مجلة الرسالة/العدد 55/الامتيازات الأجنبية والضرائب
→ من روائع عصر الأحياء | مجلة الرسالة - العدد 55 الامتيازات الأجنبية والضرائب [[مؤلف:|]] |
الذكرى ← |
بتاريخ: 23 - 07 - 1934 |
2 - الامتيازات الأجنبية والضرائب
للأستاذ زكي دياب المحامي
يرى بعض الشراح أن إعفاء الأجانب من الضرائب التي تفرضها الحكومة المصرية قائم على اتفاقات دولية، وهم في زعمهم خاطئون. وآية ذلك أن الاتفاقات الخاصة بالامتيازات كانت ترمي إلى إعفاء الأجانب الكيدية، وخصوصاً ضريبة الرأس وهي ما تقضي قواعد الشريعة المطبقة في الدولة العلية حينذاك بأن تجبى من كل أجنبي يقيم أكثر من سنة في بلد إسلامي. وكانت تعتبرها الشريعة أيضاً نوعاً من الجزية، فضلاً عن أن في دفعها مظهراً للاستبداد والتعسف المالي. هذا ويلاحظ أنه وإن كانت هذه الاتفاقات تحمي الأجانب من حملة المكايد إلا أنها لم تعفهم إعفاء مطلقاً من الضرائب بكافة أنواعها. وقد كان الأجنبي منظوراً إليه بعين الكراهية لنزعته الدينية، وبدراسة نصوص الاتفاقات الفرنسية والإنجليزية يظهر ذلك جلياً. على أنه وإن كانت الاتفاقات الفرنسية تعفي الأجانب من فرائض صغيرة فيها شيء من التعسف، فان ذلك الوضع لا يمنع من فرض ضرائب معروفة لدى الدول المتمدينة، فالهوة سحيقة بين الجزية القديمة التي كانت تفرض من جانب الظافر على المهزوم وبين الضرائب التي تفرض في الدول الحديثة.
وترى الأوساط الأجنبية هنا وجوب الإعفاء من كل تلك الضرائب، ضريبة الأراضي العقارية والرسوم الجمركية، ويرد على هذا بأن العامل الوحيد الذي حدا بالدول إلى طلب هذا الامتياز والحرص عليه هو وضع الأجانب في مأمن من تيار الضرائب الكيدية التي كان يفرضها الحكام في ذلك الوقت بدليل أن نص الاتفاقات لا يتضمن إعفاء عاماً للأجانب، فالدول في الواقع كانت تقصد حماية رعاياها من حيث طريقة جباية الضريبة ولكنها لا تعارض في فرضها. وما دامت قد ذهبت العلة فلا داعي لبقاء المعلول. فدوافع الكيد معدومة.
ولا غرو فمبدأ المساواة في تحميل الضرائب قد حبذته لجنة التحقيق في بيانها سنة 1878. وهي مؤلفة من أجانب عينوا بعد مفاوضات مع الدول. أليست هذه حجة قوية؟ وأليست هذه شهادة شهود من أهلها؟
وفي مؤتمر لندن سنة 1885 أكدت الدول بصراحة رغبتها في المساواة، ورأت من العد إخضاع الرعايا الأجانب القاطنين بمصر لنفس الضرائب التي يخضع لها المصريون. . وقبلت (الدول) تنفيذ ديكريتو سنة 1884 الخاص بالضرائب على أراضي البناء فسرى على الأجانب والمصريين كما سبق القول. وفي قرارات ذلك المؤتمر الخطير حجة لنا دامغة لا يأتيها الباطل من بن يديها ولا من خلفها.
وفي مستهل القرن العشرين استنكرت الشخصيات الكبيرة المعروفة في عالم السياسة نظام الامتيازات في مصر فصرح اللورد ملنر في كتابه أو (إنجلترا في مصر) بأن إعفاء الأجانب من الضرائب في القطر المصري من المنح التي خلقتها الامتيازات بدون وجه حق، وفي عبارته التالية مبلغ ذوده عن رأيه الحكيم:
'
وأعرب لورد كرومر بأنه لا يتردد في القول بأن النظام المعروف بالامتيازات في مصر لا يتفق إطلاقاً وحالة مصر الحاضرة:
' , ' ' , '
وبعد، أليس من الجور في أخص صورة أن مصر وقد خطت في سبيل المدنية الصحيحة والتقدم خطوات لم تنكرها عليها الدول؟ أليس من الجور أن مصر هذه إن أرادت فرض ضريبة جديدة تستعين بها على ما تقوم به من أعمال كبار أن تلجأ إلى اثنتي عشرة دولة تلتمس موافقتها. إنه مظهر من مظاهر قصور السيادة، وجرح لا يندمل في صميم العزة القومية.
ومن ذلك ما حدث خلال المدة التي أعلنت فيها الأحكام العرفية على البلاد، إذ جرت السلطة العسكرية على إصدار أوامر تسري على الوطنيين والأجانب سواء بسواء، وكان بين هذه الأوامر ما يتعلق بفروض مالية قبل الأجانب، والوطنيون يحملونها. فلما ألغيت الأحكام العرفية أثار إلغاؤها دفائن العصيان المدني لأوامر الحكومة المصرية، فامتنع أكثر الأجانب عن دفع ضريبة الحفر، وأشار بذلك بعض القناصل وعللوا الامتناع بأن دولهم لم توافق عليها. وما كانوا ليقولوا كلمة وقت أن فرضتها السلطة العسكرية.
ومجمل القول أن نظام الضرائب في مصر جد متناقض، وعلة ذلك نظام الامتيازات العتيق والتوسع الضار الذي خلقه العرف السائد الآن والقواعد القديمة البالية، والأوضاع الكيدية المهينة التي صورتها الامتيازات. وهل ترى من العدالة أن الأراضي الزراعية وجلها في يد المصريين تثقل بالضرائب حتى لتكاد تستغرق الإيراد، أما التجارة الواسعة وهي في يد الأجانب، والصناعة الممتازة المكسبة، والمصارف الكبرى وكل ذلك في يدهم، فمعفى من الضرائب.
وأخيراً فلا تردد في إبراز الحقيقة نيرة في سطور معدودة ذلك أن قيام الأجانب متمسكين في وجه مصر بامتيازاتهم كلما حاولت الحكومة المصرية السعي لإلغائها أو تخفيف وطأتها سيكون له من الأثر الخطير ما يقرب أجل الامتيازات، لأن الحال على ما هي عليه لن تدوم طويلاً ولابد لمبادئ العدالة أن تسود يوماً ما.
(تم البحث)
زكي دياب