مجلة الرسالة/العدد 54/أعيان القرن الرابع عشر
→ دنيا الأدب | مجلة الرسالة - العدد 54 أعيان القرن الرابع عشر [[مؤلف:|]] |
الكندي ← |
بتاريخ: 16 - 07 - 1934 |
8 - أعيان القرن الرابع عشر
للعلامة المغفور له احمد باشا تيمور
الشيخ مصطفى السفطي
مصطفى السفطي بن مصطفى الفاكهاني السفطي بن علي السفطي أبن احمد شلبي، نسبة إلى سفط القطايا، ولد بمصر القاهرة حوالي سنة 1250، وأرسل إلى المكتب في السابعة من سنيه، ثم تنقل من مكتب لآخر حتى حفظ القرآن الكريم، واشتغل بتجويده في الأزهر، ثم شرع في طلب العلم على شيوخ عصره، فقرأ الكفراوي على أحد العلماء المبتدئين في التدريس، فكان يحفظ العبارات ولا يفقه لها معنى، ولما أعيي عليه أمره، وتعذّر عليه إعراب أمثلة من غير هذا الكتاب أعاد قراءته، ولكنه لم يستفد شيئاً. وكان بجوار داره دار السيد احمد البقلي أحد المدرسين بالمدارس، وله ولد أراد أن يقرأ القرآن مع المترجم، فشكا المترجم له من تعسر النحو عليه، فأشار عليه بشراء متن الآجرومية وأمره بحفظه، ثم شرع في إعرابه له على الطريقة الأزهرية، فلم يستفد شيئاً أيضا؛ وشكا من ذلك للشيخ محمد الدمنهوري، فأمره بترك طلب النحو كلية حتى ينسى ما علق بذهنه، ففعل واقتصر على الفقه، فحضر أبن قاسم على الشيخ البيجوري، وكان يتفهمه بخلاف النحو، فمالت نفسه إليه فحضره مرة ثانية على الشيخ فتّوح البيجرمي، ثم مرة ثالثة على الشيخ عبد الرحمن القباني أحد تلاميذ الشيخ فتوح المذكور، وكان يطالعه لإخوانه المبتدئين.
ثم قرأ الكتب المتداولة بالأزهر، ولم تفتر نفسه عن طلب النحو على ما لاقاه فيه من الصعوبة، فصار يتردد على الشيخ محمد الدمنهوري ومعه متن الآجرومية فقط، وصار الشيخ يقول له اقرأ هذه الجملة ثم تفّهم معناها بنفسك ولا تنظر لأقوال الشراح، فيفعل، فتارة كان يخطئ وتارة يصيب، وسهل عليه فهم هذا العلم بهذه الطريقة؛ وكان أحد أصحابه مبتلى بمثل ما ابتلى به، وأخبره أن عند علي العروسي شرحاً للرملي على الآجرومية، فاستعاره منه وقراه معاً، فكانا بفهمان ما فيه فهماً جيداً. ثم اجتمع المترجم بانسان كفيف البصر اسمه الشيخ علي الفيومي، له باع في العربية، فقرأ عليه مع صاحبه كتاب الشيخ خالد والأزهرية، والقطر، وأبن عقيل؛ ثم أعاد المترجم القطر علي الشيخ الشبيني بالأزهر، وقرأ التحرير والمنهج على الشيخ مصطفى المبلّط، وهو آخر حضوره في الفقه. ثم علوم البلاغة بالأزهر، والعروض مع إعادة البيان بالمطالعة مع بعض تلاميذ رفاعة بك: كقدري باشا وإبراهيم بك مرزوق. وبعد ذلك انتخب مدرساً بالمدرسة التجهيزية سنة 1290 في أول نظارة رياض باشا على المعارف، وكانوا إذ ذاك يقرأون بها الأنموذج للزمخشري في النحو؛ ثم كُلف بتأليف رسالة في الصرف ففعل، وقرأها للتلاميذ نحو ثلاث سنوات، ثم اتفق مع بعض المدرسين على تأليف رسائل في البلاغة والصرف بتوسُّع أبسط من الرسالة الأولى، وقرأ بها سنوات، ثم أُمر بقراءة العروض والقوافي في المدارس، فاستحسن رسالة أبي الجيش وأقرأها، ثم وضع رسالة في العروض والقوافي أتم بها ما أراده أبو الجيش، ولكن وقع ما منعه من تقديمها للمدارس، ثم كلف بوضع رسالة في علم الرسم، فوضع رسالته (عنوان النجابة في قواعد الكتابة) وقرئت بالمدارس.
ونقل بعد ذلك للمدرسة الابتدائية المسماة (بالمبتديان)، وكان ذلك سنة 1306، فألف بها رسالة بالاشتراك مع غيره في المترادفات، ثم نقل إلى المدرسة السنية الخاصة بتعليم البنات، فبقي بها سنتين ألف فيها رسالته (محاسن الأعمال)، ولما عرضت على المجلس العالي بنظارة المعارف استحسنها أعضاؤه جداً وقالوا: الأولى أن تكون بيد المعلمات لا بيد المتعلمات. ثم أخذت قوته في الوهن، وبصره في الضعف لكبر السن، فعرض استقالته على النظارة مبيناً السبب. فأحيل على الكشف الطبي، ثم أحيل على المعاش. وله من التأليف غير ما تقدم رسالة في الصرف اسمها (قرّة الطرف) أوسع من المتقدمة، وأخرى في النحو وهي (منحة الوهاب في قواعد الإعراب)، وهي نظم. ومن شعره:
الحمد الله لا فقر يضرّ ولا ... غنى يغرّ فلا حزن ولا فرح
وليس لي مطمع في الناس يلجئني ... للذم والمدح إن ضنوا وإن سمحوا
وأسأل الله حاجاتي فيمنحني ... من فضله فوق ما أهوى وأقترح
وله:
قد يسر الله أسباب المعاش لنا ... بالعقل والرزق موقوف على القسم
ليعلم العبد أن الله يرزق من ... يشاء بالفضل لا بالسعي والهمم
فيطلب الرزق بالأسباب معتمداً ... على الذي أوجد الأشياء من عدم
ولا يخاف ولا يرجو سواه ولا ... يحيد عن منهج الأحكام والحكم وكان رحمه الله طيب الخلق، حسن المعاشرة، اعتكف في داره بعد فصله من المدارس على الاشتغال بالعبادة ومذاكرة العلم مع بعض من يسمر معهم من إخوانه وأخلائه، أو استقلالاً بنفسه، وكان في مبتدأ أمره مولعاً بالسماع، وتشبث بتعلم الموسيقى، فلازم الشيخ محمداً شهاب الدين الشاعر المشهور، وكان متقناً لها، فأخذها عنه وأتقنها، ولكثرة مطالعته لكتب الأدب صارت له ملكة أدبية، ومعرفة بجيد الشعر ونقده. ثم ما زال على هذه الحالة المحمودة حتى أرهقه الكَبر وضعف عن المشي، فلزم داره لا يخرج منها إلاّ لصلاة الجمعة في أقرب مسجد اليه، ومع ذلك فلا يبلغه إلا بمشقة زائدة. وتوفاه الله إلى رحمته في يوم الثلاثاء 21 رمضان سنة 1327.
الشيخ احمد أبو خطوة الحنفي
أحمد بن أحمد بن محمد بن حسب الله بن علي بن محمد بن علي أبن مدكور بن أبي خطوة المدفون في مطوبس أبن مدكور بن شكر بن هاشم بن محمد وهو أول من نزل بكفر ربيع منهم ودفن به، أبن سالم المدفون بالحدّين بالبحيرة، أبن موسى بن حسن بن احمد أبن علي بن شكر بن إبراهيم بن أحمد بن شاكر بن حسن بن علي أبن محمد بن علي أبن السيد عبد الرحيم القنائي صاحب الضريح المشهور بقنا أبن هريدي بن جعفر بن حمّاد بن سعادة بن عبد اللطيف القاسم بن عبد الله بن عبد اللطيف بن هاشم بن عبد الجواد أبن محمد بن عليالرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن آلاما الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب. هكذا أملى عليّ نسبه من لفظه. . ولد في 20 ذي القعدة سنة 1268 ببلدة كفر ربيع التابعة لتلا من أعمال المنوفية ونشأ بها، فحفظ القرآن وبعض المتون، ثم سافر للقاهرة لطلب العلم بالأزهر في 16 شوال 1281 واشتغل فيه بالطلب وقراءة الفقه على مذهب الإمام الأعظم. ومن شيوخه الشيخ محمد البسيوني البيبانيّ، والشيخ أحمد الرفاعيّ الفيوميّ، والشيخ عبد الرحمن البحراويّ، والشيخ عبد الله الدرستاويّ، والشيخ حسن الطويل
وكان أكثر اشتغاله في المعقول على الشيخ حسن الطويل ولازم صحبته وتخلّق بأخلاقه، وقرأ عليه بداره العلوم الحكميّة والرياضّية فتلقى عنه شرح الهداية للميبدي، والطوالع، وأكثر المقاصد والمواقف، وإشارات أبن سينا بالشروح لنصير الدين الطوسيّ والإمام الرازيّ، والمحاكمات، وبعض كتاب النجاة لأبن سينا، وأشكال التأسيس بشروحها في الهندسة، وتحرير أقليدس، وفي الهيئة شرح الجغميني، وتذكرة نصير الدين الطوسيّ، وفي الحساب خلاصة بهاء الدين العامليّ بشرح البورصاوي، والمعولة وشرح أبن الهائم وغيرها، وفي المنطق القطب بحواشيه والمطالع والخبيصيّ وايساغوجي وغير ذلك من هذه العلوم.
وامتحن للعالمية والتدريس في 18 صفر سنة 1293 وكان مجلس الامتحان مكوّناً من الشيخ عبد الرحمن البحراويّ والشيخ عبد القادر الرافعيّ الحنفّيين، والشيخ أحمد شرف الدين الموصفيّ والشيخ زين المرصفيّ الشافعّيين، والشيخ احمد الرفاعي والشيخ أحمد الجيزاوي المالكيّين، برئاسة شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد المهدي العباسي، فلما امتحنوه أعجبوا به اعجاباً شديداً لجودة تحصيله وشدّة ذكائه فأجازوه، إلاّ أنه اخر التدريس لسبب اشتغاله بتتميم ما كان يقرؤه على شيخه الطويل
ثم ابتدأ في القراءة بالأزهر سنة 1296 فقرأ به الكتب المتداولة به وغيرها، وتخرّج عليه من الأفاضل منهم السيد محمد شاكر، والشيخ محمد حسنين العدوي، والشيخ محمد بخاتي، والشيخ سعيد الموجي، والشيخ محمد الغريني، والشيخ مصطفى سلطان وغيرهم.
ثم جعل مفتياً لديوان الأوقاف فكانت له اليد الطولى في إصلاحه وعاون من به على تحسين أموره بجودة عقله وحسن رأيه، وحسبك انه دخله وإيراده مائة وعشرون ألف دينار وخرج منه وإيراده يربو على المائتين. ثم نقل عضواً في المحكمة الشرعية الكبرى بالقاهرة ورأس المجلس العلمي للنظر والفصل في القضايا الكبرى، ثم انتدب للمحكمة العليا بعد ذلك فكانت له اليد الطولى في إصلاحها ومنع شهادات الزور وإصلاح حال المحامين، وكانت وفاته في شوال سنة 1324.
حسن أفندي عبد الباسط الحُوَيّ
كان خِلاَسيّ اللون يشبه الحبش، وبوجهه أثر جدريّ، وكان أديباً شاعراً هجّاء، خبيث اللسان مجيداً، إلا أنه مقلّ، استخدم بالإسكندرية فكان رئيس قلم في الضبطية حوالي سنة 1285، وبقي بها إلى سنة 1290، وكان بها إذ ذاك مصطفى صبحي باشا الشاعر المشهور، فكان يجتمع به من بها من الأدباء والشعراء، فيسمرون معاً ويحيون الليالي بالمذاكرة وإنشاد الشعر، واتفقوا على تسمية مجلسهم بالمربد، وألا يقبلوا به أحدا إلا إذا ارتضوا به جميعاً، فكان المترجم ممن رضوا به أن يكون من شعراء المربد، وكانت تمر عليهم ليال يقترحون فيها ارتجال الشعر، ويعيّنون عدد الأبيات والوقت الذي يجب نظمها فيه، فكان أحدهم إذا تعذرت عليه قافية وأعجله الوقت ارتجل كلمة لا معنى لها، أو لها معنى لا يوافق السياق وتمم بها البيت، فاجتمعت لهم من ذلك ألفاظ غريبة مضحكة سموها بالألفاظ المربدية.
ثم تنقلت الحال بالمترجم فاستخدم معاوناً بمديرية الشرقية، ثم فصل فضاق به العيش وفتح حانوتاً بالزقازيقً للصيدلة القديمة، المسماة في العرف الآن بالعطارة؛ وكان أمره بها عجباً، فانه اقتنى كتباً من مفردات الطب وقانون أبن سينا، وصار إذا طلب منه أحدهم بيع عقّار من العقاقير، سأله عن سبب حاجته إليه وقام إلى تلك الكتب فاستخرج له منها مزاياه وما يداوي به من العلل، وبقي مدة على ذلك حتى توفاه الله بعد سنة 1300.
ومن شعره يمدح محمداً فتح الباب أفندي كبير كتّاب ديوان البحر:
رأيت العلا ترتاد بعلاً لنفسه ... وقد خطبتها قبل ذاك الأوائل
فقمنا سراعاً قاصدين لخدرها ... عساها بنا ترضى ويُجلى التواصل
فلما رأتنا واقفين ببابها ... أشارت لفتح الباب منها الأنامل
وكان رحمه الله على خبث لسانه طرفة من الطرف، وأعجوبة من العجائب: في حسن المنادمة وحضور الذهن وسرعة الجواب؛ رآه مرة يعضهم وهو مسافرَ إلى الزقازيق في القطار ومعه جراب يحمله بيده، فقال له مداعباً: أظن هذا جراب الحاوي، أي المشعبذ. فقال لا يا سيدي، هذا جراب الُحَويّ!
إبراهيم بيك مرزوق الشاعر
تلقى العلم بمدرسة الألسن، وتخرّج على ناظرها رفاعة بك رافع الشهير، فقرأ بهذه المدرسة النحو والصرف وباقي علومها، وبرع في الفرنسية. وكان لرفاعة عناية خاصة في تلقين تلاميذه العربية والعلوم الأدبية، وتدريبهم على نظم الشعر، فكان للمترجم حظ من هذه الصناعة، فنظم الشعر الجيد من المقطّعات والقصائد، اعتنى بجمعها بعده محمد سعيد بك أبن جعفر مظهر باشا سنة 1287 في ديوان سماه (الدرّ البهيّ المنسوق، بديوان إبراهيم بك مرزوق) وطبع بمصر.
ولما أتم المترجم علومه بالمدرسة استخدم ديوان كان يقال له (ديوان الهرجلات) وهو خاص ببيع الخيل والماشية التابعة للحكومة، ثم نقل منه للقلم الإفرنجي بالضبطية، وفصل منه مدة عبده باشا ضابط مصر، ثم عاد إليه بعد نحو ثلاث سنوات، وكان مدة توليه لهذا القلم كثير المعاكسة للإفرنج إذا وقع أحدهم في سجن الضبطية، أو كانت له دعوى بها، قلما كان يسلم من أذاته، حتى ضج منه وكلاء الدول وأكثروا من الشكوى، فلم يكن يثبت عليه شيء عند التحقيق، والسبب في ذلك أنه كان يعتمد على إخوانه ومرءوسه بالضبطية على إيصال الأذى اليهم سراً، نكاية بهم لطغيانهم على الرعية، وتدرّعهم بدروع الحمايات.
وفي مدة وكالة إسماعيل باشا الخديو نقل المترجم معاوناً بمجلس الأحكام، ثم لما تولى هذا الخديو على مصر أرسله ناظراً للقلم الإفرنجي بالخرطوم قاعدة بلاد السودان، فبقى إلى أن توفي بها سنة 1283. وكان مربوع القامة، أبيض اللون، قد وخطه الشيب، ومات بعد ما تجاوز الستين، رحمه الله تعالى.
الشيخ مصطفى سلامة النجّاري
توفي والده وهو صغير، فتكفل به زوج أمه ورباه، فلما ترعرع مال للأدب، وقرض الشعر، فاتصل بالشيخ على الدرويش، وتخرّج عليه في النظم، واتصل بعد ذلك بأسرة المويلحي، ففتحوا له حانوتاً بالتربيعة لبيع الحرير فلم يصادفه النجاح، ثم جعل منشئاً بالوقائع المصرية، ولم يزل يكافح زمنه حتى اتصل بوالي مصر سعيد باشا، وصار شاعره وتقرب إليه ونال جوائزه، فحسنت حاله، واجتمع بأكابر الدولة ومدحهم وداخلهم فنال وجاهة وصار له شأن يذكر، وجمع ما نظمه في مدح سعيد باشا في ديوان خاص، وهو الذي جمع ديوان أستاذه الدرويش وسماه الأشعار بحميد الأشعار.