مجلة الرسالة/العدد 542/الريف المصري
→ جامع أحمد ابن طولون | مجلة الرسالة - العدد 542 الريف المصري [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 22 - 11 - 1943 |
الأستاذ محمد طاهر الجبلاوي
اشرق الضوء على كوخي الصغيرْ ... في ظلال الريف والخلق نيامْ
فتنبهت على صبحِ نضير ... ناعم الأنفاس عذب الابتسام
كشف الستر عن الكون القرير ... بيد من فضة في عسجدِ
فتجلى وجه الصافي المنير ... يعد النفس بيوم مسعد
وصياح الديك من فوق اليفاعْ ... هاتفاً يبعث في الأفق الطربْ
يا له من شاعر هز البقاع ... حين حيا بالنشيد المقتضب
والعصافير على أشجارها ... صادحات بأفانين الغناءْ
أي روح حل في أوكارها ... فأشاع البشر فيها والصفاء
وخوار وثغاء وبغامْ ... باديَ البهجة في كل مكانْ
هي موسيقى نشوز وانسجام ... تُبعث الدنيا بها في مهرجان
ونباح الكلب من خلف الغنمْ ... في انتباهٍ ومراح واقتحامْ
هزه الوجد وأشجاه النغم ... فجرى في نشوة بين الزحام
منظر في الريف يستهوي الْجَنانْ ... أين منه ضجة في المدنِ
كل ما فيه جمال وحنان ... خالد الحسن خلود الزمن
وترى الفلاح رحب المنكبيْن ... باسطاً كفيه مثل الباشقِ
يرمق الزرع بعين أي عين ... وفؤاد كفؤاد العّاشق
هو في الحقل عزيز الجانب ... وله فيه مضاء وأملْ
ليس يغري بنعيم كاذب ... أو يرى حِلف خمول وكسل
فأسه تنبض في قبضته ... وهي في الحق حديد وجمادْ
عزمه الصادق في حدته ... بعث القوة فيها والجلاد
يبذر الحب ويرجو الثمراتْ ... في رضاء ووقار خالب
حيثما سار يبث البركات ... وهو يسعى في مشوح الراهب
فإذا الأرض سرى فيها النماءْ ... وكساها بالقشيب النَّضِ خالج النفس صفاء وبهاء ... وتجلت فتنةً للنظر
فتنة لا بل ضياء وهدى ... وجمال جل في إتقانه
ذلك المخضلُّ من تحت الندى ... كم أراح القلب من أشجانه
لو رأيت القطن في بهجته ... وهو يختال على الغصن المديدْ
قلت حلم الصب في نشوته ... يتوشى كل يوم بجديد
وكأن القمح في رَأْد النهارْ ... يتراءى في شذور الذهبِ
لجة الماء يغُشّيها النضار ... وتحلى من شعاع المغرب
والسواقي من قريب وبعيدْ ... صادحاتُ بالمياه الجارية
يتغنى خلفها طفل سعيد ... مستظلاً بالغصون الساجية
وبنات الريف يحملن الجرارْ ... في دلال يكتسي بالخجل
هن للقرية زين وفخار ... وعليهن صلاح المنزل
حبذا الزوجة تصفي ودها ... وتؤاسي الزوج بالقلب الأمينْ
تحلب الشاة وترعى ولدها ... وهي في الحقل له نعم المعين
خُلق يورق في ظل الربى ... ويروَّي من معين لا يشابْ
هو والنبت ونفحات الصبا ... فطرة تذكو بأرواح عِذاب
أيها الريف زهت فيك الحياة ... وتجلت صنعة المقتدرِ
كلما حدثت قلبي بمناه ... راعني فيك جمال الذِّكرْ
فإذا النفس تولاها الكرى ... ومضت تغفل عن دنيا الزحام
لحتَ في الخاطر حلماً مزهرا ... يتلاقى الصفو فيه والسلام
محمد طاهر الجبلاوي