مجلة الرسالة/العدد 504/أيها المرضى
→ من أيام الفتوح | مجلة الرسالة - العدد 504 أيها المرضى [[مؤلف:|]] |
الحكم الذاتي في المدرسة ← |
بتاريخ: 01 - 03 - 1943 |
للأستاذ راشد رستم
(إذا كان المريض يخاف المرض فأن الصحيح منه أخوف)
(الكاتب)
شفاكم الله وعافاكم
إنكم اليوم مرضى وقد كنتم أصحاء، فلا تجزعوا بل اعملوا على أن تعودوا أصحاء
إن الأصل في الحياة الصحة والعافية، أما المرض فهو حال نصيب الناس لحكمة من السماء - تصقلهم به وتهيؤهم ثم تنبهم أن يكونوا دائماً أصحاء
لا تنظروا إلى الأصحاء، بل انظروا إلى المرضى من إخوانكم؛ بل انظروا إلى أنفسكم
قد يصير الصحيح مريضاً والمريض صحيحاً، إذ لا صحيح دائماً ولا مريض دائماً
إن الأصحاء لم يكونوا دائماً (هم) الأصحاء، فهونوا على أنفسكم، ولا تضعفوها جنب ضعف أجسامكم، إذ هي التي تشفيكم وهي التي تنجيكم، وهي التي تعيدكم صحتكم الأولى
إن المرض ضعف فلا تزيدوا الضعيف ضعفاً
إن ضعف النفوس أخطر من ضعف الأجسام
وإذا تهيأ للمرء لأن تكون له نفس صحيحة قوية فلا يضعفها بأن يخضعها لحكم هذا الجسم المريض الضعيف المضطرب
تلك القوى الكامنة في النفوس إن هي إلا مدد سحري من تيار الروح العلوي ترفع عن الضعيف ضعفه، وتقوم له بما يعجز عنه دواؤه وأطباؤه
وإذا كان المريض، فإن للأصحاء هموماً وقيوداً، وإذا أفلت الزمن من يد المريض فلا يضن أن الصحيح عليه قادر
إن الزمان يقبض ولا يقبض عليه، فلا الصحيح قوي على الزمن ولا المريض ضعيف على الزمن
لا تطلبوا الشفاء إلا من الله، ثم من أنفسكم التي يجب أن تكون مع الله
أما الزائرون فلا تعتبو مرضنا فما عادنا عائد ... ولا قيل أين الفتى الألمعي
لعل له عذراً وأنت تلوم. ومن الناس من لا يحب أن يجد صديقه هزيلاً، فكيف به يرضى أن يراه عليلاً!
تحولوا عن هؤلاء وعن هؤلاء، واتجهوا دائماً إلى أصدقائنا الأطباء
إن الطبيب هو الصديق الطبيعي للمريض
وإذا لم يستطع الطبيب أن يكون صديقاً للمريض فلماذا أراد أن يكون طبيباً!
ليس يكفي أن يكون الطبيب عدواً للمرض حتى يعتبر صديقاً للمريض!
يتقدم المريض إلى الطبيب وهو يود أن يكون له كل ما يريد تلك ظاهرة من ظواهر المرض لا تخفى على أحد
غير أنها قد تفوت على من لا يجب أن تفوت عليه، نعم تفوت على الطبيب، تمر عليه دون أن يقيم لها وزنا ً - هنالك يختل ميزان الإنسانية، لأنه بيد الطبيب، ولا يعود المريض، ولا غير المريض، يرى في الطبيب ذلك الهيكل القدسي الذي يقصد إليه ليلقي بالروح والجسد بين يديه. . .
ولكن المريض كالغريق، يتعلق بكل ما يرى وما يجد - إذن فيا رحمة الله اهبطي على قلب الطبيب! ويا سكينته انزلي على قلب المريض، ويا الله ألطف بهذا الإنسان، وهذا الإنسان. . .
وهكذا لن يستطع المريض أن يفر من رحمة الله، فقد وسعت رحمته كل شيء، وإلى أي النواحي اتجه، وإلى أي المؤاسين قصد، ففي رحمة الرحمن البرء والرضا والأمان
وإن لله لحكمة بين الناس في دنيا الأمراض، إذ يولد ابن آدم وليس عليه غير الصحة والعافية، حتى إذا استلمها أخذ يخضعها لأغراض في الحياة مدى الحياة، ثم يذهب وقد ذهبت عنه الصحة والعافية وأغراض الحياة. . .
وإن في المرض لآية يدرك بها المرء معنى الصحة، وإنها هي الحياة، وإنها من الله وانه لا شيء سواها، ولا أحد سواه
خذ نفسك أيها المريض بيقين الشفاء، وجسمك بصحيح العلاج، ثم اصبر فإن الله كما قضى لك بما تحب منه، يقضى عليك أن تصبر له على ما يحب فيك. . .
وكن عبده والق القيادة لحكمه
وهو الله يمتحن الطبيب بالمريض، ليس ليعلم قدر علمه، إذ فوق كل ذي علم عليم، وإنما ليسأله الواجب الذي ارتضاه لنفسه، والمهمة التي أقسم عليها، أليس هو الذي اختار المهنة التي يعمل لها؟
إلى الأطباء إذن أيها المرضى. لا تسألوهم الشفاء، وإنما اسألوهم وسيلتهم إلى الشفاء - أن يكونوا لكم أصدقاء، بل ونعم الأصدقاء
إن الطب تخمين، والإنسانية يقين، و (الحكيم) البصير يسير بينهما وهو آمن وأمين. إذ شتان بين طالب الله وطالب من الله. . .
إن الرحمة لم ترفع بعد من الأرض إلى السماء، أيها المرضى وأيها الأصحاء. . .
فمن كان له قلب فله الرضا من كل شيء. . .
(بحيرة قارون)
راشد رستم