الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 530/الإسلام ومكافحة الأمية

مجلة الرسالة/العدد 530/الإسلام ومكافحة الأمية

مجلة الرسالة - العدد 530
الإسلام ومكافحة الأمية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 30 - 08 - 1943


للدكتور أحمد فؤاد الأهواني

القراءة والكتابة هما أقوم السبل للتحصيل والمعرفة. وجاء عمل النبي ﷺ من افتداء أسرى بدر بتعليم عشرة من أبناء المسلمين إشارة حكيمة إلى فائدة الكتابة وأثرها في كسب المعرفة، وعلى الأخص القرآن الكريم، مما يؤدي إلى تثبيت الدين والعمل على انتشاره.

ثم اقتضى نظام العمران بعد انتشار الإسلام واستتباب أمره في البلاد المختلفة شرقاً وغرباً، إلى ظهور الكتاتيب لتعليم الصبيان القرآن والكتابة والقراءة وبعض النحو والعربية. وتناول معلم الكتاب الأجر نظير انقطاعه لهذا العمل بعد أن كان التعليم في صدر الإسلام تطوعاً واحتساباً.

وظهور الكتاتيب الإسلامية أثر من آثار الإسلام اقتضته ضرورة الدين الجديد الذي يخاطب الناس كافة لا يقتصر على طبقة دون طبقة، ولا يفرق بين الأغنياء والفقراء، أو الأمراء والدهماء.

وكان الغرض الأول من التعليم دينياً خالصاً من شوائب الأهداف المادية التي تفسد على الناس أمورهم وتؤدي إلى الاضطراب والتنازع والفساد.

وقد سار الأمر في مكافحة الأمية مع الروح الأولى الإسلامية تلك الروح المتدفقة القوية، يصحبها العزم والإيثار والتطوع لتعليم الصغار والكبار. وليس في القرآن نص على إلزام التعليم ولم يوجب الحديث ذلك. جاء في الصحيح: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وهو أقوى ما يؤثر عن الرسول بصدد التعلم والتعليم. وهذا الحديث يجعل من تعلم القرآن فضيلة ولا يرتفع بها إلى مرتبة الواجبات

وقد بحث أحد علماء المسلمين هذا الموضوع، أي مكافحة الأمية، إلى أن انتهى إلى القول بها. ذلك العالم هو أبو الحسن القابسي المتوفي سنة 403 هجرية، في كتابه (المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين). قال إن الوالد مكلف بتعليم ابنه القرآن والدين، وحيث أن الوالد مشغول بتحصيل المعاش، فلا بأس أن يحمل عنه معلم الكتاب مؤونة التعليم بالأجر. وإذا مات الوالد فليبعث بالصبي إلى الكتاب وصيه إن كان للصب مال؛ فإن لم يكن له مال فليبعث به أحد الأقربين أو المحسنين أو يدفع له حاكم البلد الأجر من بيت مال المسلمين.

والقابسي يتلمس جميع الوسائل المؤدية إلى تعليم الصبيان. إلى أن قال: (فإذا تهاون والد عن تعليم ولده في الكتاب بالأجر، لجهل وقبح ووضع حاله عن أهل القناعة والرضا)

فهذا فقيه في القرن الرابع الهجري ينادي بالتعليم الإلزامي، ويصور وسائله، ويضع شروط الجزاء للمتهاونين فيه!

والفرق بين الإلزام الذي يقول به وبين الإلزام في العصر الحاضر، هو أن الدولة هي التي تنفق على التعليم، وأن قوانينها تعاقب من يمتنع عن إرسال أبنائه بالحبس أو الغرامة، أما القابسي فيضع جزاء أدبياً هو التجهيل والتقبيح.

على أن نداء القابسي لم يتبدد، فقد وجد آذاناً صاغية من المحسنين والقادرين الذين حبسوا أموالهم على الكتاتيب ووقفوا لها الأوقاف، وبذلك ازدهرت حياة التعليم في القرنين الخامس والسادس.

فليذكر الذين يتأثرون خطى الغربيين ويأخذون بحضارتهم أن الإسلام نادى بالتعليم العام منذ ألف عام، في الوقت الذي كانت أوربا تعيش في التأخر والجهل

وليذكر الذين يعملون في مصر الآن على (مكافحة الأمية) تلك الصفحة المجيدة في حياة الإسلام، لعلها تفيد في رجع ما انقطع.

أحمد فؤاد الأهواني