الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 498/إلى الأستاذ البشبيشي

مجلة الرسالة/العدد 498/إلى الأستاذ البشبيشي

بتاريخ: 18 - 01 - 1943


للأب أنستاس ماري الكرملي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

5 - نعم وكرامة

يا سيدي البشبيشي، إننا نستشهد دائماً بأقوال الفصحاء حينما نرد على أحد الأدباء. وقد بينا للقراء صحة قول أبناء مضر (حبا وكرامة) أما حضرتك فلم تذكر لنا أسم من قال: (نعم وكرامة) فننتظر استشهادك لنسلم لك بما تقوله، وإلى أن تفعل، نقول: إن قولهم: (حبا وكرامة) أصح من قولهم: (نعم وكرامة لكثرة ورود الأول في أقوالهم، وقلة ورود الثاني فيها

6 - المسكن والمسكن

الذي قلناه في الرسالة (782: 10): مَسكن. مَسكِن بكسر الكاف هو الأفصح، ولم نخطئ الأول إذ قلنا الأفصح، فهذا معناه أن مسكناً بالفتح فصيح لكن الأفصح بالكسر. ففي غنية الطالب في ص24 من الطبعة الأولى: (وإذا كانت العين مكسورة، فأبقها على كسرتها نحو: مجلِس، ومضرِب. وشذَّ المسجد والمغرِب، والمطلع، والمجزِر، والمرفِق، والمفرِق و (المسكِن) والمنسك والمنبت، والمسقط، فإنها جاءت بكسر العين، مع أن مضارعها مضموم. و (أجيز) استعمالها على الأصل) اهـ

7 - الجدُدُ أفصح من الجدُدَ

نعم، إن الجدُدَ بفتح العين واردة في كلام (بعضهم)، لكن أنسير على كلام (بعضهم) ونترك جمهورهم. أليس اتباع الجماعة أحسن وأسْلَم لنا من اتباع البعض؟ قال صاحب التاج في ترجمة آخر هذه اللفظة: (والأكثرون على الضم)

8 - رواية الأشعار القديمة

من المشهور عند الأدباء المحققين، إن رواية الأشعار القديمة، يجب أن تنقل عن الأقدمين، لا عن المحدثين، ولا سيما المتأخرون منهم، لأنهم عبثوا بكل شيء قديم، ولهذا يجب أن ننبذ نبذ النواة، ولو صحت روايتهم، أو وجهت توجيهاً حسناً، أو أُوْلت تأويلاً بديعاً، بل أبدع من رواية الأقدمين. والذي رويناه نحن نقلناه عن أصح كتاب رويت فيه أبيات أعشى باهلة، أي عن الديوان المروي عن أبي العباس ثعلب وشرحِهِ له، (المطبوع في مطبعة) دلف هلزهوسن في بيانه سنة 1927 بعناية رودلف جير ص266 وما يليها

وأما رواية الشيخ حمزة فتح الله فليست بشيء بالنسبة إلى قدم ثعلب وقد توفي سنة 297 للهجرة، وأما الشيخ حمزة ففي سنة 1336. فأين الثري من الثريا؟ وقد قيل في ثعلب إنه (كان راوية للشعر، مشهوراً بالحفظ، وصدق اللهجة، ثقةً حجة).

وأما الشيخ حمزة - رحمه الله - فما كان يعرف أن يوقع اسمه حينما كان مفتشاً بوزارة المعارف المصرية فقد كان يكتب (حمزة فتح الله مفتش أول اللغة العربية بنظارة المعارف العمومية) فكأن للعربية أولاً وأخراً، وكان هو مفتش أول اللغة تاركاً لغيره أن يكون مفتشاً لآخرها!

فإذا كان الشيخ حمزة فتح الله لا يحسن النطق بثلاث كلمات صغار فكيف نعتمد عليه وعلى روايته للشعر القديم؟ - فأين الطمطمانية من العربية المبينة؟ وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟

فانصفنا يا سيدي البشبيشي، ولا تحد عن الصراط المستقيم، ذباً عن الصديق الحميم

9 - جمع أفعل وفعلاء على فعل

ليس لنا رأي خاص في جمع أفعل فعلاء على فُعل، وإنما نحن تابعون لرأي الفصحاء الصميم من الأئمة الأعلام. فقد قال سيبويه في كتابه (2: 211 من طبعة بولاق): (وأما أفعل، إذا كان صفة فإنه يكسر على فُعل، كما كسروا فعولاً على فُعل، لأن أفعل من الثلاثة وفيه زائدة، كما أن في فعول زيادة، وعدة حروفه كعدة حروف فعول، إلا أنهم لا يثقلون في أفعل في الجمع العين، إلا أن يضطر شاعر، وذلك: أحمر وحمر، وأخضر وخضر، وأبيض وبيض، وأسود وسود؛ وهو مما يكسر على فُعْلان. وذلك كحمران، وسودان، وبيضان، وشمطان، وأدمان

(والمؤنث من هذا يجمع على فُعل. وذلك: حمراء وحُمر، وصفراء وصفر. وأما الأصفر والأكبر فإنه يكسر على أفاعل. ألا ترى أنك لا تصف به كما تصف بأحمر ونحوه. لا تقول رجل أصفر ولا رجل أكبر. سمعنا العرب تقول الأصاغر كما تقول: القشاعمة والمصيارفة حيث خرج على هذا المثال. فلما لم يتمكن هذا في الصفة كتمكن أحرم، أجرى مجرى أجدل وأفكل، كما قالوا: الأباطح والأساود، حيث استعمل استعمال الأسماء. وإن شئت قلت: الأصغرون والأكبرون. فاجتمع الواو والنون والتكسير ههنا، كما اجتمع هنا الفعل والفعلان. وقالوا الآخرون ولم يقولوا غيره كراهية أن يلتبس بجماع آخر؛ ولأنه خالف إخوانه في الصفة فلم يتمكن تمكنها؛ كما لم يصرف في النكرة. ونظير الأصغرين قوله تعالى: بالأخسرين أعمالاً) اهـ

وفي مختار الصحاح: (الأسود: العظيم من الحيات، وفيه سواد والجمع الأساود، لأنه اسم، ولو كان صفه لجمع على فُعُل) اهـ

وفي لسان العرب في مادة (ج ح م): (الأجحم: الشديد حمرة العينين مع سعتهما. والأنثى جحماء، من نسوة جحم وجحمي). قلنا: وهو الصواب بخلاف ما جاء في القاموس، إذ قال: الأجحم. . . وهي جحماء والجمع جُحم ككتب وسكرى) اهـ

وكلام آثمة البصريين والكوفيين من صرفيين ونحاة ولغويين مبنى كله على الآيات القرآنية. ففي سورة الملائكة ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود). ولم يقل بيضاء ولا حمراء ولا سوداء.

وفي سورة الإنسان: (عاليهم ثياب سندس خضر)

وفي سورة يوسف: (وسبع سنبلات خضر)

وفي سورة الرحمن: (متكئين على رفرف خضر وعبقريّ حسان)

وفي سورة الكهف: (ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق). ولم يقل مرة واحدة خضراء

والآيات كثيرة ولم ترد فعلاء مرة واحدة صفة لجمع، أيّاً كان

وأما ما قاله سيدي وأستاذي البشبيشي: (نستطيع أن نحكم بجواز استعمال الوصف بهما مفرداً قياساً على قولهم: إن الجمع بمعنى الجماعة، فيجوز وصفه بالمفرد: ولذلك شواهد لا تحصى. . .) ومن هذه الشواهد التي لا تحصى كنا نود أن نرى واحداً، لنرى أهي من باب أفعل فعلاء، أم من غيره - ثم إن هذا الباب الذي يذكره يسمى باب التخريج، وهو باب واسع يلجه الحيوان الأكبر والأصغر من الهوام والحشرات وأنواع العجماوات. أما الحيوان فيعدل عنه ولا يلجه، نظراً إلى شرفه وإجلالاً لقدره، وإعزازاً لشرفه وحبه، وخشية أن يقال عنه: (ولج العاقل باباً لا يلجه إلا الحيوان الأعجم) أعاذنا الله من أن نكون منه!

10 - الأربعة الاستقصات لا الأربع

في جميع ما نكتب نتوخى الفصيح والأفصح من كلام السلف الصالح بقدر الطاقة. وأفصح كلام العرب يرى في الآيات القرآنية. وقد جاء في سورة النساء: (ولا تقولوا ثلثة) أي ثلاثة آلهة. ولم يقل ثلاثا

وفي سورة الطلاق: (فعدتهن ثلاثة أشهر

وفي سورة الكهف: (سيقولون ثلثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) إلى غيرها من الآيات وهي كثيرة لا حاجة لنا إلى ذكرها كلها فاجترأنا ما ذكر منها

وجميع ما ورد في تلك الآيات، مختوم بخاتم الإحكام المتقن، ومطبوع بطابع الصحة المنيعة، وفيه أقصى التحقيق والتدقيق إذ (لا نرى بينها عوجاً ولا أمْتا)، ولا يهمنا بعد الكلام خرفشة النحاة ولا حذلقة الصرفيين، إذ يسمع لها جعجعة ولا طِمن!

فالاستقص (بصاد مشددة في الآخر) والاصطقسّ بصاد وطاء وقاف وسين، مذكرة، ولا يقول الفصحاء والحذاق والبصراء من السلف إلا الاستقصات الأربعة لا الأربع. ونحن نتبع الآيات المحكمات وكتاب سيبويه وجماعة علماء البصرة والكوفة، وليتبع غيرنا ما شاء من المجوزين، والمخرجين، والمفسرين. وعلمه فوق كل ذي علم

11 - الخلاصة

إننا نتبع الفصيح من كلام الناطقين بالضاد، ونترك الغير يتبع ما شاء من لغات العرب ولغيَّاتهم، أولئك الذين جاوروا الأعاجم فركت عبارتهم، وفسدت تراكيبهم وغمضت ألفاظهم وغلظت كلمتهم، فوقعوا في أوهام لا تعد

وهذا آخر ما نكتب في هذا الموضوع وقد أوصدنا بابه علينا، فلا نريد سماع ما يخالف أحكام اللغة المتينة ولا قواعدها المبنية، وإن فاض التنور وقامت القيامة، وكان اليوم الأخير.

الأب انستاس ماري الكرمل

من أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية