مجلة الرسالة/العدد 541/الفاكهة المحرومة
→ أوزان الشعر | مجلة الرسالة - العدد 541 الفاكهة المحرومة [[مؤلف:|]] |
أمتع قصص الحب في الأدب الفرنسي ← |
بتاريخ: 15 - 11 - 1943 |
للأستاذ سيد قطب
- 1 -
من هذه التي أتشهاها وهي مني قريبة، وأتمناها وهي على قيد خطوة، وأحلم بها وهي على مرأى ومسمع، وأدنو منها فلا أقترب، وأملأ منها يدي، فإذا يداي منها فارغتان؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 2 -
من هذه التي تلوح كالسراب، تظمئ الحس وتروي الخيال، وتطمع النفس ونيلها محال؛ وتتراءى قريبه مني أبداً، بعيدة عني أبداً، كأنها خارجة من قيود الزمان والمكان؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 3 -
من هذه الأسطورة الخرافية، التي لا تتجسم في حياتي فتريحني، ولا تنأى عن طريقي فتريحني؛ ولكنها تتخايل لي حيثما توجهت، تسد الطريق على سواها ومكانها خلاء، وتدعني هكذا في الحياة معلقاً بين الأرض والسماء؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 4 -
من هذه التي تبعد عني فأشتاقها، وتقرب مني فأشتاقها، وأهرب منها لأعوذ بها، وأبلغ نهاية السخط لأبلغ غاية الرضا، وتختلط أحاسيسي بها فتفقد أسماءها التي تعرفها اللغة ويتعارفها الناس؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 5 -
من هذه التي تزدحم نفسي بالخواطر حولها، فإذا تحدثت إليها تحدثت في تفاهات لا صلة لها بهذه الخواطر، فإذا هذه التفاهات مليئة ثمينة، وإذا في هذه التفاهات ري وشفاء، كأن انسابت فيها تلك الخواطر، فأفعمتها نبضاً وحياة؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 6 -
من هذه التي أسمعها تضحك أو تقفز من بعيد، فيشع ذهني بالسنى، وتفيض نفسي بالحياة، وتطيف بي رؤى من السعادة. وأراها ذابلة أو هامدة، فأتهالك وأنهد، وأحس بوقر السنين على عاتقي؛ وأعجز عن مواجهة الحياة؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 7 -
من هذه التي لها حساب معلوم في كل ما أفكر وكل ما أقدر، وكل ما أرسم من خطة أو أتخيل من رجاء. فما أستطيع أن أتصور الحياة إلا وهي معي، وما أستطيع أن ألمح خطوي إلا وخطوها معي؛ فإذا حاولت أن أتخيل لها طريقاً غير طريقي تشتت الذهن واضطرب الخيال؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 8 -
من هذه التي أحس من أعماقي أنها خلقت لي وأنني خلقت لها، فإذا أنا حاولت تجسيم هذا الإحساس، قامت في وجهي العراقيل، واعترضت سبيلي الأشواك، وهتفت بي من اتجاه: مكانك!
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 9 -
من هذه النابتة في ضميري كما تنبت الزهرة في الغصن، الشائعة في كياني كما يشيع الدم في الجسم، المتغلغة في حياتي كما تتغلغل الحياة في الأحياء، المنتشرة في عالمي كما تنتشر الظلال والأضواء؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 10 - من هذه التي لا يؤذيني أن أراها تألم لأجلي، ويلذ لي أن أراها تألم لأجلي؛ وتتولى على حسي ضروب المشاعر التي تتوالى على حسها كالترمومتر الحساس، وتنعكس على نفسي ظلال خطراتها الخفية في شتى الأحوال؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 11 -
من هذه التي ينطلق في كياني تيار من الكهرباء حين أمسها في لمسة، أو ألتقي بها في نظرة، أو أحلم بها في خيالي؛ فإذا كياني كله يهتز، وتمتزج فيه الأحاسيس المتضادة، وتتوفر فيه المشاعر والجوارح، ويشتعل فيه الحس والوجدان؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 12 -
من هذه التي أكره الحياة من أجلها، وأحب الحياة من أجلها، واندفع في كل اتجاه ثم أعود في النهاية إليها، أستمد منها الحياة.
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 13 -
من هذه الصبية العجوز التي ترنو كطفلة، وتتحدث كقهرمانة، وتشهق بالدمع فتخالها تتطلب الحلوى، وتتعمق الحياة فتحسبها فيلسوفة، وتفرح بالجديد كالطفل الغرير، وتزهد في الدنيا كالراهب الشريد؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 14 -
من هذه التي يخيل إلي في بعض اللحظات أن أناغيها وأربت عليها لتنام، وفي بعض اللحظات ألتمس عندها العطف والحنان، وإنها لصادقة في الأولى صادقة في الأخيرة، وفية للحياة في جميع الأحوال؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 15 -
من هذه التي أضمها مرة فتخنس كالطفلة، وأضمها مرة فتنساب كالأفعى، وأضمها مرة فتنقلب كالغزال؛ وهي في كل حالة تفعمني بالحب والحنان، وتغمرني بالفيض والحياة؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 16 -
من هذه القديسة المغرية في آن، الطاهرة الساحرة في آن العبقرية القلب والجسد، المثيرة الحس والوجدان؛ التي يتلقى فيها الغي بالرشد والحيوان بالإنسان؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 17 -
من هذه الممشوقة كتمثال فتان، المنسقة كأنها فكرة فنان، الساكنة كأنها في خشوع، المتدفقة كأنها ينبوع، الهادئة العمات، الحارة الخلجات، التي تلتقي فيها الأضداد في انسجام؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 18 -
من هذه الأنثى بالحس، الفنان بالروح، الراهبة بالفكر، القديسة بالوجدان، المخلص لحواء في كل آن، حتى وهي تثور على حواء، وتسخط على بني الإنسان؟
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 19 -
من هذه التي لا أرتوي إلا بها، ولا أحيا إلا بإشعاعها؛ ثم يقتلني الظمأ وهي مني قريبة، وتخذلني الحياة ويداها إلي ممدودتان؛ فإذا أنا ثرت على هذا الحرمان، وتمردت على هذه الحواجز، قهقه القدر الساخر، ودوت بضحكه الأرجاء
إنها الفاكهة المحرمة. . .
- 20 -
أيها القدر. لماذا وضعتها في طريقي، ولماذا جعلتها فاكهة محرمة؟ إنني أسمع أيها القدر حكمك الصارم الساخر:
مكانك! إنها الفاكهة المحرمة. . . وكفى
سيد قطب