مجلة الرسالة/العدد 506/البَريدُ الأدبيّ
→ نظرة جديدة | مجلة الرسالة - العدد 506 البَريدُ الأدبيّ [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 03 - 1943 |
هل الاسكندر الأكبر هو ذو القرنين المذكور في القراّن الكريم
يعتقد بعض المؤرخين خطأ أن الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم. فنجد المقريزي والمسعودي يحاولان أن يثبتا أنه (هو)، وكذلك الأستاذ فريد وجدي في دائرة معارفه، وغيرهم كثيرون. ومنهم من يدعي أن سبب تسميته بذي القرنين أنه ملك قرني الدنيا، وأن له ضفيرتين، أو أنه شجاع كالكبش، وغير ذلك من الترهات التي لا يجوز أن يعتمد عليها المؤرخ. ويخيل إلي أن سبب خطئهم جميعاً هو عدم اطلاعهم على التوراة. فلو رجعنا إليها لعرفنا سبب هذه التسمية التي ألصقها المؤرخون خطأ بالإسكندر
ولكي نلم بالموضوع يحسن أن نتساءل: لماذا ذكر القرآن الكريم شيئاً عن ذي القرنين؟ وجواب ذلك سيوضح لنا كل شئ: سأل اليهود وكفار قريش النبي عليه الصلاة والسلام عن شخص لم يذكروا اسمه جاب الدنيا شرقاً وغرباً، وكان له ملك عظيم. ويقصد اليهود بذلك ذا القرنين المذكور في التوراة. فنزلت آيات القرآن الكريم عن ذي القرنين في سورة الكهف. وإليك رواية التوراة: رأى النبي دانيال علية السلام في المنام كبشاً ذا قرنين وفسره في التوراة بمملكة فارس التي لم تكن قد ظهرت بعد. ورأى كبشاً آخر ذا قرن واحد يهجم على هذا الكبش ذي القرنين ويقتله. وفسره في التوراة بملك من ملوك اليونان سيظهر في المستقبل ويقضي على دولة الفرس العظيمة. . . وعلى ذلك فالمقصود بذي القرنين دولة فارس العظيمة التي أسسها الملك كورش والتي تنتهي بالملك دارا الثالث الذي في عهده قضى الإسكندر على دولة الفرس. والمقصود بذي القرن الواحد الإسكندر الأكبر
ودولة فارس كانت عاصمتها سوس في جنوب غرب إيران. وكان الشعب الفارسي في الجنوب والميديون في الشمال. والقرنان إشارة إلى هذين الجنسين. والقرن الواحد إشارة إلى أن اليونان جنس واحد. وكانت دولة فارس تملك عدا بلادها التركستان في وسط آسيا، وبابل في حوض نهري الدجلة والفرات من الجنوب، وآشور في شمال بلاد النهرين، وبلاد آسيا الصغرى، والمستعمرات اليونانية التي بها، وبلاد الفينيقيين بسورية، وأرض العبرانيين بفلسطين، ومصر. . . وعلى ذلك فالآيات القرآنية الكريمة التي جاءت في سورة الكهف هي في الحقيقة تاريخ دولة برّمتها، والأعمال التي قام بها ملوكها. ومع ذلك إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجده يرفع ذا القرنين إلى مصاف المؤمنين، في حين أن الإسكندر الأكبر كان وثنياً يدّعي أنه ابن الإله آمون، وأوصى بأن يدفن بعد موته بمعبد آمون بسيوة. وكان متهتكاً يميل إلى الفجور وشرب الخمر وكان ذلك سبب وفاته. وكانت جثته تعبد بعد موته. فلا يعقل أن يكون هو ذا القرنين الذي يقول فيه القرآن الكريم: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا. وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى). والآية الكريمة التي تقول: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) تنطبق على الملك كورش الذي أتجه غرباً وفتح بلاد الفينيقيين بسورية حتى بلغ البحر الأبيض المتوسط (فوجد الشمس تغرب فيه). أما سد يأجوج ومأجوج فالذي أقامه هو الملك كورش أيضاً وهو الآن في موضع اسمه (دريند) ومعناها السد، وهو أثر سد قديم بين الجبال في بلاد التركستان في وسط آسيا. ويروى الرواة في تلك البلاد أنه كان خلف هذا المكان قديماً قبيلتان: إحداهما تسمى ياقوق والأخرى ماقوق. ولقد غار السد بفعل الزلازل. وهذا يفسر قوله تعالى: (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء). ومن نسل يأجوج ومأجوج كانت جيوش تيمورلنك وحفيده هولاكو الذين خربوا بغداد وأسقطوا الدولة العباسية.
من هذا نرى أن الإسكندر ليس ذا القرنين، وعلى ذلك ليس من العدل أن نلصق به هذا اللقب بالإكراه. وإذا كان ولابد أن نجعل له قروناً فلا مانع من تسميته بذي القرن الواحد.
الدكتور إبراهيم الدسوقي
حول تراث بني إسرائيل
قرأت ما كتبه الأستاذ الساكت رداً على تخطئتي للمفسرين في تراث بني إسرائيل، فوجدته يؤيد ما ذكروه من رجوع بني إسرائيل إلى مصر بأن الألوسي رأى في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى وبقوا معه بمصر عشر سنين، بأن صاحب كتاب الأصول البشرية ذكر أن موسى بعد أن هزم فرعون مصر الذي فر إلى بلاد الحبشة حكم مصر ثلاث عشرة سنة، وبأن المتبادر من قوله تعالى: (ويستخلفكم في الأرض). وقوله: (قلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض). وقوله: (وأورثناها بني إسرائيل) أنهم رجعوا إلى مصر وكل هذا لا يفيد الأستاذ الساكت بشيء، لن الله تعالى قد عين ذلك التراث في قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) فالأرض المباركة هي أرض الأنبياء من المسجد الأقصى وما حوله، كما قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وهي الأرض المقدسة التي ذكر الله أنه كتبها لهم في قوله: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) فهذه الأرض هي التي كانت مطمح بني إسرائيل، وهي الإرث الذي كانوا يتطلعون إليه، وأرسل موسى لأجل أن يمكنهم منه
وقد فصل الله تعالى ما جرى لبني إسرائيل بعد مجاوزتهم البحر، وكرره في سور كثيرة من القرآن الكريم، وذكر من ذلك أنه حاول أن يحملون على دخول الأرض التي وعدوا بها، فهابوا قتال أهلها (قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، قال رب إني لا أملك إلا نفسي وآخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين)
ولم يذكر الله تعالى فيما فصله وكرره من ذلك أنهم رجعوا إلى مصر، وهو لو صح حادث عظيم ما كان الله تعالى ليهمل ذكره، على أن أولئك القوم الذين عجزوا عن فتح بيت المقدس، وأظهروا ذلك العجز والجبن، لا يعقل أن يقووا على فتح مصر، ولا يعقل ألا أن يبقوا في ذلك التيه الذي ضربه الله عليهم، وألا أن يحرمهم الله نعيم مصر أيضاً جزاء فسقهم وعصيانهم
ولا شك بعد هذا في أن ظاهر القرآن الكريم يشهد لذلك التفسير الذي ذكرته، وهو التفسير الذي يتفق مع المعروف من تاريخ مصر القديم وتاريخ بني لإسرائيل، ولا اعتداد بتلك الروايات المجهولة التي ذكرت في المنارة وغيره، ولم تبين لنا كيف ملك موسى مصر، ولا كيف تركها بعد أن تمكن منها
والله يعلم أني لم أطلع على ذلك التفسير الذي يتفق تفسيري معه، وإنما كان ذلك من توارد الخواطر، والخطب فيه سهل.
عبد المتعال الصعيدي