مجلة الرسالة/العدد 519/البريد الأدبي
→ الأحلام | مجلة الرسالة - العدد 519 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 14 - 06 - 1943 |
روسيا والثقافة العربية
روت وكالة الأنباء العربية أن الأستاذ أجناني كراشوفسكي - العضو في المجمع العلمي، ومن أنصار العرب المعدودين - تلا بياناً عن الجهود التي بذلها أنصار الشؤون العربية، أمام معهد اللغات لشعوب الجمهوريات السوفيتية في موسكو، متحدثاً فيه عن مبلغ العناية التي وجهت إلى دراسة لغة العرب وثقافتهم وتاريخهم، مسترعياً أنظار المستشرقين الروسيين إليها قائلاً: إنها أساس الثقافة الإسلامية القديمة الفنية التي تعتنقها شعوب كثيرة تستوطن آسيا الوسطى كالقوزاق والتتر الذين يؤلفون جزءاً من جامعة الأمم السوفيتية وإن آثاراً عديدة عن الثقافة العربية تقوم في آسيا السوفيتية والقوقاز. وما زال بعض سكان داغستان وشيستو ينجوشتيا يتكلمون بلغة عربية قديمة إلى جانب لغتهم الأصلية، ويستخدمونها في التخاطب والكتابة، حتى في نظم الشعر وفق الأوزان العربية القديمة. ويعتبر قسم أنصار العربية في معهد الدراسات الشرقية وفي جمعية أنصار العربية التي تضم بين أعضائها علماء من كافة أنحاء روسيا دليلاً على الاهتمام الكبير الذي تبديه روسيا بشأن مسائل الثقافة العربية. ورغماً من ظروف الحرب لا يزال العمل مستمراً في تنفيذ مشروعات عربية أدبية وتاريخية. وقد تمت في الأعوام الأخيرة أعمال كثيرة بفضل دراسة الموضوعات العربية باعتبارها من الموارد التي يستقي منها تاريخ الشعوب الروسية
ولم تكن الحرب عائقاً كبيراً لتطور هذه الأبحاث العربية، بل اقتصر أثرها على إرجاء صدور بعض المؤلفات التي تم وضعها وبخاصة في ليننجراد؛ ولم يفقد أو يضع منها أي مؤلف برغم أخطار الحياة ومتاعبها في هذه المدينة وقت الحصار الذي كان مضروباً حولها، فقد حفظت هذه المؤلفات جميعاً بعناية كبرى
ولا يزال يواصل أنصار العربية في روسيا عملهم في هذه الأبحاث
مشكلة النظافة في مصر
أعجبني وأثار تفكيري استطراد الأستاذ الجليل أحمد أمين بك إلى مسألة - النظافة عند المصريين - وهو يسوق حديث المرحوم الشيخ رفاعة الطهطاوي في إعجابه بنظافة (الفرنساوية) وقد امتطى ظهر سفينتهم إلى أوربا، واستنكاره لقذارة المصريين وهو يعترف بها في حديثه على مضض
والحق أن للمصريين شهرة بعيدة بقلة النظافة لا يفيدنا في شيء أن ننكرها أو نتصام دون سماعها. وقد رد الأستاذ ذلك إلى سببين: أولهما (الفقر المنتشر والبؤس الشائع) اللذان يحولان بين عامة الشعب واستكمال وسائل نظافته؛ وثانيهما تقصير الحكومة في الدعوة الصحية و (عدم تدخل أولي الأمر في نظافة الشعب وتعويده أن يقوم النظافة قيمتها الحقة)
والواقع أن كلا السببين ينقصه الوجاهة، ويعوزه شيء من صدق التأييد. فالفقر والبؤس لا يغرسان عادة القذارة في نفوس طبعت على حب النظافة، وليس صحيحاً هذا الارتباط الذي نتوهمه بين الفقر والقذارة أو بين الغنى والطهارة!
بل إن الأستاذ لينقض رأيه هذا في نفس الكلمة حين يقول: (ومن نعم الله أن تكاليف النظافة رخيصة إذا وجدت نفوساً تأنف القذر) أما الحديث عن مهمة الحكومة في تنظيف الشعب فحديث عجيب، حتى لكأننا - نحن أفراد هذه الرعية - من طينة، ورجال حكومتنا من طينة أخرى
وهب الأمر كذلك، فما قيمة الشعرة الواحدة البيضاء في أديم الثور الأسود؟ ما أثر دعوة الحكومة إلى النظافة إذا صح أن نرجع بالقذارة إلى أسباب طبيعية أقوى من أن تخضع للإرشاد أو تتأثر بتزجية المقال؟
ولتوضيح هذا نقول: إن جذور القذارة عندنا أعمق مما يبدو في كلام الأستاذ؛ ومنبعها - فيما أرى - يرتد إلى أسباب طبيعية ثابتة قوامها البيئة والمهنة، أكثر مما يرتد إلى هذين السببين المعارضين اللذين ساقهما خلال حديثه
فطبيعة الطقس في مصر، بين شدة حرٍ وندرة مطر، مما يلوث الجو ويوبئه، ويهدم سياج النظافة، بل ويضاعف المشقة على من يتحرى ذلك في ملبسه أو في جسمه، بله المسكن وسائر الأدوات والمرافق الأخرى. ولو راقبنا الأجنبي عندنا في صيف أو شتاء لرأيناه راضياً لنفسه بمستوى من النظافة يقل عما يألفه في بلده، وإلا فهو مرغم على بذل مجهود أكبر، ليصل إلى الدرجة التي كان يبلغها هنالك بأيسر المجهود
هذا ولمهنة المصريين الطبيعية أثر لا يقل عما ذكرناه وضوحاً؛ فالفلاحة لا تترك لدى الزارع المخلص مجالاً للتحرز من أوساخ الأرض. وليس صميما في مصريته من يكره الخوض في الأوحال أو يضيق ذرعاً بهذا الطمي العالق بماء النيل، وإنه لسبب حياتنا ونعمتنا، بل سبب الرزق الذي يتحدر من أيدينا إلى لهوات شعوب وشعوب
وإن قولتنا المشهورة - أرض مصر من ذهب - لحقيقة صادقة لا يعلق بها مجاز، أو يقلل من تصريحها كناية. فليس بضائر فلاحنا أن يوشي ثوبه بالطين والغبار، إذا توشت ثياب غيره بخيوط الذهب، وتزين صدره بقلائد النضار
وأخلص من كل هذا إلى تقرير أمرين: الأول أن النظافة - كخلق أو عادة أو سمها كيف شئت - تخضع في كل أمة إلى ظروف من بيئتها ومن طبيعة عملها خضوعاً تقف معه عند مقاييس خاصة، وتضطرب بسببه في مجال محدود وأفق معين، يختلفان ضيقاً وسعة عن مثلهما في الأمم الأخرى. والثاني: أن إهمال الحكومة وتفشي الفقر. . . هما داعيان - فقط - من دواعي استدامة هذه الحال التي نشاهدها من قذارة أغلب العامة من أهل مصر؛ ولكنهما ليسا العلة الأساسية في وجود هذه الحالة التي قد ترتقي في بعض الأحيان إلى مستوى (العادة) المتأصلة؛ ولكنها تزول مع ذلك - في سهولة ويسر بالغين - إذا نحن هيأنا لأقذر من نختار من المصريين شيئين اثنين فقط: هما الجو اللطيف، والعمل النظيف
(جرحا)
محمود عزت عرفة
ديوان زهر وخمر
إن من عرف ديوان الملاح التائه فقد عرف الأستاذ علي محمود طه على حقيقته: ذلك لأن روح القلق المشوب بالمرح تغلب على شعر صاحب الجندول حتى لتكاد تجعل منه نغمة واحدة تجمع بين الحيرة والفرحة، وهذه الروح التي تعبِّر أصدق تعبير عن طابع الحياة العام، يلمسها قارئ ديوان (زهر وخمر) في سهولة ويسر؛ فإن ثمة موجة هائلة تغمر بفيضها كل شيء في الوجود، عند صاحب هذا الديوان؛ إذ ينظر المرء فيرى المجداف يمرح، والزورق قد رنحته الأمواج، والأضواء ترقص مع الموج، والشعاع يمرح مع الأمواج الخليعة. . . إلى آخر تلك التعبيرات التي تضفي على كل شيء روحاً من البهجة والمرح. . . وما عسى أن يكون هذا إلا صدى لروح الملاح التائه الذي يستعذب القلق والحيرة، ويجد فيهما الفرح والبهجة؟
إن الأستاذ (علي محمود طه) ليصور لنا في ديوانه الجديد روح الملاح التائه، فيعرض لنا في قصيدته (سارية الفجر) صورة جميلة لغادة فاتنة عبرت به في الصباح الباكر؛ وهنا نراه ينظر إليها نظرة الملاح التائه أيضاً، إذ ينبئنا بأنها عرضت له عند الفجر حتى لقد عجب لهذه الغادة وقال:
هذه الساعة تسعى امرأةٌ ... حين لم يخفق جناح الطائر!
وهو لا يقف عند هذا الوصف، وإنما يضيف إليه وصفاً جديداً تكتمل به صورة الحيرة والقلق، فيصور تلك الغادة وقد أخذت تقطع الإفريز كالأسير الهارب من الأسر، وهي تتقي الأعين أن تبصرها، وتلتفت إلى العابرين التفات الحائر، ولا تعبأ بالمطر الذي يصيبها والبرد الذي يلفحها. . . الخ. وينظر المرء مرة أخرى فلا يرى في هذه الصورة غير طيف لتلك الصور التي عرضت لصاحب (الجندول) حين كان يلتقي بغادات أوربا الجميلات فلا يستطيع أن يظفر منهن بغير اللفتة العاجلة والنظرة العابرة! وهل كان الحب عند الملاح التائه غير هذا القلق المغَلَّف بالمرح والبهجة؟
إني لأكاد أجزم بأن الحيرة والمرح هما كل شيء في (شاعرية) الأستاذ علي محمود طه؛ ومن أجل ذلك فإننا نراه يعنف حيناً في تصوير موقف الإنسان أمام الطبيعة، ونراه يفرط حيناً آخر في تصوير متعة الإنسان التي يجدها في الطبيعة. وهو في كلتا الحالتين يعبر عن روح الملاح التائه التي قد يطغي عليها القلق حيناً فتعنف وتشتد، ولكنها لا تلبث أن تعود إلى مرحها فتطرب وتبتهج. والظاهر أن المرح أغلب على تلك الروح، فإن الحيرة تمتزج بالحب فتذهب مرارتها في عذوبته. والحب عند الملاح التائه ينزع إلى أن يصبغ كل شيء في الوجود بصبغته الجميلة المستحبة. وهل ننسى أن صاحب الجندول هو الذي يقول:
كل نجم مهجة تهفو ... وعينٌ لا تنامْ
وشعاع البدر معش ... وق به جُنَّ الغمامْ
يا حبيبي كل عَيْشٍ ... ما خلا الحبَّ حرامْ أجل! هذا ما يقوله صاحب (زهر وخمر)؛ ومن قبله قال جيته شاعر الألمان: (ليس ثمة نعمة في هذه الحياة، أعظم من أن يَعشِق المرء ويُعْشَق)
زكريا إبراهيم
محمد بن عبد الوهاب
أصدر صديقنا الأستاذ الفاضل أحمد عبد الغفور العطار الأديب الشاعر الحجازي المعروف كتابه الجديد عن هذا الزعيم العربي المصلح، فسد في كتب التراجم فراغاً ملموساً وأسدى به إلى الزعيم المسلم الصادق يداً سيذكرها له المعجبون بمحمد بن عبد الوهاب في جميع الآفاق. والكتاب برغم المآخذ القليلة التي يمكن تداركها في الطبعة الثانية هو مصدر نافع يفيد كل من يريد الإلمام بالمصلح النجدي كما يلقي الضوء على هذه الشخصية العربية التي جددت سنة الرسول الكريم ودعت إلى العود بدينه إلى الفطرة التي صدر عنها ويشر بها، واتخذ من رسول الله أسوته الحسنة في كل ما تجشمه بسبيلها. ونحن في مصر نرحب كل الترحيب بالكتاب الجديد ونتمنى له الذيوع والانتشار فإنه لهما أهل
دريني خشبة