مجلة الرسالة/العدد 45/- الدوق دي لاروشفوكو
→ بين شاعر ومصور | مجلة الرسالة - العدد 45 - الدوق دي لاروشفوكو [[مؤلف:|]] |
العُلوم ← |
بتاريخ: 14 - 05 - 1934 |
للدكتور حسن صادق
أطاع الملكة مكرها، ثم عاد إلى (فرتي) ينتظر تغير الحال ليحقق آماله الكثيرة. ومات ريشليو في عام 1642، فتحفز لاروشفوكو للمطالبة بثمن عطفه على الملكة ومساعدته إياها. وزعم أنه كان يكره هذا الوزير الذي كسر شوكة النبلاء، فانه أنصفه في مذكراته فقال: (فجعت الدولة في هذا السياسي الكبير. كان عظيماً في مقاصده، ماهراً في إنفاذ خططه، وقد ضمن بأعماله المجيدة الخلود لذكره)
هذا الشاب الخيالي الذي عرف ريشليو كيف يكبح جماحه دون أن يقسو عليه، أصبح أيام الوصاية على العرش يسعى وراء مصلحته الذاتية ليس غير.
الرجل الطموح
لما مات لويس الثالث عشر وأقيمت زوجه آن دوتريش وصية على ابنها لويس الرابع عشر، فرح الملتفون حولها وتطلعت نفوسهم إلى تحقيق مطامعهم على يديها. ورأت هي منهم ذلك فجادت عليهم بالوعود وتركتهم في آمالهم ينعمون، ثم وضعت أزمة الدولة في يد الكاردنيال مازاران صنيعة ريشليو عدو النبلاء والعظاميين ولم تأبه لرغبات لاروشفوكو الذي أظهر الوفاء لها في ظروف كثيرة، وهو يقول في مذكراته عن ذلك: (قضيت عشرة أعوام في خدمتها، وخاطرت بثروتي وحريتي في سبيل راحتها وحريتها حتى قيل عني إني شهيدها. وكثيراً ما قالت لي إنها لا تجد في البلاد ما تكافئني به على ما قدمت من معروف). ولكنها لما ملكت زمام الحكم نسيت قولها تمام النسيان
ولما يئس النبلاء من وعودها، كونوا فيما بينهم جمعية سرية ترمي إلى القضاء على سلطان الوزير مازاران واختاروا الدوق دي بو فور رئيساً لهم. وانضم إليهم لاروشفوكو اسماً دون أن يوافق على سلوكهم وخطتهم، وأصبح البلاط حزبين: حزب الوزير وحزب الدوق دي بوفور. ولأجل اكتساب عضد الملكة الوصية على العرش، تقدمت الجمعية إلى لاروشفوكو أن يرجو من الملكة إصدار العفو عن صديقتها الدوقة دي شفريز حتى تعود إلى البلاد، فاطاع لاروشفوكو ومازال بالملكة حتى أجابت سؤله وأمرته بالذهبا إليها حاملاً هذا الخبر السار، ففرح وقال في نفسه (أجابت هنا الطلب، وستجيب دون شك مطالبي الأخرى)
أسرع إلى مقر الدوقة وأدلى إليها بما حدث في البلاط أثناء غيبتها، ورجا منها أن تصبر على مازاران، فان أرضى رغباتهما وحقق آمالهما تركته وشأنه، وان أبى عليهما ما يطلبان شاكسته
ولكنها لم تكد تطأ أرض باريس حتى نسيت قول لاروشفوكو وحاولت عزل الوزير وإحلال أحد رجالها المسمى شاتونيف محله، وجهرت برغبتها في رد القوة إلى الأسر العظيمة التي تحبذ آراءها وترضى عن خططها. وقبل أن تقدم على عمل جدي، افتضح أمر الجمعية وألقى القبض على رئيسها في 2 سبتمبر عام 1643 وحبس في فنسين، وأمرت الدوقة بالإقامة في تور. أما لاروشفوكو فلم يمس بسوء، وكل ما أصابه في هذه الحادثة أن الملكة أمرت بأن يعرض عن الدوقة ويخلص للوزير. ولكنه لم يذعن لأمرها ولم يجن من وراء ذلك نفعا
واستمر في البلاط إلى عام 1646 كئيب النفس وسط مسرات البطانة ومرحها، وسعى سعي المجد إلى الحصول على إحدى الرتب العسكرية التي رفض قبولها من ريشليو، ولكن سعيه لم يصب غير الفشل. فدفعه اليأس من بلوغ مقاصده إلى الاتصال بالدوقة دي لونجفيل التي تضمر العداوة للملكة. وهذه الدوقة كانت شديدة الكبرياء مولعة بالمجون والاستهتار، وقيل إنها أحبت أخاها الدوق رانجان حباً فيه إثم كبير، وإنها كانت ترى في هذا الحب البغيض طريقة تميزها من (القطيع الإنساني). ولم يحبها لاروشفوكو، بل تصل بها وأظهر كلفه بها ليستخدمها في سبيل اغراضه. وهو لم يعرف الهوى المحرق كما تقول مدام دي سفنييه وقد سمعه سجريه يقول: (لم أعثر بالحب إلافي القصص الخيالية)
وفي أغسطس عام 1648، قامت ثورة في باريس تعرف في تاريخ فرنسا باسم (ومعناها لغة: النبلة التي يستعملها الصغار عندنا في صيد العصفور، وكانت شائعة في فرنسا وقت قيام هذه الثورة فسميت باسم هذه اللعبة)، ثم امتد الاضطراب إلى الريف، وأشعل الفلاحون في (براتو) نار الشغب. وكان لاروشفوكو قد حصل على حكمها بفضل مكانة أبيه، فقمع هذا الشغب قبل أن يستفحل، ونال بعمله هذا إعجاب الوزير مازاران. ولكنه كان يسعى إلى شيء آخر غير الإعجاب بعمله، كان يرغب في الحصول على لقب دوقة لزوجه وعلى الأذن له بدخول فناء قصر اللوفر في عربة كآل روهان (وهم من سلالة ملوك بريتانيا) فلما خيب الوزير أمله، انضم في الحال إلى الثائرين على الرغم من رأي والده وأسرته، وأسرع إلى باريس لمقابلة الدوقة دي لونجفيل التي أعدت خطة لأضرام نار حرب أهلية. وقد حاولت أن تضم إليها أخاها الدوق رانجان الذي أصبح أمير كونديه بعد موت أبيه في عام 1646، ولكنها أخفقت لأن الملكة غمرته بالنعم الجزيلة ثمناً لمساعدته إياها
أخذ كونديه بعضد الملكة وأنقذ البلاط من الثائرين وأصبح صاحب الكلمة النافذة فيه، فألحف في طلب المال لنفسه والمزايا لأصدقائه ومن بينهم لاروشفوكو , وأجابه مازاران إلى ما طلب ولكن النبلاء تقدموا إلى الملكة أن تلغى هذه المزايا فألغتها في 10 اكتوبر عام 1649. وفي ذلك اليوم كتب لاروشفوكو في كراسة يذم الوزير ويسخط عليه لأنه (قاوم طموحه مقاومة عنيفة). وجملته الأخيرة تدل على روح النبلاء في ذلك العصر، وبقيت هذه الكراسة مجهولة من الناس حتى عثر بها فكتور كوزان في أوراق كونررا ونشرها
ولما ضاق الوزير ذرعا بكونديه استعمل الخديعة حتى ألقى عليه القبض هو والدوق دي لونجفيل وقد حريتهما في الهافر، وخافت الدوقة دي لونجفيل أن تصير إلى ما صار إليه زوجها فهربت إلى هولانده بمساعدة لاروشفوكو
وفي 5 فبراير 1650 مات والد لاروشفوكو، فاتخذ من إقامة المأتم ذريعة إلى جمع كثير من النبلاء والفلاحين والجياد (700 نبيل، 800 فلاح، 2000 جواد خطبهم واستوقد حماستهم لمحاربة جنود الملك. ولكن هؤلاء قهروا رجاله وأهلكوا زرعه ودمروا قصره في (فرتى). ويقول أحد أصدقائه أن لاروشفوكو لما بلغه خبر الدمار الذي أصاب القصر الناطق بعظمة أجداده، اعتقد أن الدوقة دي لونجفيل ستقدر له هذه التضحية في سبيلها حق قدرها، وبعث هذا الاعتقاد في نفسه سروراً كبيرا. وقبل انقضاء شهر فبراير هدأت الحال وأطلق سراح كونديه ومن معه، وغادر مازاران البلاد حتى تسكن العاصفة
استرد كونديه حريته ولكنه أضمر الشر للوزير والملكة. ولما بلغ لويس الرابع عشر رشده في 6 سبتمبر عام 1651، وأقيمت لهذه المناسبة حفلة فخمة: في قصر اللوفر لم يحضرها كونديه وأعوانه خشية أن تنال الملكة منهم منالا. وعرفت أخته الدوقة دي لونجفيل ميله إلى إشعال نار الحرب الأهلية مرة ثانية، فشجعته حتى سل سيفه في وجه الملك
يتبع
حسن صادق