مجلة الرسالة/العدد 540/أوزان الشعر
→ الشعر المرسل وشعراؤنا الذين حاولوه | مجلة الرسالة - العدد 540 أوزان الشعر [[مؤلف:|]] |
المشكلات ← |
بتاريخ: 08 - 11 - 1943 |
1 - الشعر الأوربي
للدكتور محمد مندور
يخيل إلي أننا قد وصلنا الآن إلى مرحلة من نمو ثقافتنا يجب عندها أن نأخذ أنفسنا بالصرامة فيما نكتب، فلا نتحدث إلا عن بينة تامة وتحقيق لما نقول، بعد أن نكون قد عمقنا الفهم، وإلا فسنظل ندهم ونتوهم أننا نعرف شيئاً نافعاً، ونحن في الواقع نضرب شرقا بغرب ضالين مضللين.
وهناك مسائل لا يكفي للحديث عنها أن نقرأها في كتاب إنجليزي أو فرنسي ثم ننقلها إلى قرائنا حسبما نظن أننا قد فهمناها. هذا لا ينبغي. ونأخذ اليوم لتلك المسائل مثلاً من (أوزان الشعر)، كما تحدث عنها الأستاذ دريني خشبة فيما يحشد من أحاديث.
يريد الأستاذ أن يميز بين العروض الإنجليزي وغيره من الأعاريض الأوربية وبين العروض العربي، فيقول: (وبحسبنا هنا أن نذكر أن العروض الإنجليزي، بل كل أنواع العروض في اللغات الأوربية، إنما أساسها التفعيلة وليس أساسها الأبحر كما في العروض العربي). وهذا قول لا معنى له إطلاقا، لأن جميع أنواع الشعر الشرقي والغربي على السواء تتكون من تفاعيل يجتمع بعضها إلى بعض، فتكون الأبحر والشعر العربي في هذا كغيره من الأشعار. وإنما التبس الأمر على الأستاذ لأنه رأى الأبحر في الإنجليزية تسمى باسم التفعيلة المكونة لها، فيقولون. . الخ. وأما في العربية فقد وضعوا لها أسماء أخرى كالطويل والبسيط وغيرها. وإذا كانت في الشعر العربي أبحراً متجاوبة التفاعيل كالطويل أو البسيط مثلا حيث نجد التفعيل الأول يساوي الثالث والثاني يساوي الرابع، فإن هناك أيضاً أبحر متساوية التفاعيل كالمتدارك والرجز والهزج والكامل وغيرها. وهذه وتلك كان من الممكن أن تسمى بأسماء تفاعيلها فالمسألة مسألة مواضعة. وإذا كانت في الشعر العربي زحافات وعلل فإن الشعر الأوربي أيضاً فيه ما يسمونه بالإحلال فتراهم يضعون مقطعاً سبوثدياً محل مقطع داكتبلي أو مقطع إيامبي، وفي الشعر العربي والشعر الأوربي معاً لا يغير هذا الإحلال من اسم التفعيل الأصلي. وإذن فكل الأشعار من هذه الناحية لا تختلف في شيء.
وإنما تتميز الأشعار ببينة التفاعيل، وهنا نلاحظ أن الأستاذ خشبة لم يدرك بأذنه حقيقة الشعر الإنجليزي، وكان السبب في ذلك اعتماده فيما أرجح على قواميس اللغة الإنجليزية، فقد قرأ في أحد كتب العروض الإنجليزي أن هناك شعراً تتكون تفاعيله في الأيامب، وشعراً تتكون تفاعيله من الداكتيل. . . الخ. مما يجده القارئ في هامش مقاله، وبحث في القاموس فوجد أن الأيامب عبارة عن وحدة من مقطعين، أولهما قصير والثاني طويل وهكذا. وفاته أن هذه التعاريف لا تنطبق على الشعر الإنجليزي بسهولة، وإنما هي خاصة بالأشعار اليونانية واللاتينية، ففي هاتين اللغتين تتميز المقاطع بعضها عن بعض بالطول والقصر، وأما اللغة الإنجليزية واللغة الألمانية فتتميز مقاطعها قبل كل شيء بالارتكاز الصوتي فهناك مقاطع تنطق بضغط وأخرى بغير ضغط، وعلى هذا يكون الأيامب وحدة من مقطع لا يحمل ارتكازاً وآخر يحمله. ومن ثم لا يكون الشعر الإنجليزي (شعراً كمياً بل (شعر ارتكاز وهذا هو الرأي المعتمد.
وفي موضع آخر يقول الأستاذ: (ويفضل بعض الشعراء البحر الإسكندري نسبة إلى الإسكندر الأكبر القصائد التي نظمت فيه من هذا البحر. ويؤثر شعراء المأساة الفرنسيون النظم من هذا البحر إطلاقاً وهو يتكون من اثني عشر مقطعاً (ست تفعيلات إيامبية مقطعين). (وهذا القول أيضاً يدل على أنواع من عدم الدقة بل ومن الخطأ البين. فعدم الدقة نجدها في شرح سبب تسمية هذا البحر فهو ليس نسبة إلى الإسكندر الأكبر بل نسبة إلى رواية بالذات كتبت في القرن الثاني عشر بفرنسا (عن الإسكندر الأكبر) ' ومنها لأول مرة استعمل هذا البحر بدلاً من الأبحر الأقصر منه التي كانت مستعملة في القرون الوسطى. وأما الخطأ ففي ظن الأستاذ أن البحر الإسكندري في الشعر الفرنسي يتكون من ست تفعيلات إيامبية مقطعين، فهذا لا وجود له في الشعر الفرنسي ومن المعلوم أن اللغة الفرنسية قد فقدت منذ قرون: (1) الكم فلم تعد هناك مقاطع طويلة ومقاطع قصيرة إلا في حالات نادرة في أواخر الكلمات مثل ومن المسلم به عند الفرنسيين وعند جميع من كتبوا عن الشعر الفرنسي إن هذا الشعر لا علاقة له بكم المقاطع (2) الارتكاز فألفاظ اللغة الفرنسية لم تعد تحمل ارتكازاً وإنما يوجد ارتكاز في أواخر الجمل، فكل جملة فرنسية أو شبه جملة تنتهي بارتكاز نجس أنه ارتكاز شدة ارتفاع معاً إلا في حالة الوقف فإن يعتبر ارتكاز شدة فحسب. فمثلاً جملة لا نجد منهما غير ارتكازين اثنين أولهما على والآخر على والارتكاز الأول ارتكاز شدة وارتفاع في الصوت، وأما الثاني فشدة فقط لأن الارتفاع يسقط للوقف. وإذن الشعر الفرنسي ليس شعراً كمياً ولا شعراً ارتكازياً لسبب واضح هو أن مقاطع تلك اللغة لا تتميز بكم ولا ارتكاز. الشعر الفرنسي يسمونه بكل بساطة (شعر مقطعي)
من هذه الملاحظات يتبين لنا أن هناك ثلاثة أنواع من الشعر كما نحب من الأستاذ خشبة ما دام قد أراد أن يبصرنا بحقائق الأوزان أن يميز بينها لنحاول بعد ذلك أن نرى أين يقع منها الشعر العربي، وبذلك قد نستطيع أن نساعد على ظهور أنواع جديدة من الشعر العربي تمكن شعراءنا الكبار الذي يعجب بهم الأستاذ من إجادة فنهم حقاً. وعندئذ سنرى المسرحيات تكتب شعراً كما كانت تكتب منذ ثلاث قرون، ونكون بعملنا هذا قد أثبتنا للعالم المتحضر أنهم مخطئون في عدم استمرارهم على استخدام الشعر في المسرحيات
هذه الأنواع الثلاثة هي: (1) الشعر الكمي (2) الشعر الارتكازي (3) الشعر المقطعي
أما النوع الأول فهو الشعر اليوناني واللاتيني القديم، وأما النوع الثاني فهو الشعر الإنجليزي والألماني، وأما الثالث فهو الشعر الفرنسي
الشعر الكمي:
لنأخذ لذلك مثلاً بيت فرجيليوس في الإلياذة:
نجده مكوناً من ستة تفاعيل، وكل تفعيل مكون من مقطعين طويلين (سبونديه)، أو مقطع طويل ومقطعين قصيرين (داكتيل)، ما عدا التفعيل الأخير فمقطعه الأخير قد يكون قصيراً ويكتفي به لأن الوقف يعوض المقطع الآخر القصير الذي حذف. وإليك التقطيع مع رمزنا للمقطع الطويل بالعلامة - والمقطع القصير بالعلامة =
-=-== -=-
-
وأما الأساس الذي يعتبر به المقطع طويلاً أو قصيراً فيرجع إلى الحرف الصامت فإذ كان طويلاً بطبيعته كما هو الحال في بعض الحروف اليونانية، أو كان حرفاً مزدوجاً أو كان ناتجاً عن إضغام حرفين صامتين، أو كان متلواً في نفس المقطع بحرف صامت اعتبر المقطع طويلاً وإلا فهو قصير. وفي القواميس الجيدة نجد دائماً كم الحروف الملتبسة
ونحن لا نريد أن نطيل في تحليل موسيقى هذا النوع من الشعر. فهي لا شك لا تقف عند التفاعيل والمقاطع بل لا بد لها من إيقاع ينتج عن وجود ارتكاز شعري يسمى وهو يقع على مقطع طويل في كل تفعيل. كما أن هناك وقفاً هاماً في كل بيت يشبه الوقف على الشطر في البيت العربي. وهو في البيت السابق يقع بعد المقطع السابع كما وضحنا بالعلامة=والواقع أن أوزان الأشعار اليونانية واللاتينية معقدة صعبة حتى بالنسبة لمن يتقنون تلك اللغات وذلك لأن نطقها غير معروف على وجه دقيق، ومن باب أولى عناصرها الموسيقية. ولهذا نكتفي بما ذكرنا معتذرين عن اضطرارنا إليه تكملة للعرض
(للكلام صلة)
محمد مندور