مجلة الرسالة/العدد 51/الكتب
→ من القصص الشعري | مجلة الرسالة - العدد 51 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 25 - 06 - 1934 |
تحضير الميزانية المصرية
للدكتور محمد توفيق يونس
نشر الدكتور محمد توفيق يونس رسالته التي نال بها أخيراً إجازة الدكتوراه في الحقوق من الجامعة المصرية بدرجة (جيد جداً) مع شرف الامتياز بتبادلها مع الجامعات الأجنبية.
وموضوع الرسالة (تحضير الميزانية المصرية) وهو موضوع من أقوى الموضوعات المالية نفعاً، أعظمها خطراً، وأشدها اتصالاً بعمل الحكومة والبرلمان، أعمقها أثراً في حياة البلاد وتقدمها.
وعلى الرغم من ذلك كله ظل هذا الموضوع مجهولاً حتى جاءت هذه الرسالة القيمة أزاحت الستار عنه وألقت عليه ضوءاً ساطعاً أنار جوانبه جميعاً.
ويزيد هذا البحث جلالاً وخطراً انه بني على أبحاث قيمة عميقة، ومشاهدات واقعية ودقيقة، ووثائق أصلية ثمينة، تستفرغ الجهد المضني وتستنفد الوقت الطويل.
وقد رتب المؤلف أبحاثه ترتيباً منطقياً سليماً وصور للقارئ الميزانية المصرية تصوراً علمياً سديداً، فأرجع موضوعاتها إلى أصولها العلمية وسماها بمسمياتها الصحيحة، وطبق عليها مبادئ علم المالية العامة، أخضعها للبحث العلمي الدقيق، وجعل منها مجموعة متماسكة الأجزاء، محكمة الارتباط، واضحة المعنى.
بيّن للجمهور الحالة الحاضرة للميزانية المصرية من الوجهتين العلمية والعملية بعد ان تكلم عن حالتها في الماضي ومختلف تطوراتها. وقد درسها فوق ذلك دراسة نقدية، ووقف إزاء ما يعرضه من مسائل موقفا إيجابيا، وبين ما يراه من الوسائل المؤدية لحلها، فمهد بذلك الطريق لمن يتبعه من الباحثين، أعطى كل من يهمه أمر الميزانية المصرية من الشيوخ والنواب والموظفين والطلبه مرجعاً قيماً ثميناً، شديد الأهمية جزيل الفائده، خصوصاً ولم يكن أمامهم قبل ذلك أي بحث آخر يعبد السبيل وينير الموضوع.
وليس أدل على موضوع هذا البحث مما يقوله المؤلف في ختام مقدمته: (على هذا الأساس الواقعي بنيت رسالتي جاعلاً نصب عيني أن أرى القاريء، في تحضير الميزانية، كيف تصبح مجموعة من التقديرات الأولية المبعثرة مجلداً ضخماً منسقاً؛ وأن أصور له الميزانية المصرية تصوير الكائن المستقل له أجزاؤه ومميزاته مقدماً إليه بياناً عن جميع ألادوار التي تمر بها في مرحلة التحضير محدداً ومحللاً المبادئ والقواعد التي تتصل بها وتقوم عليها).
ولقد حقق المؤلف غرضه أتم تحقيق، وبلغ ولاشك غايته على خير ما يكون، فقدرت الجامعة المصرية رسالته اعظم تقدير ومنحته أسمى درجاتها، وصادف عمله نجاحاً عظيماً واهتماماً شديداً في الأوساط العلمية والدوائر الحكومية. والكتاب أنيق الطبع جيد الورق يباع في جميع المكاتب الشهيرة وثمنه عشرون قرشاً.
زعامة الشعر الجاهلي
بين امرئ القيس وعديّ بن زيد
تأليف الأستاذ عبد المتعال الصعيدي
الأستاذ عبد المتعال الصعيدي أديب مجتهد واسع الاطلاع، يعجبك منه إذا حادثته دماثة خلقه، ورقة طبعه، وسرعة بديهته، ومن آثاره الأدبية هذا الكتاب الذي أحدثك عنه، وهو يقع في نحو مائة وثلاثين صفحة من القطع الكبير.
ابتدأ الأستاذ كتابه بفصل من ميزان الشعر وقد تساءل في هذا الفصل (هل يوزن الشعر بموضوعه او يوزن بألفاظه ومعانيه أو يوزن بهما معاً؟ وإذا كان يوزن بهما معاً فما الذي ينظر إليه قبل غيره منهما؟) ثم تكلم في هذا الفصل عن الشعر وأغراضه، وعقد فصلاً آخر عن الشعر الحضري والشعر البدوي ثم وصف نجداً وتكلم عن كندة وتغلب، ثم ترجم لامرئ القيس وشرح عقيدته وتعرض للغته وشعره، وأورد طرفاً من شعره في لهوه وجده، وبعد ذلك انتقل إلى عدي ابن زيد فتكلم عن الحيرة وعن حياة عدي ولغته وشعره، وأورد أيضاً شيئاً منه، ثم تكلم عن منزلة الشاعرين إجمالاً ووازن بينهما في النهاية فجعل الزعامة لعدي بن زيد.
فالكتاب كما ترى جدير بان يقرأه الأدباء، فسيجدون في قراءته متعة، وسيظفرون منه بكثير من المعلومات الشيقة المفيدة ولهم بعد ذلك أن يوافقوا الأستاذ فيما ذهب إليه أو يخالفوه.
أما أنا فأخالفه وأراه متحيزاً في حكمه، وأرى هذا التحيز نتيجة لازمة لمقدمته عن ميزان الشعر فقد جعل الأساس في وزن الشعر أغراضه، وقسم هذه الأغراض إلى شريفة وغير شريفة، دون أن يحدد هذا التقسيم، ثم اظهر ميله إلى شعر الحضر ونفورة من شعر البادية فجعله غليظاً خشناً ليس فيه من المحاسن إلا وصف جمال الطبيعة إن كان ثمة من جمال في البادية! وعلى هذا الأساس قدم عدياً لشرف أغراضه ورقته التي اكتسبها من الحضر مع انه يقول في صفحة 14 (ولا نريد من هذا ان الأدب الحضري في جملته كان خيراً من الأدب البدوي في جملته، وقد يوجد من أدباء البدو من كان خيراً من بعض أدباء الحضر ومن أدباء الحضر من كان خيراً في أدبه اقل من بعض أدباء البدو) ولكنه أراد ان يقدم عدياً فتكلف، واضطر إلى أن يغمط امرأ القيس كثيراً من محاسنه، هذا إلى أنى أخالف الأستاذ الفاضل في قوله عن الشعر (ان موضوعاته هي أغراضه وألفاظه هي معانيه، ومعانيه هي ألفاظه، ولا يمتاز اللفظ عن المعنى إلا في مظهر وجوده في اللسان ووجود المعنى في الذهن).
لا أستطيع أن اقره على هذا الرأي، ولا أجده يحتمل المناقشة أو بعبارة أخرى أجد المناقشة فيه لا تنتهي، فإن المناقشة في البديهيات تخرج عن الموضوع إذ أنها تبدأ من قضية مسلمة ومن نقطة نهائية.
أما عن قياس الشعر بأغراضه فإني أرى الأمر على عكس ما يراه الاستاذ، فلم تتسنى الموازنة بين شاعرين، إذا أردنا تفضيل أحدهما على الآخر إلا إذا اتفقا في الغرض، أو على حد تعبير أدبائنا إلا إذا اتحدا في المدرسة، أما أن يختلفا في البيئة والغرض فنجعل من ذلك مقياساً للموازنة بينهما فما لا أسلم به إلا إذا استطعنا أن نوازن موازنة تنتهي بحكم تفضيلي بين أبي نؤاس وعمر بن أبي ربيعه مثلاً أو بين البحتري والمعري أو بين شوقي والبار ودي. . . الخ.
ولكني إذا خالفت الأستاذ في بعض آرائه فلا يسعني إلا أن أعلن إعجابي بدقته في البحث واستقصائه لتفاصيل الموضوع وإلمامه به، هذا إلى جمال عبارته ودقة أدائه مما يجعل كتابه جديراً بالاقتناء، خليقاً بالدرس في روية وإمعان.
محمود الخفيف