الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 48/في المحكمة الصلحية

مجلة الرسالة/العدد 48/في المحكمة الصلحية

بتاريخ: 04 - 06 - 1934


بكفيا - لبنان

للأستاذ حسن عبد الجواد

بكفيا بلد من بلاد لبنان يعلو 950 متراً عن سطح البحر ويبعد 21 كيلو مترا عن بيروت. وعلى مقربة من هذا البلد تقع ضهور الشوير التي احتفلت بلديتها في الصيف الماضي بافتتاح شارع الأمير فاروق فيها بحضور كبار المصطافين المصريين.

وفي بكفيا محكمة صلحية (جزئية) يرأسها قاض على جانب كبير من الثقافة اسمه الأستاذ ناصر رعد.

والمحكمة الصلحية هي هي الجزئية. وهناك محاكم ابتدائية واستئنافية. ولديهم محكمة التمييز (النقض والإبرام).

وسراي محكمة بكفيا الصلحية بها غرفة للقاضي وقاعة للجلسة وغرفة لكتاب المحكمة (قلم كتاب) وغرفة المأمور الأجراء (المحضر القائم بالتنفيذ). - ومأمور الأجراء في تلك البلاد يتقاضى فوق مرتبه نسبة معينة على المبالغ التي يحصلها لأصحاب القضايا.

وكاتب التصديقات هناك يعمل لحسابه الخاص ويسمى (كاتب عدل) وله محل خاص أسفل سراي المحكمة يدفع هو أجرته الشهرية.

انعقدت الجلسة في الساعة التاسعة صباحاً ورأسها القاضي مرتديا الروب؛ وجلس على اليمين كاتب الجلسة مرتدياً الروب؛ وجلس المحامون بمقعدهم الأمامي يرتدي كل منهم الروب.

ووضعت القضايا على المنصة، أمام القاضي، وكل قضية في مظروف مختوم.

نادى حضرة القاضي (فتحت الجلسة علناً) وفتح مظروف القضية الأولى بين سكون شامل - فإذا ما نظر القضية فتح مظروف الثانية وقال نفس العبارة (فتحت الجلسة علناً) وهكذا في كل قضية.

ولقد أعجبنا كثيراً كثرة التجاء المحكمة إلى تعيين محكمين، بعد اتفاق الخصوم والتوقيع على محضر الجلسة بقبول التحكيم. وكثيراً ما انتهت القضايا صلحاً أمام المحكمة، وقد رأيناها تعرض الصلح على طرفي النزاع في كل قضية. وهذا طبيعي لأن صلحية. وأول ما يجب على القاضي الجزئي عرض الصلح على المتخاصمين.

وقد لاحظنا أن القاضي قد درس القضايا جيداً قبل افتتاح الجلسة إذ أخذ يناقش الخصوم في كل صغيرة وكبيرة - وقد تأكدنا أن القائم بتبليغ القضايا (بالإعلان) قد استجوب المدعي عليه كتابة على عريضة الدعوى. وفي ذلك تسهيل كبير لمهمة القاضي، وحصر للمرافعة في نقطة الخلاف فقط. وفي ذلك توفير كبير للوقت.

وقد رأينا القاضي يملي الكاتب أقوال طرفي النزاع بلغة عربية فصحى، ثم يطلب إليه قراءة ما كتب للتأكد من صحته

وكان يسأل القاضي الشاهد عن اسمه وصناعته وعمره، وعما إذا كان متزوجاً أو أعزب - وإن كان متزوجاً سأله عما إذا كان له أولاد. وقد سألنا عن السر في هذه الأسئلة الخاصة بزواجه وبأولاده فقيل (لمراعاة ذلك عند تقدير العقوبة على شاهد الزور)

وقد كان القاضي ظريفاً حقاً، وعلى جانب كبير من الأدب، فوق دقته وذكائه. وسمعناه يقول للشاهد عند الانصراف: (مع السلامة).

وقد حكمت المحكمة في القضايا الكيدية بمبلغ من النقود (نظير العطل والضرر) كذا، وفي ذلك القضاء حقا على القضايا الكيدية.

وفي القضايا التي تعين المحكمة فيها خبيراً، تستدعيه وتحدد له مهمته، والساعة واليوم الواجب تقديم التقرير فيهما

والتوكيلات يطلع عليها القاضي ويملي رقمها للكاتب ويردها لأصحابها.

ونظام الإكراه البدني متبع في تلك البلاد لتحصيل الديون المدنية المحكوم بها بعد الاستشهاد بشاهدين على أن المدين قادر على الدفع. ويشترط ألا يكون للمدين عقار حتى يكره على الدفع بالطريقة المذكورة؛ لأنه في حالة تملكه عقاراً يمكن اتخاذ إجراءات نزع الملكية بدلا من الإكراه البدني. والمحكمة تقضي بحبس المدين 91 يوماً مع استمرار حق الدائن في التنفيذ مدنياً. ومن أجل هذا قلت دعاوى الاسترداد، وقلت الدعاوى الكيدية المقصود منها عرقلة التنفيذ، وتأجيل إيصال الحقوق إلى أربابها.

والمحكمة تنعقد مراراً في الأسبوع لنظر قضايا الحقوق المدنية أو لنظر الجنح والمخالفات (محكمة جزاء).

والمحكمة تشدد العقوبة على سائقي السيارات المقدمين بتهمة الإسراع فتقضي بالحبس لغاية 6 شهور - والإسراع بمصر مخالفة لا يزيد الحبس فيها على أسبوع حبسا بسيطا - ولعل السبب في ذلك سوء العاقبة عند الإسراع نظراً لارتفاع الجبال وعمق الوديان.

وعند انعقاد الجلسة - جلسة الجزاء - يقف بعض رجال البوليس (الجندرمة) للمحافظة على النظام. وعسكري البوليس هناك مثقف، ويتقاضى مرتباً حسناً، (حوالي تسعة جنيهات مصرية). وقد شاهدنا رجال الجندرمة يعاينون أدوات السيارة للتأكد من سلامتها قبل صعود الجبل، فإذا ما وجدوا تلفاً في أي جزء من أجزاء السيارة قدموا السائقين للمحاكمة. وكل هذا محافظة على أرواح الناس الذين تقلهم السيارات في طول البلاد وعرضها.

ولقد صادفنا عسكري بزحلة يحمل شهادة التجارة المتوسطة المصرية؛ وفي هذا الدليل على ما عليه رجال البوليس هناك في ثقافة ومعرفة.

تلك نظرة سطحية في نظام التقاضي بتلك البلاد الشقيقة؛ وهو في مجموعه في نظام طيب. وفقنا الله جميعا لخدمة العدالة ونصرة الحق، والأخذ بيد المظلوم.

حسن عبد الجواد

المحامي