثلاثة عقود. ولكل بلد ينسج فيها السجاد طراز خاص بها لعقد المحراب، حتى أنه يمكن غالباً الاستدلال على مكان نسج السجاد من شكل عقود محاريبه.

وقد تزخرف أرضية المحراب فتتدلى من العقد مشكاة أو إبريق أو باقة من الزهور أو فرع طويل مزهر، وأحياناً تنتشر عليها زهيرات صغيرة فيسميها تجار السجاد (سينكلي) أي بالذباب

وترتكز بعض عقود المحاريب على أعمدة تكون في السجاد القديم مطابقة للشكل المعماري، ثم تتطور هذه الأعمدة حتى تصبح في شكل فروع مزهرة تتدلى من العقد بدلاً من أن تكون دعامة له يرتكز عليها

وتزخرف تواشيح خواصر هذه العقود بفروع نباتية شديدة التهذيب، أو بزهور مرصوصة في صفوف منتظمة

أما إطار هذه السجاجيد فإنه يتألف من ثلاثة أشرطة يكون الأوسط منها عريضاً، أو من عدة أشرطة رفيعة بيضاء وسوداء عليها نقط في مسافات متساوية فتسمى (شُبُكلى) لأنها تشبه غابة (الشبك)

ومن بين أنواع سجاجيد الصلاة نوع يسمى (صف) ينسج في جهات متعددة من مراكز نسج السجاد بالأناضول، ويرسم له عليه (صف) واحد أو أكثر من صف من المحارب المتجاورة، لتأدية الصلاة جماعة. وهذا النوع ينسج غالباً في الأناضول وفي بلاد التركستان الصينية. ومحاريب القديم منه متماثلة في السجادة الواحدة، ولكنها تختلف من حيث اللون والزخارف في كل سجادة من السجاد المنسوج بعد أواخر القرن الثامن عشر

وثمت نوع آخر من سجاجيد الصلاة يسمى (تربه لك) أو (مزار لك) ترسم على أرضية محرابه شواهد قبور أو مدافن بها أشجار سرو. ويستعمل هذا السجاد لفرش المقابر أو لتغطية نعش الموتى

جورديز

تقع مدينة جورديز في الجهة الشمالية الشرقية بالقرب من أزمير، وإليها ينسب السجاد المعروف بهذا الاسم

ويرسم محراب هذا النوع عادة في وسط السجادة تماماً، فتصير مقاساته بذلك أقصر منها في الأنواع الأخرى. وتعلو المحراب حشوة عليها زخارف قائمة بذاتها تختلف عن الزخارف الأخرى في السجادة، وترسم في أسفله حشوة أخرى متماثلة لهذه

وتلون أرضية المحراب غالباً بلون واحد أحمر أو أخضر أو أزرق أو أصفر وأحياناً باللون العاجي. وهذه الألوان تكون دائماً خفيفة وباهتة

وتنسج سجاجيد الجوردين من نسج ضيق محكم يزيد في دقة الرسم. واللحمة والسداة في السجاد القديم من الصوف، وفي بعض السجاد المتأخر تكون السداة من القطن

وتعرف بعض سجاجيد هذا النوع باسم (قيز جورديز) أي جورديز الفتاة. ويقال إن هذا السجاد كان ينسجه البنات ويعنون بنسجه عناية كبيرة بقصد إهدائه إلى أزواجهن عندما يتزوجن. وتتألف زخرفة الإطار من مثلثات في وضع مختلف، ترتكز على قاعدتها أو على إحدى زواياها وتزخرف بزهور مهذبة ويفصل بين هذه المثلثات أشرطة عريضة بيضاء عليها نقط سوداء موزعة بنظام وتنسيق. ويوجد نوع آخر من سجاد قيز جورديز ينسب إلى كبير من العظماء اسمه (قرا عثمان أوغلو) تكون أرضيته دائماً بالأبيض وهو دقيق في رسومه

ويرجع إلى عصر السلطان عبد المجيد (1839 - 1861) سجاجيد أرضيتها باللون الأبيض عليها شجرة سرو أو شجيرات مورقة، وزخارفها متأثرة بالزخارف الأوربية

وفي (شكل 3) سجادة صلاة (صف) من نوع جورديز عليها خمسة محاريب بجانب بعضها، أرضيتها بالتوالي من اليمين إلى اليسار باللون الأصفر السمني الغامق والأحمر الباهت والأزرق الزاهي والأخضر النباتي والأصفر السمني الفاتح. وتواشيح العقود محلاة بزهور متجاورة مرتبة في صفوف. ويحد المحراب من أعلى وأسفل منطقة مستطيلة على شكل خشوة بها زخرفة نباتية. وإطار السجادة به شريط من وحدات زخرفية لها أسنان تشبه المشط، وهي لذلك تسمي (دركلي) أي ذات المشط، ويتفرع من جانب كل الشط تفاحتان. وهذه السجادة من أواخر القرن الثامن عشر وهي في مجموعة السيد صلاح الدين رفيق صير مالي.

(يتبع)

محمد مصطفى