مجلة الرسالة/العدد 449/على ذكرى الهجرة
→ حاجة المدنية إلى دين | مجلة الرسالة - العدد 449 على ذكرى الهجرة [[مؤلف:|]] |
من مذكرات عمر بن أبي ربيعه ← |
بتاريخ: 09 - 02 - 1942 |
القوة والدين
للأستاذ راشد رستم
إن الهجرة التي قام بها نبي الإسلام محمد بن عبد الله عليه السلام - حادث تاريخي، ليس له من صبغة الدين إلا أنه من أيام رسول الله.
غير أن أثرها في الإسلام عظيم
لما أراد المسلمون الأولون أن يؤرخوا لدينهم لم يجعلوا ذلك يوم ولادة الرسول، ولا يوم نبوته - بل يوم هجرته
وقد كان هذا هو رأي رجل الإسلام القوي عمر بن الخطاب - تذكرة للمسلمين بالاضطهاد الذي لاقاه رسولهم - وتنبيهاً إلى الثبات على المبدأ، وتنبيهاً لضرورة الجهاد في سبيل الدعوات
ذلك هو فضل يوم الهجرة: فضل تاريخي، فضل اجتماعي فضل للحياة الآملة المجاهدة. هذه الحياة التي لا تقيم للحق وزناً إلا بالجهاد في سبيله، والتي لا تعرف للحق وجوداً إلا إذا قام له صاحب
وصاحب حق الإسلام هو عظيم المجاهدين له عليه السلام، إذ لم يظهر حقه وقد كان خافياً إلا بعد أن جاهد له، وقد اعترف به الزمان وظل به معترفاً
ولكن كان إذا ونِي أنصار الحق عنه قليلاً وني الزمان عنه قبلهم، وإن شدُّوا له وتجمعوا عاد الزمان فأقامه لهم على هام الدول والأيام واضحاً ثابتاً
ذلك منطق الزمان. هو لا يعرف غير الغالب، والغالب أن يكون الغالبُ صاحبَ حق
ولكن الغالب كذلك ألا يكون الحق غالباً إلا بالقوة، فإن كانت غلبة الحق لا شك فيها، فإنه وهو غالب يكون كذلك هو القوي. . .
وقد يكون الباطل غالباً. ولكنه هو غالب، يكون كذلك هو القوي.
غير أن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة
لذل لما كان كفار العرب، وهم مع باطلهم أظهر على الرسول وهو مع حقه، كانوا كذلك لأن القوة كانت لا تزال معهم؛ حتى إذا ثبت محمد بحقه في الميدان واستمر مجاهداً فاز بالقوة يدعهم بها حقه ويديمه
ومن مزايا الحق أن الاعتقاد بيقينه يجعل من الضعف قوة، كما يزيد القوة قوى
ومن ذلك كان نصر الحق بالثبات عليه والجهاد له
ورسول الإسلام لم يكن ينقصه الحق ولا مزاياه؛ وإنما هي القوة. . . لذلك كان يعمل لها بعد أن تأكد من يقين حقه، وكذلك كان من معه
وهكذا كان ثبات النبي مضرباً للأمثال
فكمُ هدد، وأوذي، ورغَّب؛ فلم يجبن ولم يرجع عن جهاده. بل كان يثور للحق ويثير في نفوس أنصاره الروح النقية القوية، والعقيدة الصحيحة بأن القوة أولى بها أن تكون للحق، وأن الحق لا بد له من القوة ما دام الباطل يستعين بها فلما فاز الرسول بالقوة، ظهر على أعدائه حقه
وهكذا كان حال السابقين من أهل الدعوات، فما تمكن دين المسيح عليه السلام إلا بعد أن دان له الإمبراطور قسطنطين العظيم، فدعمته قوة السلطان
وما كان زاهيا زاهراً دين موسى عليه السلام إلا لما كان السلطان لبني إسرائيل؛ فلما شالت نعامتهم ذهبت ريحهم
على أننا لا نقصد بالقول أن نحط نمن قيمة الحق، وأن نرفع من القوة، ولكننا نقرر مركز كل منهما من الآخر، ذلك المركز الذي توجبه جِبِلَّة البشر وطبيعة الإنسان، تلك الطبيعة التي فطر عليها من أن يَملَّ المعنويات ويعظمَ المحسوس
إن هذه الجبلة الآدمية هي التي تدفع بالحق يسعى وراء استخلاص القوة لنفسه، وإنه لعمل محمود
ليس في السعي وراء القوة عيب، إذ القوة أظهر مظاهر المحسوس، وهي لسان الإنسان الفصيح وبيانه المفهوم، وهي الواسطة القوية لنشر الفضيلة المطوية، كما أنها ترفع الباطل إن ظفر بها مختلساً
وسلامٌ على الحق إذا لم تؤيده القوة
وسلاٌم على القوة إذا لم تؤيد الحق
ليس في استعانة الق بالقوة تقليل من قوته أو حط من قدره. فالقوة وسيلة الطبيعة للبقاء، والإنسان حيوان قبل أن يكون عقلاً. .
لذلك يسبق في عمله إدراك القوة قبل أن يدرك ما هو حق وما هو باطل
فإذا هو أدرك لأحدهما معناه، عمل لبقاء ما اختار منهما لنفسه والبقاء في هذه الحياة هو للأقوى
فيا أيها الصالحون، اعملوا على أن تكونوا الأقوياء. . .
وانظروا في ذلك وأنتم في مرحلة لكم جديدة. . .
راشد رستم