الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 520/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 520/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 520
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 21 - 06 - 1943


من رسائل الرافعي - دراسة الأدب العربي

عنَّ لي أن أعرف رأي الرافعي في دراسة الأدب، فكتبت إليه خطاباً في ذلك كان الجواب عنه هذا الكتاب:

طنطا في 30 ديسمبر سنة 1912

أيها الفاضل

إن أعمالي كثيرة في هذه الأيام، ولذا أراني أبطأت في الرد على كتابك، وإني مجيبك عنه بإيجاز لأن ما سألت عنه يصعب التبسط فيه على وجه واحد

إنك تريد امتلاك (ناصية الأدب) كما تقول، فينبغي أن تكون لك مواهب وراثية تؤديك إلى هذه الغاية وهي مما لا يعرف إلا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمناً، فإن ظهر عليك أثرها وإلا كنت أديباً كسائر الأدباء الذين يستعيضون من الموهبة بقوة الكسب والاجتهاد، فإذا رغبت في أقرب الطرق إلى ذلك فاجتهد أن تكون مفكراً منتقداً. وعليك بقراءة كتب المعاني قبل كتب الألفاظ، وادرس ما تصل إليه يدك من كتب الاجتماع والفلسفة الأدبية في لغة أوربية أو فيما عرب منها. واصرف همك عن كتب الأدب العربي بادئ ذي بدء إلى كليلة ودمنة والأغاني ورسائل الجاحظ، وكتاب الخبران، والبيان والتبيين له. وتفقه في البلاغة بكتاب المثل السائر؛ وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبي وقد كنت شديد الولوع به

ثم عليك بحفظ الكثير من ألفاظ كتاب نجعة الرائد لليازجي والألفاظ الكتابية للهمذاني، وبالمطالعة في كتاب يتيمة الدهر للثعالبي والعقد الفريد لابن عبد ربه وكتاب زهر الآداب الذي بهامشه

وأشير عليك بمجلتين تعنى بقراءتهما كل العناية (المقتطف والبيان). وحسبك (الجريدة) من الصحف اليومية، والصاعقة من الأسبوعية، ثم حسبك ما أشرت عليك به فإن فيه البلاغ كله. ولا تنس شرح ديوان الحماسة وكتاب نهج البلاغة فاحفظ منهما كثيراً ورأس هذا الأمر بل سر النجاح فيه أن تكون صبوراً وأن تعرف أن ما يستطيعه الرجل لا يستطيعه الطفل إلا متى صار رجلاً؛ وبعبارة صريحة إلا متى انتظر سنوات كثيرة فإن دأبت في القراءة والبحث وأهملت أمر الزمن طال أو قصر انتهى بك الزمن إلى يوم يكون تاريخاً لمجدك، وثواباً لجدك، والسلام عليك ورحمة الله.

(الرافعي)

(المنصورة)

محمود أبو ريه

معنى قوله تعالى: يخرج الحي من الميت

إن الله تعالى جعل أساس الخلقة في مختلف أنواع الحيوان والنبات هو حفظ النوع. ولحفظ النوع يجب أن تتوافر جملة عوامل أهمها المحافظة على الجنين حتى ينمو ويقوى، ومنها إيجاد نسل قوي يصلح لهذه المحافظة وهذا النمو. وهذان العاملان جليان في الحيوان - أما في النبات فيحتاج الأمر إلى بعض الشرح. فخذ مثلاً شجرة النبق تجد أن ثمرتها فاكهة صغيرة داخلها نواة تحتوي على جزأين أحدهما غلاف صلب متين يحتاج في كسره إلى مجهود، والجزء الآخر داخل هذا الغلاف الصلب وهو حبة صغيرة مستديرة هشة ضعيفة تسمى الجنين؛ وهذا الجنين وما يحيط به من غلاف صلب متين يشابه الجنين في بطن أمه في عالم الحيوان؛ لأن الله تعالى خلق حوله هذا الغلاف للمحافظة عليه من يد عابث أو أسنان آكل أو أن تهضمه معدة الطيور إذا ابتلعته لأنه لا يتأثر بعصيرها الهضمي. أما الحكمة في خلق الجزء الفاكهي فهي تبادل المنفعة، فيأكله الآكل هنيئاً ثم تنتفع النواة من هذا الآكل بإلقائها في الأراضي النائية لتنبت فيها، وكذلك الطيور تبتلعها ثم تتبرز النواة سليمة في جهات نائية لتنبت فيها؛ وهذا سر من أسرار الكون، لأنه إذا سقط كل حب الشجرة تحت غصونها وحول جذعها ولم يفرق بهذه الطريقة الحكيمة هنا وهناك فإنه يتراكم بعضه فوق بعض ويفقد قوة إنباته، وإذا نبت البعض منه فإنه ينبت ضعيفاً إلى حين ثم يموت

ولنفكر فيما يحدث في هذه الثمرة الصغيرة بعد أن تنزع من الشجرة؟ الذي يحدث هو أن يموت بها الجزآن: الفاكهة وغلاف النواة الصلب، ويفقدان الخواص الحيوية كالإنبات والتمثيل الضوئي وامتصاص الغذاء وما إلى ذلك، بدليل أنهما إذا وضعا في الأرض للإنبات بعد تجريدهما من الجنين يصيبهما التعفن. أما الجنين فيبقى حياً وفيه كل معاني الحياة النباتية ولكنه ضعيف ومحاط بغلاف قوي صلب متين؛ فإذا استمر الحال على هذا المنوال استحال الإنبات؛ ولذا شاءت إرادة الله تعالى أن يتشقق هذا الغلاف الصلب من تلقاء نفسه بعد مدة معينة من وضعه في الأرض ليسمح بنمو الجنين إلى خارج النواة. وهذا يفسر ما جاء بالشطر الأول من الآية الشريفة (أي يخرج الجنين الحي من الغلاف الصلب المحيط؛ وهو ميت وذلك بقدرته وإرادته) أما الشطر الثاني فهو مكمل لهذه العملية، لأن هذا النبات بعد أن ينمو الجنين خارج هذا الغلاف الصلب يتخلص منه نهائياً إذ يصبح لا فائدة منه بعد أن قام بمهمته (أي ويخرج الغلاف الصلب الميت من الجنين النابت الحي بدون أن يعيق نموه) وقس على ذلك في عالم النبات على اختلاف أشكاله وأنواعه. والذي يؤيد ذلك ما جاء في نفس السورة وبعد بضع آيات من الآية التي نحن بصددها قوله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء، فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكما. . . انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون) ففي هذه إشارة صريحة إلى الإنبات بعد أن يفلق الحب والنوى ويخرج الحي منها من الميت فيها فينبت الحي بالماء فيينع ويثمر ويأتي من كل الثمرات وهذه قدرة بالغة

أما ما جاء بقول السائل من أن الحي يخرج من الحي فهذا لا علاقة له بهذا الموضوع. والذي أوجد هذا اللبس هو أن المفسرين قد تركوا الشطر الأول من الآية الشريفة وهو (إن الله فالق الحب والنوى) وراحوا يفسرون الجزء الثاني على حدة ويطبقونه على نظريات بعيدة كل البعد عن القصد المطلوب. أما الذي ينطبق هنا على نظرية العلماء هو الجنين الذي بالحبة فإنه حي ولا يتكون طبعاً إلا من شجرة حية.

دكتور

عباس محمود حسين

كبير أطباء منطقة التعليم بأسيوط

بنو إسرائيل والطعام الواحد

جاء في مقال الدكتور زكي مبارك (أخطار الطعام الواحد) هذا الكلام: (وقد صرخ اليهود لعهد موسى من الطعام الواحد، كما قص القرآن، فأوصاهم موسى بهبوط مصر، لأن مصر منوعة الفواكه والحبوب والبقول، وهذا سر القوة التي جعلت المصريين بأمن من طغيان الأمراض الفواتك على اختلاف الأجيال). والآية المشار إليها هي قوله تعالى: (اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم). وظاهر أن (مصراً) في الآية مرادفة لكلمة (بلد). والمعنى: اهبطوا أي مصر من الأمصار تجدوا طلبتكم. أما (مصر) النيل المبارك فهي علم ممنوع من التنوين وليس مراداً في الآية. وظاهر أيضاً أن الدكتور مبارك قد سها في فهمه الآية وبنى على هذا السهو النتائج التي تقدمت

(دمشق)

(س)

في الأدب المصري (فكرة ومنهج)

صدر أخيراً هذا الكتاب، لأستاذنا الفاضل أمين الخولي، وكتب مقدمته تلميذ من تلاميذه في الجامعة اقتداء بسنة السلف من العلماء

وفي الكتاب دعوة حرة إلى دراسة الأدب المصري دراسة خاصة وبيان للمنهج الذي يجب أن يتبع في هذه الدراسة

فهو إذن قسمان: فكرة ومنهج. أما الفكرة، فقد أملتها اعتبارات قومية مصرية خاصة وأخرى فنية أدبية عامة

يقول المؤلف في الاعتبار القومي الخاص (إن حياً لن يفكر بنفسه وهو حي، لأن إيمان الحي بنفسه سر وجوده الفطري، ومصر لم تكفر بنفسها لحظة ما، فكيف لا تؤمن بشخصيتها في الفنون بعامة ثم في الأدب بخاصة. وفي هذا العصر الإسلامي الذي ظلت فيه كدأبها شاعرة بنفسها يقظة لذاتها، فهي لهذا تصر على أن تدرس وجودها الأدبي في العصر الإسلامي)

ثم تناول المؤلف الاعتبارات الفنية العامة فبين الخطأ الشائع في تحديد العصور الأدبية تحديداً زمنياً كالأموي والعباسي دون نظر إلى المكان الذي يشغله هذا الأدب كالعراق أو مصر، فذلك إخلال بالتحديد والضبط وإهمال للمؤثرات الطبيعية القاهرة مع الاهتمام بحالة أيسر الأثر وهو الحكم السياسي وزمنه. فالبيئة الطبيعية لها أثرها القوي على ما يعيش فيها من ماديات ومعنويات والأدب من أشد هذه المعنويات تأثراً بالبيئة والإقليم.

ويقول المؤلف إن مصر بوصفها الطبيعي الفطري قد تميز كيانها الاجتماعي واستقر ماضيها التاريخي فتوافرت لها مقومات البيئة المتفردة الواضحة. فدرس أدبها عمل علمي صحيح الأصول.

وأنكر الأستاذ وحدة الثروة الأدبية العربية وحدة تامة، وبيَّن ما يتميز به أدب أمة عن أدب أخرى، وأوضح كيف تكون الإقليمية منهجاً واضحاً صحيحاً مع الطموح إلى دعوة أدبية إنسانية عامة، ومشاركة الأمة في الحياة الأدبية العالمية مع وضوح مشخصاتها الأدبية المميزة لها

والقسم الثاني من الكتاب رسم للمنهج الصحيح في دراسة الأدب المصري. فبين المؤلف معنى الأدب وتاريخه وما بينهما من صلة، ثم قسم منهجه إلى خطوات ثلاث: (ما حول الأدب) وهو ما يتيسر به درس النص الأدبي حتى يفهم المتن فهماً مجدياً له أثره في تكوين الذوق الأدبي ومعاونته الهامة في تحقيق تاريخ الأدب، ثم (المتن الأدبي) وهو فهم النص بهداية الأضواء التي تحف به مع الاعتماد على وسائط هذا الفهم من علوم العربية وفنونها الأدبية

ثم ندرس (تاريخ الأدب) فنستطيع أن نلمح على مصور الحياة مناطق متميزة وفوارق واضحة، نستطيع بها تأريخ الحياة الأدبية ووصف أدوارها وبيان مسالك الحياة الأدبية فيها وسبيل تطورها وموقع حاضرها من ماضيها؛ وأي مستقبل فني وراء ذلك ينتظرها

ذلك بيان لما ورد في الكتاب من آراء جريئة سديدة لم أشأ أن أنقدها، لأني أوافق عليها جملة وتفصيلاً. ولن يكفي هذا العرض السريع عن قراءة الكتاب، فهنالك قضايا تستحق اهتمام الباحثين، لأنها تتصل بدعوة فنية قومية من جهة، وتتصل من جهة أخرى بما ينادي به الناس الآن من ضروب الوحدة.

محمود عبد المنعم مراد

ليسانس في الآداب من جامعة فؤاد