الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 51/من القصص الشعري

مجلة الرسالة/العدد 51/من القصص الشعري

مجلة الرسالة - العدد 51
من القصص الشعري
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 25 - 06 - 1934


إسلام حمزة

بقلم فريد عين شوكه

مر أبو الحكم بن هشام (أبو جهل) برسول الله عند الصفا فأذاه وشتمه ونال منه، فلم يرد عليه. ثم انصرف أبو جهل وعاد الرسول إلى بيته وعاد حمزة بن عبد المطلب من صيده فمر بالصفا فحدثته مولاة لعبد الله ابن جدعان بما كان من أمر أبى جهل مع الرسول؛ فغضب حمزة وراح يبحث عن أبى جهل حتى إذا بصر به في ناد من قريش ضربه بقوسه فشج رأسه شجة منكرة، ثم أعلن إسلامه في هذا الجمع، وعلمت قريش أن الرسول قد عز وامتنع بإسلام عمه حمزة.

الرسول يجلس على الصفا مطرقاً إلى الأرض، تراه المولاة فتقول:

لك الله من ناصب مُتَعب ... يجاهد في بلد مشغَب

تحمل فيه صفوف العذا ... ب فلم يستبد ولم يغضب

وأوذى من أهله الظالمين ... وشرّد في حيّه الأقرب

وقاسى بمكة ذل الغريب ... وذاق من المهد يُتمَ الأب

(تسعى إليه تستضيفه عندها)

محمد (ينظر إليها)

لا تسترح بيننا ... على ذلك الحجر المجدب

ونحن جوارك تحت الظلا ... ل بوادٍ وفير الجنى مخصب

يطالعنا بشهي الثما ... ر ويجري بمورده الأعذب

الرسول (إليها):

دعيني هنا أسترح ساعة

هي (مستنكرة) ... على ذلك الجامد الملهب؟

وكيف تطيق لهيب الرما ... ل وترتاح في وهج السبسب؟

هُلمَّ إلى حيّنا فاسترح ... قليلاً بمربعنا الأرحب

يظلك فيه وريف الغِرا ... س فتغفو على ظله الطّيب الرسول (شاكراً):

رعتكِ العناية، لن أستطيع ... ثواءً بواديكُم المُعشبِ

هي (متضرعة): أطعني

الرسول (زاهداً): دعيني

ترثي له الفتاة ثم تمضي عنه في صمت، ويطرُق ثانية إلى الأرض؛ ثم يمر به أبو جهل فيرفع رأسه بشدة:

أنت هنا ... فريداً عن الصحبة الهُرَّب

تجالد وحدَك ذل الخرو ... ج على دين آبائك الأشهب

الرسْول (في هدوء): معي الله

أبو جهل (ساخراً):

خلك من فرية ... يضيق بها صبية الملعب

وأسطورة جئت تسعى بها ... وتزعم أنك فينا نبي

وانك قائدنا في الحيا ... ة وهاد لمن ضل في الغيهب

ألا ما أضلك من قائد ... وأخسفك اليوم من كوكب

فمن أنت حتى تقود الأنام ... وتهد يهمو وضع المذهب

ومن أنت حتى نصيخ إليك ... ونمشي على نهجك الأنكب

وكيف وأنت مهيض الجنا ... ح ومن ذلك النفر المترب

أليس لدى الله من يصطفيه ... سواك من المرد والشيب

محمدُ أسرفت فيما دعوت ... ولكن غرسك لم يعقب

وأشفق منا عليك الرجال ... فجاءوك بالمال والمنصب

وأقبلتَ تسخر من عطفهم ... وتزرى برأيهم الأصوب

فلم نسعَ بعدُ بعُتب إليك ... فما أنت والله بالمعتب

ولكن سنصليك سوط العذا ... ب ونفريك بالناب والمخلب

ينصرف عنه الرسول غير مجيب فيهدده أبو جهل صارخاً:

فأما نكصت وإما هلكتَ ... وموتك ليس بمستصَعب ثم ينصرف أبو جهل ويمر حمزة عائداً من الصيد يقول:

يوم أغرُّ على الجزيرة مشرقُ ... كالبدر في جنح الدجى يتألق

عالجت فيه الصيد جد مظفر ... ورجعت منه مجلياً لاُ يلحق

كم صدت من ظبي به وكواسر ... عصماَء كانت في السماء تحلّق

تسمع صوته المولاة فتخرج إليه فتستوقفه لترى ظبيه:

أرنيهِ حمزةُفينعطف عليها فتراه وتقول:

ياله من شادن ... تهوى رشاقته النفوس وتعشق

دعه لدىِّ أبا عمارة منحةً

حمزة (في تيه): أمل لعمرك سوف لا يتحقق

إن كنت تائقة إليهِ مشوقة ... بجمال بزَّته فإني أشوق

هي: بل خلّه

حمزة (وهو يأخذه منها):

لن أستطيع فإنما ... هو كل ما أبني وما أتعشق

هي (وقد جدت بعد هزل)

تالله ما يغنيك ظبي صدته ... وحماك صيد مستباح مطْلق

حمزة (غاضباً):

كذباً زعمتَ فإنما أنا قسور ... تعنو لطلعته القلوب وتفرق

وأنا اعز شباب مكة كلها ... وحماي ارفع ان ينالَ واشهق

هي (ساخرة):

خفف عليك فقد تصدع شمله ... وغدا على عبث الحوادث ينتِقِ

حمزة (هائجاً):

كيف استبيح؟

هي: أما رأيتَ محمدا ... يرمي بما يوهي الجبال ويمحق

ومحمد أبن أخيك كيف يصيبه ... هذا العذاب وفيك قلبُ يخفق

حمزة (غاضباً): منَ ذا استطال عليه أم من ناله ... بأذىً؟

هي (متحسرة): أبو الحكم الجهول الأحمق

لاقاهُ قبلكَ بالسفاهةِ والأذى ... وقسا عليه وهو مغض مطرق

يرنو إليه بمقلتى متضرع ... فيفيض في سفه الحديث ويُغرق

سفنه تضج له السماء العلى ... والأرض من غلوائه تتشقق

وأذى تخر له الجبال صريعة ... وتهى لمسمعه النفوس وتصعق

حتى إذا ضاق النبي بكل ما ... لاقاه من عنت يؤود ويرهق

ترك الصفا ثبت الجنان وكله ... شكوى تفيض وأدمع تترقرق

حمزة (وقد بلغ به الغضب):

ويل لعمرٍ ومن حسام في يدي=قاسي الطعان يشيب منه المفرق

ويل له حتى يصير فريسة ... تفرى حشاها الضاريات وتعرق

لو كنت حاضره على هذا الصفا ... لأصاب مني مارداً لا يرفق

صبراً نبي الله سوف يصيبهم ... مما رموك به شواظ محرق

ثم يذهل عما كان معه من ظبي الطيور ويهم بافتقاد أبي جهل، ويشرف على ناد بقريش فيراه أحدهم من بعد فيحادث جلساءه وهو مرتاع:

انظروا حمزة:

فينظر ثم يقول أكثرهم:

شر مدلهْم ... بين عينيه ونار تضطرمْ

بعضهم:

ويحه أي مصاب هاجه ... فأتى يعبس كالخطب الملْم

يأتي حمزة فيقول إليه:

إنه يا حمزة:

حمزة (ثائراً): الهوبُ لظى ... بين أحشائي قاس يحتدم

ثم ينظر فيهم:

أين هذا الوغد هم (إليه): من ذا تبتغي

هو (في اضطراب): ... أخبروني أين يا قوم جثم

يقبل أبو جهل من جهة أخرى فيراه حمزة فيضربه بقوسه قائلاَ:

أنت أقبلتَ؟ فخذها ضربة=يرتوي منك بها قوسٌ نَهِم

أبو جهل (وقد وقع على الأرض):

أدركوني ... (فيقبل البعض عليه)

حمزة (وقد أحاط به بعض الشجعان يمنعونه):

بل دعوني أسقه ... أكؤس الموت وأكواب العدم

واحد منهم:

اصطبر حمزة لا تهتج فم ... سكن المهتاج إلا وندم

ثم يتحايلون عليه حتى يجلس فيتحادثون:

ما الذي نالك من عمرو

حمزة: لقد=نال مني قومي كثيراً وظلم

كل يوم يشتفي في ابن أخي ... بسباب دونه أقسى الحمم

وإذا ما شامه أغرى به ... صبية الحيّ وأوشاب الخدم

هم (في ترفق):

سوف نرجوه فلا يقربه ... بأذى

حمزة (مستنكرا) =ترجونه فيما اجترم؟

هانت الدنيا إذا لم احمه ... أينما حل وأيانَ قدم

من أناسيّ كربع دارس ... كاد من فرط البلى أن ينهدم

أسد في غير ساحات الوغى ... وهُم إن جدت الحرب نَعَم

ثم يسكت قليلاً ويهم واقفاً:

بلغي يا ريح عني واحفظي ... أيها الصحراء واشهد يا حرم

أنني أسلمت لله فلن ... أخفض الهامة مني لصنم

وسأعلي دينه الحق على ... مفرق العُربْ وهامات العجم (ثم يمضي والقوم في لغط واضطراب)

فريد عين شوكة