مجلة الرسالة/العدد 496/خطرات شاعر
→ أيها الأصحاء. . . | مجلة الرسالة - العدد 496 خطرات شاعر [[مؤلف:|]] |
كلمة عن التلباثي ← |
بتاريخ: 04 - 01 - 1943 |
ليلة عيد الميلاد
للأستاذ علي محمود طه
اسمعي أيَّتُها الروحُ! أفي الكون غِناءُ
وانظري. . . هل في نواحي الأرض بالليل ضياءُ؟
لا تُرَاِعي إنْ يكنْ قَصَّر عنك البشراء
فالنواقيس التي حَّيْتكِ أشَجاها القضاء
الشَّجَي رَجْعَ صداها والأسَىِ والُبرَحاء
والتراتيلُ من البِيعَة نَوحٌ وبكاء
رددتهنَّ الثكالى واليتامى الشهداء
والمصابيحُ التي كان بها يُزْهَي المساء
خنقتها قبضةُ الشرِّ فما فيها ذَماء
صبغوها بسوادٍ فهيَ والليلُ سواءُ
مأتمٌ للنور قام الويلُ فيهُ والشقاء
تحت ليلٍ ما له بدءٌ، ولا منهُ انتهاء
أيها المبعوث، لا ضَنَّتْ بِرُجعاكَ السماء
أنظِر الأرضَ. . . فهل في الأرض حبٌّ وإخاء؟
نسىَ القوم وصاياك وضلوا وأساءوا!
وكما باعوك يا منقذُ بِيعَ الأبرياءُ!!
ليلةَ الميلاد، والدنيا دموعٌ ودماء
في ربوع كان فيها لك بالسلم ازدهاء
باسمه يشدو المغُّنون ويشدو الشعراء
أين ولَّت هذه الفرحة؟ أم أين الصفاء؟
لم تصافحك من الأطفال أحلامُ وِضاء
رقدوا غيرَ عيونٍ ريعَ منهن الفضاء ترقب الآباء، هل عادوا؟ وهل حان اللقاء؟
بين أيدي أمهات، بِتنَ، والليل جفاء
في طوايا النفس وقد عز الرجاء!
ويحهم أين تُراهم، هؤلاء التعساء؟
هم وراء الليل أجسادٌ وأرواحٌ هباء
ووجوهٌ رسم الرعبُ عليها ما يشاء
خندقوا في مأزقِ الموتِ وما منه نجاء
بين موج من سعير يتوقَّاه الفناء
وجبالٍ من رُكام الثلج يُرسيها الشتاء
وحديدٍ طائر يحذر مسراه الهواء
وعجيبٌ! فيمَ للموت يساق الأشقياء؟
في سبيل الحقِّ؟ والحق لدى القوم طلاء!
في سبيل المجد؟ والمجد من البغي بَراء!
أوَ في المجزرة الكبرى تنال المجدَ شاء؟
كذب الباغي وللسيف بكفَّيه مَضاء
وخداعٌ كل ما قال، وزورُ وافتراء!!
أيها الشرق الذي خصَّته بالرٌّوح السماء
هذه الروح التي شِيدَ بكفيها البناء
والتي من نورها العالم يُجْلي ويُضاء
يا أبا الحكمة، لا هان عليك الحكماء!
ناد (أوربا) فقد ينفعها منك النداء:
دِنْتِ بالقوة حتى صَرَعَتْكِ الكبرياءُ
حانتِ الساعةُ يا أختاه أم حَقَّ الجزاء؟
أرقصي في النار، أنتِ اليوم للنار غذاء
وأشربي في حانة الشيطان ما فاض الإناء حانة للموت فيها من دم القتلى انتشاء
نادمي من شئت فيها، فالمنايا الندماء
فارفعي الكأس وغّني وعلى الدنيا العناء!
يا قويا لم يَهُنْ يوماً عليه الضعفاءُ
وضعيفاً واسمه يُصرع منه الأقوياء
وأنا المسلم لا يُجحد عندي الأنبياء
أنت في القرآن حب وجمالٌ ونقاء
عَجبٌ فِدْيتُك المثلى! وفي القول عزاء!
ألهذا العالم الشرِّير؟ قد ضاع الفداء!