الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 439/القصص

مجلة الرسالة/العدد 439/القصص

بتاريخ: 01 - 12 - 1941

ُ

الصاحب والآلهة

لتشارلس جارفس

بقلم الأديب كمال رستم

وقف جاك كارلتون في ناحية من (الهملايا) يرقب رجاله وهم يقومون بتغطية السفح بالأكواخ الخشبية، فما عتم أن أحس بشعور الرضى تزخر به نفسه.

نزح جاك إلى تلك الأصقاع وفي رأسه مشروع كبير هو قطع الأدواح الباسقة القائمة في تلك الأجمة المترامية الأطراف وسط تلال الهملايا، وتصدير الآلاف منها إلى الخط الحديدي الممتد على ثلاثة الآف قدم من السهول الجنوبية.

وعلى مسافة قصيرة أسفل التل وقف رئيس عماله (رينجت سينج) وعيناه أبداً شاخصتان إلى سيده، وذراعه دوماً على أهبة الاستعداد لأن ترفع في أي وقت إشارة لآلاف الرجل الذين لا تكاد عيونهم تقع على شيء غيره، وكان لهذا الرجل تأثير غريب على أهل هذه البقعة بلا أستثناء!

وهو وإن بدت عليه آثار السن العالية كان رائيه يستملي فيه وداعة الطفل، ويستجلي منه قوة خارقة للمألوف؛ فيه شجاعة مدمرة لا تعرف الونى أو الفتور، ثم هو بعد أملس البشرة عدا شارب أبيض يحكي الجليد. وكان وقتذاك يرتدي ثياباً وطنية من صوف الماعز، وينتعل خفين من الشعر. ورنجت سينج هذا تجري في عروقه قطرات من الدم الملكي، فهو سليل جنس (الراجا) العريق في القدم الذي ينحدر رأساً من سلالات آلهة عاشوا على مدى الأجيال وسط صقيع (جانجوتريا) أرومة (الجانجوتريين) العظام، وكان طبعه وجملة مشاعره، تغلب عليها الروح الأوربية، وإن كان من العسير إن لم يكن من المستحيل على الفهم قبول ذلك. أما روحه فكانت تفيض بشاعرية مرهفة، وأما قانونه فكان الانتقام، وهو متأثر في كل من طبعه وقانونه بهؤلاء الرجال الذين نصبوا أنفسهم لنشر عقائد (البوذية) و (الشاستية)! أما في روحه فقد كان يجنح إلى الذين وجدوا في طفولة العالم

وإن قلبه لينبض بحب اثنين في هذا العالم المملول: حفيده الطفل (سيكوندار)، وسيده (الصاحب) كارلتون.

ولعل الجو في السهول السفلي لم يكن نقياً، حتى لقد غدا الغلام سقيما مدنفاً، فأذن كارلتون لجده أن يصعد به إلى التلال. . .

وكان (سيكوندار) جميلاً فاتن الجمال، ذا عينين نجلاوين تحكيان عيني غزال؛ وهو وإن فاض عليه الجمال الهندي الآسر فقد التمع في عينيه كذلك بريق الحدة التي لا تقف بصاحبها الهندي عند حد. . . وتعلق الطفل بكارلتون، فغدا لا يفارقه أينما ذهب. وكان جاك قد أعطاه دواء أفاده فائدة ملموحة، فعاده جماله العازب ومرحه الذي زايله حيناً. . . وكان كارلتون يجلس إليه ويصغي إلى أحلامه وأوهامه وأقاصيصه عن مواطينه القدماء وخرافاته عن الأحراج والأدغال. . . هذا وكارلتون لا يفتأ يفكر في فتاته (إيثيل). . . ولم يجحد رانجت الجميل الذي أسداه إليه (الصاحب) فأحبه وقدره. . .

وفي هذه اللحظة التي بدا فيها حظ كارلتون معلقاً في كف القدر، كانت عينا سيكوندار اللامعتان مثبتتين في كارلتون. . .

وقد التمع فيهما بريق القلق. . . هذا وكارلتون منتصب القامة، مستيقظ الحواس. . .!

وأخيراً، أصدر أمره، فهوت دوحة وانحدرت إلى أسفل المنحدر. . . ومن ثم إلى البحيرة على مسافة ثلاثة آلاف قدم. . .

وتبعتها ثانية ثم ثالثة. . . وأخذت الأمور تجري مجرى حسناً، فلمع بريق الرضا في عينيه، ولكن لفظ (الرضى) لا يؤدي مفهوم السعادة. . . كان (جاك) قد تأله في قلبه حب (إيثيل رين) وهي ابنة (ماجور) قتل في غارة من تلك الغارات التي يشنها رجال العصابات من حين لآخر. . . وكانت (إيثيل) في زيارة بعض أقربائها حين رآها (جاك) لأول مرة، فاستشعر في قلبه حباً لها. . . ولكن، من هو؟. . . ضابط غابة لا أكثر ولا أقل!. . . وإن حبه الصادق ليتخطى تلك الاعتبارات. . . ما لم تكن إجازته قد ألغيت فجأة، واضطر إلى الرحيل قبل أن يكشف لفتاته عن ذات قلبه. . .

وبعد شهر من رحيله تواترت الأخبار تحمل إليه نبأ زواج فتاته من (هيرسن) مقاول أعمال الخطوط الحديدية الشهير، وهو عصامي جمع من عمله ثروة طائلة، فأصبح بعد قادراً على أن يفرض حبه وقتما وحيثما شاء.

ولم تكن (إيثيل) على علاقة طيبة بذويها، ولعلهم أرغموها على قبول هذه الزيجة. . .

عاد (جاك) إلى كوخه وخلع ثيابه، ثم أشعل غليونه وراح يفكر في فتاته. . . وهو وإن كان قد أقسم ألا يفكر فيها، فقد تداعت أفكاره بالرغم عنه، وتراءت له (إيثيل) في تلك الآونة في جمالها الآسر، وشعرها الأسود، وأهدابها الوُطف، وشفتيها الصارختين. . . تراءت له كما رآها آخر مرة حين قال لها: (إلى اللقاء). وأفاق من تأملاته على صوت (سيكوندار) يقول: ضيوف يا (صاحب)!. . .

فنهض من فراشه واتجه إلى باب الخيمة، فأبصر جماعة صغيرة تتخذ طريقها إلى التل، واستطاع أن يتبين من بين أفرادها رجلاً وامرأة من البيض

- أعد الشاي يا سيكوندار. . . قال ذلك وأسرع للقائها فقابلها عند منعطف الممر، فما عتم أن أخذ وأسقط في يده!

لم تكن المرأة غير (إيثيل رين)، كل، بل (إيثيل هيرسن) لأن هذا الرجل القصير البدين ذا العينين العكرتين والشفتين الغليظتين لابد أن يكون زوجها. . . وامتقع وجه (إيثيل) وتقلصت شفتاها، وأخذ كل منهما يحدق في وج صاحبه إلى أن بددت (إيثيل) ذلك الصمت هوم على المكان بقولها:

- أهذا السيد (كارلتون). إذن فأنت ضابط الغابة هنا؟

فأجابها بهدوء:

- نعم. . .

قالت:

- هذا زوجي ألح عليه المرض وأضناه، جاء إلى هنا يلتمس الشفاء بين التلال. . .

قال (هيرسن):

- لا أظن أن الجو هنا أشد برودة من جو الوادي. أيبعد معسكرك كثيراً من هنا؟ فأجابه جاك محاولاً أن يظهر سروره لرؤيته:

- كلا. لا يبعد كثيراً، ويعد من تحصيل الحاصل أن أذكر لكما أني مضيفكما على الرحب والسعة، وأننا لن نذخر وسعاً لأن نجعل زورتكما لطيفة بهيجة. والجو هنا صحو عليل آمل أن يفيد السيد، وكذا آمل أن يفيد السيدة، وأضاف الجملة الأخيرة إذ استملى من بشرتها لمحة عابرة فإذا بها قد زايلتها حمرتها واستولت عليها بدلاً منها صفرة واهنة. وتبدت له جميلة يروعها الحزن فتفتن

أضافهما جاك في خيمته وقدم لشاي لإيثيل. أما هيرسن فقد تجرع سائلاً من زجاجة كانت معه. وقام جاك بدور المضيف على أحسن وجه، ووقف بنفسه على حقيقة مرض السيد هيرسن، فهو وإن لم يكن قد رأى الرجل قبل الآن فقد تواترت إليه الروايات الكثيرة عنه. وجاك خبير بقراءة الوجوه ودلالاتها؛ فالخطوط السود التي يقتم بها ما حول المآقي، والصوت الأجش الجاف، والنظرات المتكسرة الحزينة، إذا لم يكن كل أولئك من صنع الخمر، فقد يكون مظهر السيد هيرسون قد غبنه غبناً صارخاً

وفي اليوم التالي أمر جاك بإعداد (خيمة) ليقيم فيها ضيفاه وخدمهما؛ ولكن هيرسن طلب أن تضرب الخيمة في وسط أجمة كان في نهايتها معبد، فهي بذلك في نظر الأهلين أجمة مقدسة. فاضطر جاك أن يرفض الطلب، وعرض عليه أن يضرب خيمته في مكان آخر؛ ولكن هيرسن أصر على مكان يقع مباشرة تحت الأدواح الظليلة حتى يتفيأ ظلالها. وبذلك يكون قد شاء أحد مكانين. يقع أحدهما في خياله، ويقع الثاني في الأجمة المقدسة. وأخيراً رأى جاك فضاً للنزاع أن تضرب الخيمة بجانب لفيف من الأشجار

وغفا جاك في هذه الليلة إغفاءة بسيطة كالليلة السابقة وعمل بحق على مقاومة حبه القديم لعقيلة هيرسن، حتى خيل إليه أنه نجح في ذلك وقابلها وحدها في الصباح، وسألها عن هيرسن فأخبرته بأنه مريض، وعزت مرضه إلى وعثاء السفر، ولكن جاك لم يكن في حاجة إلى معرفة مرض زوجها بعد إذ رأى بعيني رأسه بالأمس صناديق (الويسكي) يحملها العبيد إلى خيمة هيرسن.

لم يدخر جاك وسعاً في إسعاد ضيفيه، فكان يصحبهما إلى النزهات الجميلة. على أن هيرسن لم يكن يجد لذة في مثل هذه الجولات، وكانت زجاجة الويسكي هي الشيء الوحيد الذي يبعث الضوء إلى عينيه الذابلتين، أما إيثيل فإنها لم تمل مطلقاً مشاهدة انحدار التل السريع إلى البحيرة الراقدة عند قدميه، ولم تضجر.

من محادثة الرجال، وسماع صوت الأشجار تهوى من شاهق، وأصوات العبيد تسري من فوق يرجع الفضاء دويها، ثم تأخذ في الضعف رويداً رويداً حتى تصلها رفيقة خافتة.

وأخذت الطبيعة تحسر لها في كل يوم عن أسرار جديدة في الآجام وفوق التلال، وفي البحيرة السريعة الجريان. وكان جاك يصحبها في أكثر هذه النزهات، ويسير معها جنباً إلى جنب، إلا أن أحدهما لم يكن يذكر الماضي بكلمة واحدة. فكان جاك يحدثها عن مشاهداته في الهملايا، وكانت هي بدورها ترثي لحال زوجها وتأوى عليه. ولقد اعتاد أن يجلسا على أحد التلال الرئيسية تجري من تحتها الأنهار الجليدية على ارتفاع خمسة وعشرين ألف قدم. وكانت قمة التل شديدة البرودة، بينما كان النهر الذي يجري في أسفل حاراً شديد الحرارة! على أن الحرارة في وسط المنحدر كانت معتدلة! وكانت سهول الهند وكل مدنيات أوربا تبعد عن هنا كثيراً، فأقرب محطة إلى هذا المكان تقع على بعد مائتين وخمسين ميلاً، منها مائة ميل في مسالك جبلية وعرة، تكاد لا تسمح لحيوان أن يسير على طول حافة هاوية. . . وكان كارلتون الحاكم المطلق على هذه الغابات جمعاء. وكان عمله ينحصر في قطع أشجار (الدردار) ولم يكن يعكر عليه صفو حياته إلا صورة إيثيل تتراءى له بين الفينة والفينة؛ ولكن هاهي ذي إيثيل إلى جانبه، وهما ينصتان معاً إلى طائر (الكورلا) الأخضر يرجع تلك الكلمة الحبيبة: (أحبك) وهي الكلمة التي لم يفه بها لفتاته، والتي لا يستطيع الآن أن يفوه بها!

وكان سكوندار الطفل يصحبهما دائماً في نزهاتهما، وقد أحب إيثيل حباً جماً هي أيضاً، فكانت تسمح له بأن يجلس عند قدميها عندما تكون راقدة في فراشها، وتنصت إلى أقاصيصه التي لا تكاد تنتهي عن شجاعة الصاحب كارلتون!. . .

أما هيرسون فكان يبغض الطفل بغضاً شديداً

وفي ذات يوم صحب جاك إيثيل وزوجها ليريهما قرية مهجورة حلت عليها لعنة الآلهة، لأن رئيس قبيلتها جرؤ على قطع شجرة من أشجار الدردار المقدسة. . . وكان الموت عقاب هذه الجريمة؛ فمات رئيس القرية وفر الأهلون تاركين وراءهم القرية قاعاً صفصفاً!. . . وما إن سمع هيرسن هذا القول حتى أغرب في الضحك ثم قال:

- حقاً إن هؤلاء العبيد لتملأ الخرافات رؤوسهم، وإني لأريد أن أنزع عنهم بعضها. . . وكان ثملاً يلمع في عينيه الذابلتين بريق الدهاء والمكر.

ومرت الأيام في أمن وسلام، حتى كان ذلك اليوم المشؤوم الذي مر فيه جاك هو ورنجت بخيمة هيرسن، فإذا بصيحة يتمثل فيها الرعب والضراعة تطرق آذانهما. وما لبث بعدها أن اندفع سيكوندار من الخيمة يتبعه هيرسن ثائراً صاخباً ممسكاً بهرواته. وكاد الطفل يفر من الرجل الثمل لولا أن اشتبكت سترته بصندوق فارغ من الويسكي، فلحق به هيرسن وضربه ضربة قوية جرى بعدها الطفل وهو يتلوى من الألم

فصاح جاك غاضباً: ما هذه القسوة يا هيرسن؟

وخرجت إيثيل في هذه الآونة واجفة القلب واكفة الدمع، وقادت هيرسن إلى داخل الكوخ في صمت وسكون

هذا، ورينجت سينج ساكن هادئ لا تنفرج شفتاه على كلمة، وإنما تآلفت قسماته على الإفصاح عما استسر في نفسه، وكاد الغضب يتطاير من عينيه ناراً. . . واعتذر جاك عن هيرسن، ولكن رنجت سينج ظل على صمته، ومضى تاركاً سيكوندار لجاك. . .

وفي الأصيل قابل جاك إيثيل وسارا معاً في الأجمة المؤدية إلى معبد الدردار في ذلك المكان المقدس. فقالت له بصوت هدجه الألم:

- لقد كنا عبئاً ثقيلاً عليك إلى وقت طويل يا جاك. . . إنما يجب ألا نقضي ليلة واحدة بعد هذه. . . نعم يجب أن نرحل ولكن جاك رجاها أن تمكث أسبوعاً، فقبلت بعد إلحاح. . . وما لبث أن أقبل هيرسن عليها وقد عاد إليه شعوره وقال:

- آسف، فقد كنت فاقداً لصوابي يا كارلتون. . .

وحانت منه التفاتة إلى الأجمة فقال:

- إني لتعتلج في نفسي رغبة ملحة في أن أقطع بعض هذه الأشجار!

قال جاك:

- إقطع ما شئت من شجيرات التل، ولكن لا تمس أشجار هذه الأجمة بسوء.

فتساءل هيرسن بحزن:

- ولم لا تكون واحدة من هذه؟

فأجابه جاك قائلاً:

- لأن أشجار هذه الأجمة مقدسة يا هيرسن. أنسيت سريعاً قصة القرية المهجورة؟. . .

فأغرب هيرسن في الضحك وقال: - إنك خيالي يا كارلتون كهؤلاء العبيد. فما الذي يحدث لو أنني قطعت إحدى هذه الأشجار المقدسة؟

فأجابه جاك:

- يحدث أولاً أن يغادرني كل رجل في هذا المكان. . .

قال هيرسن هازئاً:

- وثانياً؟. . .

أجابه جاك بهدوء:

- وثانياً هم يعتقدون أن الرجل الذي يجرؤ على مس إحدى هذه الأشجار المقدسة تحل لعنة الآلهة وتنقضي حياته بانقضاء حياة الشجرة.

فجرت على شفتيه بسمة ماكرة ثم قال:

- الحق أني أبغض أجمتكم العابسة هذه، وتركهما ومضى

كان جاك يتناول عشاءه حين طرق سمعه أصوات لا يمكن أن يخطئ في معرفتها. . . أصوات صاخبة ثائرة تنذر بشر مستطير آتية من الغابة. فنهض جاك واقفاً وأسرع إلى الخارج؛ فما عتم أن رأى الشعب الهائج الثائر في طريقه إلى الأجمة فتبعه، فإذا الأجمة وقد زخرت بالجموع الحاشدة التي راحت تتفرق جماعات هنا وهناك. وفي إحدى هذه الجماعات أخذ القوم يضربون على صدورهم، ويذرون الرمل فوق رؤوسهم بينما تعالت أصواتهم إلى عنان السماء مهددة منذرة.

شق جاك طريقه وسط هذا الجمع الحاشد الذي أخذ يحدق في شيء مسجى على الأرض، وما لبث أن انجلى الموقف بوضوح! هناك على الأرض كانت ترقد شجرة من أشجار الدردار المقدسة هوت بها يد ملعونة، وإلى جانبها جلس رينجت سينج يكاد يتميز من الغضب. وللمرة الأولى لم يحي (رينجت سينج) الصاحب. فربت جاك على كتفه قائلاً: مر هؤلاء الرجال أن يعودوا من حيث أتوا يا رينجت سينج. فنهض الرجل واقفاً، وحيا كارلتون ثم رفع عقيرته آمراً القوم أن ينصرفوا. . . وغادر الرجال الأجمة ورؤوسهم مطرقة إلى الأرض، وأيديهم لا تفتأ تضرب صدورهم! حتى غابت أصواتهم في الفضاء

عاد جاك إلى خيمته، وأخذ يقلب الأمر على جميع وجوهه. وأخيراً اقتنع بوجوب رحيل هيرسن في الحال، لأن كل ساعة يمكثها يعرض نفسه فيها لخطر ماحق. . . وتهالك على فراشه، ولكن الكرى نفر عنه فظل أرقاً مسهداً، وإنه لكذلك إذا بصوت من الخارج يقول: يا صاحب! يا صاحب!

فنهض من فراشه، ورأى أمامه إيثيل وسيكوندار

- أتريدني؟ قالت إيثيل ذلك، وقد امتنع وجهها وتقلصت شفتاها، والتمع في عينيها بريق مزيج من الحزن والرعب

- كلا. . . ولكن سيكوندار أشار إليه محذراً فاستدرك قائلاً:

- كلا لم أبعث في طلبك. قال سيكوندار:

- لقد غدا الصاحب مجنوناً، وأمسك بفأس يهدد بها من يقف في طريقه. قال جاك:

- أدخلا وسأذهب بنفسي لأراه

فتعلقت إيثيل بذراعه قائلة:

- كن حذراً يا جاك، فإنه كما وصف الطفل. فقال:

- خلي عنك مخاوفك

ومضى في طريقه صوب خيمة هيرسن، وما كاد يقترب منها حتى طرق سمعه صوت رهيب، كما لو كان ثقل هائل قد هوى من شاهق، وما نشب أن رأى مجموعة الأدواح التي كانت تظلل الخيمة تهوى بأجمعها عليها فتدركها دكاً. وصاح جاك مستنجداً، فخف إليه جمع حاشد يتقدمه رينجت سينج وقد جرت على شفتيه بسمة الفوز والغلب. فصاح فيهم جاك:

- أسرعوا، وانظروا ما إذا كان الرجل هناك. وقد كان هناك، ولكنه لم يعد له ثمة مظهر من مظاهر الناس فقد سحقته مجموعة الأشجار سحقاً ورفع ريجنت سينج يديه إلى السماء وقال:

- الصاحب والآلهة! وأسرع جاك إلى مجموعة الأشجار ولكنه لم يجد أملاً في إنقاذ الرجل. أما كيف وقع هذا الحادث، فهذا ما ظل جاك يتساءل عنه إلى أن كل لسانه السؤال، فلم يكن ثمة إلا جواب واحد. . . (الصاحب والآلهة!)

(المنصورة)

كمال رستم